مهرجان "النّهام" يرسخ التراث البحري المشترك لدول الخليج

الدمام (السعودية) - في إطار الجهود السعودية لصون وإحياء التراث، انطلق مهرجان “النّهام” في الواجهة البحرية بالدمام ليبرز القيمة الفنّية العالية الكامنة في ألوان فن النهمة المختلفة وأشعاره وطرق الأداء المتنوعة فيه.

ويتواصل المهرجان الذي تحتفي من خلاله هيئة المسرح والفنون الأدائية السعودية بفنّ النهمة الأصيل، وسط مشاركةٍ من جميع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، حتى الثاني من نوفمبر، ليُرسخ مكانة الفنون الأدائية البحرية في الوعي الثقافي السعودي والخليجي، ويؤكد عمق ارتباط النهمة بتاريخ الحياة البحرية لسكان الخليج.

وارتبط فن النهمة بالبحّارة الذين كانوا يسافرون للصيد والغوص والتجارة في مياه الخليج وخارجها، حيث كان البحر المورد الاقتصادي الرئيس لغالبية مدن الخليج، ويُعدّ النّهام أحد أهم أفراد طاقم السفينة، والذي يتمحور دورُه حول شحذ همم البحّارة، وتخفيف أعباء صعوبة الرحلة عنهم بالأهازيج والأشعار المغنّاة المتنوعة التي عُرفت بفن “النهمة”. وتنوعت أصناف النهمة لتشمل جزءا يُؤَدَّى في مقتبل الرحلة وآخرَ أثناءَها وأنواعاً أخرى بطابعٍ متميز تُؤدَّى بعد الوصول إلى بر الوطن.

ويضم المهرجان عدة تفعيلات ومناطق تتكامل في ما بينها لتوفير تجربة مميزة للزائر، حيث تُؤدَّى الفنون الأدائية البحرية والنّهمة بألوانها في عدة مناطق حول أرض المهرجان، كما يضم عددا من المتاجر المخصصة للحرفيين والأسر المنتجة والصناعات التقليدية.

ويحتوي المهرجان معرضا فوتوغرافيا لصور قديمة من الذاكرة الصورية لحياة البحّارة على سواحل الخليج، إضافةً إلى مكتبة تضم مراجع مهمّة وثّقت أحداثا ومراحلَ محوريّةً في الفن والتاريخ الخليجيَّين مما له ارتباطٌ بفن النّهمة، بالإضافة إلى عرضٍ لمسرحية “دانة يا نّهام” التي تُعرض للمرة الأولى، وهي من تأليف الأديب السعودي صالح آل زمانان، وتسرد المسرحية دراما خليجية حيّة من قلب الذاكرة الخليجية.

ويشهد المهرجان تنظيم مسابقة نهام الخليج التي تشارك فيها فرقٌ للنّهمة في فن “الفجري”، ونهّامةٌ منفردون من المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وقطر، والكويت، وسلطنة عُمان، والبحرين، ليؤدُّوا فن “اليامال”، على أن يُتوَّج في نهاية المسابقة الفائزون بالمراكز الثلاثة الأولى.

ويأتي مهرجان النّهام ضمن جهود هيئة المسرح والفنون الأدائية في إثراء الحراك الثقافي بالمملكة، وتعزيز حضور الفنون الأصيلة في المشهد الثقافي، كما يعكس حرص وزارة الثقافة على تعزيز التبادل الثقافي الدولي بوصفهِ أحد أهدافها الإستراتيجية تحت مظلة رؤية السعودية 2030، ومدّ جسور التواصل الثقافي من خلال تسليط الضوء على الأواصر المشتركة بين المملكة ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.

وحظي حفل افتتاح المهرجان الأول لفن النّهام بإشادة كبيرة من قبل خبراء التراث والوفود والفرق الخليجية المشاركة والجمهور الكبير الذي حرص على حضور الحفل والاستمتاع بما تضمنه من فقرات تذكر الأجيال الشابة بفن تراثي خليجي عريق.

وكانت اللجنة المنظمة للمهرجان قد اختارت المخرج الكويتي نصار النصار لإخراج حفلي الافتتاح والختام وما بينهما من فعاليات تنتظم على مدار أكثر من أسبوع. وعبّر المخرج الكويتي عن سعادته واعتزازه بالمشاركة في المهرجان الأول لفن النهام على أرض مدينة الدمام بالمملكة العربية السعودية الشقيقة.

وأشار إلى أنه يقوم بجانب إخراج حفلي الافتتاح والختام بتنسيق تنفيذ جدول المهرجان وما يتضمنه من عروض تراثية ومسابقات تدور جميعها في فلك فن النّهام. ولفت إلى أن المهرجان يشهد مشاركة واسعة من بلدان مجلس التعاون الخليجي، حيث تشارك في فعالياته ومسابقاته 13 فرقة شعبية قدمت من كافة بلدان الخليج العربي، بجانب 18 نهاما، وحشد من الشعراء الشعبيين وخبراء التراث، ونوّه إلى أن المهرجان يشهد على مدار أيامه 92 فعالية، حيث يرافقه في القيام بعمل مساعد المخرج خلال أيام وليالي المهرجان المخرج الكويتي أحمد رشود.

وأكد النصار أن المكسب الحقيقي له ولكافة المشاركين في المهرجان من كل الدول الخليجية، هو الالتقاء بنجوم فن النهمة ببلدان الخليج العربي، والاحتكاك المباشر وتبادل الخبرات بين المشاركين كافة، وأشار إلى أن فيلما وثائقيا يجري إعداده ليسجل كافة الفعاليات والمسابقات وتوثيق الفن التراثي المشترك ونقله للأجيال، وبيّن أن هذا التوثيق يحرص عليه المسؤولون في هيئة المسرح والفنون الأدائية بالمملكة العربية السعودية.

وأوضح المخرج الكويتي أن علاقته بفن النّهام علاقة قديمة، حيث بدأ مع الفنون التراثية كنهام بفرقة بني حسين الشعبية الكويتية، وأنه ليس بغريب عن ذلك الفن العريق، وشدد على أن المهرجان جاء ليؤكد حرص المملكة العربية السعودية وأشقائها بدول مجلس التعاون الخليجي على صون وإحياء تراث شعوب المنطقة وموروثها الثقافي، وفي مقدمة ذلك فن النّهام التراثي الذي يرتبط بفترة مهمة من تاريخ بلدان المنطقة، ويعد واحدا من مكونات الهوية الوطنية لشعوب الخليج العربي.