عبدالرحمن تشياني رجل الظل الذي أمسك بمقاليد النيجر

قائد الحرس الرئاسي محسوب على فرنسا لكنه انقلب عليها.
الأحد 2023/10/29
رجل الظل الذي يتحرك من وراء الستار

الصورة تتغير في النيجر، سادس أفقر دولة في العالم، في ظل تحولات مثيرة تشهدها منطقة الساحل والصحراء.

في 26 يوليو 2023، أعلن قائد الحرس الرئاسي الجنرال أمادو عبدالرحمن تشياني محاطا بتسعة من العسكريين يرتدون الزي الرسمي العسكري وضع حد لنظام الرئيس محمد بازوم على إثر تدهور الوضع الأمني وسوء إدارة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، داعيا جميع الشركاء الخارجيين إلى عدم التدخل.

وبعد أن أعلن الجيش تأييده للانقلاب “تفاديا للاقتتال داخل صفوف القوات المسلحة”، تلا قائد الحرس الرئاسي في 28 يوليو بيانا نقله التلفزيون أكد فيه بصفته رئيس المجلس الوطني لحماية الوطن، انتهاء عهد الرئيس بازوم الذي كان يوهم الناس بأن كل شيء على ما يرام بخلاف الواقع القاسي مع ما يحمله من موت ونازحين وإذلال وإحباط.

واعتبر تشياني أن “النهج الأمني الحالي لم يسمح بتأمين البلاد على الرغم من التضحيات الجسيمة التي قدمها شعب النيجر والدعم الملموس والمقدر من شركائنا الخارجيين”.

بوكس

وتشياني من مواليد العام 1961 بمدينة تيلابيري وهي منطقة قاحلة تبعد نحو 200 كيلومتر شمال شرق نيامي، وشهدت خلال السنوات الماضية عددا من الهجمات الدموية من قبل الجماعات الإرهابية النشطة بمنطقة الساحل والصحراء.

تعود أصوله إلى قبائل الهوسا التي تعتبر إحدى أكبر المجموعات الإثنية في أفريقيا، وتعيش في المقام الأول بمنطقتي الساحل والسودان وفي نواحي الدورا بشمالي نيجيريا وجنوب شرق النيجر، كما تعيش بأعداد كبيرة أيضا في أجزاء من الكاميرون، وكوت ديفوار، وتشاد، وتوغو، وغانا، والسودان، والغابون والسنغال وغرب السعودية.

وينتمي سكان النيجر الذين يصل عددهم إلى 25 مليون نسمة إلى قوميات مختلفة تتألف من تسع مجموعات إثنية متعايشة في وئام، وتمثل الهوسا أغلبية السكان بنسبة 53.5 في المئة وتنتشر بالخصوص وسط وشرق البلاد مع منطقة ثقافية ممتدة إلى حد كبير إلى نيجيريا، يليها الجرماس وسونرايس بنسبة 19 في المئة من السكان الذين يحتلون غرب البلاد، ثم الطوارق (10.6 في المئة)، فالتبو (0.5 في المئة) والعرب (0.3 في المئة) في الشمال والشمال الشرقي، والكنوريون (4.6 في المئة) وبودوما بنسبة 10.4 في المئة.

درس تشياني عاما واحدا في كلية الحقوق، ثم اختار أن ينتسب إلى القوات المسلحة عام 1984، حيث حصل على رتبة عريف. وتم إرساله إلى الخارج للتدريب ضابطا للمشاة في القوات البرية، ثم عاد إلى النيجر وتابع تعليمه العسكري حتى حصل على دبلوم الدراسات العسكرية وتتابعت ترقياته حتى حصل على رتبة جنرال عام 2018.

عمل تشياني مع قوات حفظ السلام في جمهورية الكونغو الديمقراطية ونيجيريا وساحل العاج والسودان، كما عمل ملحقا عسكريا في سفارة بلاده بألمانيا، وعين عام 2011 قائدا للحرس الرئاسي بعد وصول الرئيس محمد يوسوفو إلى الحكم في انتخابات 7 أبريل 2011 خلفا لسالو جيبو الذي كان في السلطة كرئيس للمجلس الأعلى لاستعادة الديمقراطية منذ 19 فبراير 2010.

تمكن تشياني من إفشال محاولات الانقلاب التي جرت في عامي 2015 و2021. وساعده ذلك على أن يحافظ على منصبه مع تولي الرئيس بازوم السلطة في أبريل 2021.

كان تشياني يمثل الذراع اليمنى للرئيس يوسوفو الذي يتحدر بدوره من قبائل الهوسا، قبل أن يصل الرئيس المعزول بازوم إلى الحكم وهو ينتمي إلى الأقلية العربية واسمه العربي محمد أبوالعزوم، ويتحدر من قبيلة الميايسة التي تمثّل فخذا من قبيلة أولاد سليمان العربية ذات الأصول الليبية، والتي تعود بدورها إلى قبائل بني سليم العدنانية القيسية بنجد والحجاز وهاجرت بعض بطونها إلى شمال أفريقيا في القرن الحادي عشر للميلاد.

تولى بازوم رئاسة البلاد في أبريل 2021 بعد فوزه في الشوط الثاني من السباق الرئاسي بنسبة 57.65 في المئة من الأصوات، فيما حصل مرشح المعارضة الرئيس الأسبق ماهاماني عثمان على 44.25 في المئة.

◙ العسكريون يعدون الشارع: فرنسا لن تكون قادرة على السيطرة على مواردنا
العسكريون يعدون الشارع: فرنسا لن تكون قادرة على السيطرة على مواردنا

كان بازوم مرشحا لتحالف سياسي واجتماعي في إطار التجمع الوطني الديمقراطي بدعم مباشر من سلفه يوسوفو، ولولا ذلك الدعم ما كان ليصل إلى الحكم نظرا لأنه لا يمتلك القاعدة الاجتماعية القادرة على تمكينه من الأصوات الكافية لترشيحه لأهم منصب سيادي في الدولة.

في 26 يوليو الماضي، أصبحت النيجر ثالث دولة في منطقة الساحل بعد مالي وبوركينا فاسو تشهد انقلابا منذ العام 2020، في ظل استمرار هجمات جماعات مرتبطة بتنظيمي داعش والقاعدة، ومع اتساع دائرة الصراع على النفوذ في منطقة الساحل والصحراء وبداية تشكل القطب الروسي وتراجع الدور الفرنسي بانكشاف عوراته وارتفاع مستويات الغضب الشعبي من نتائجه السلبية على الشعوب والمجتمعات في وسط وغرب أفريقيا.

كان الجنرال تشياني رجل الظل الذي يتحرك من وراء الستار، وحتى في يوم الإعلان عن الإطاحة بالرئيس بازوم لم يظهر في الصورة مع زملائه العسكريين الانقلابيين أمام كاميرا التلفزيون، وقد اختار أن يظهر لاحقا ليشكل علامة استفهام للمهتمين بالشأن العام في النيجر، لاسيما أن هناك من كانوا يعتبرونه واحدا من رجال فرنسا الأوفياء، أو على الأقل قريبا من الرئيس محمد يوسوفو الذي كان بدوره رجل فرنسا في نيامي.

بوكس

لكن كل شيء تغير بعد ساعات من ظهوره العلني، وبعد أن نجح الشارع في تغيير اتجاه الحدث الكبير من مجرد انقلاب عسكري ككل الانقلابات التي عرفتها البلاد في 1996 و1999 و2010 إلى حركة عسكرية مدعومة شعبيا في سياق تحولات إقليمية ترفع شعارات القطيعة مع باريس وتنادي بالاقتراب من موسكو وتدعو إلى العودة إلى معركة التحرر الوطني واستغلال الثروات الوطنية في تحقيق التنمية الشاملة.

ووفقا للبنك الدولي، فإن النيجر وصلت إلى مستوى من الفقر المدقع بلغ 42.9 في المئة في عام 2020 حيث كان نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي لا يتعدى 540 دولارا، رغم أنها رابع أكبر منتج لليورانيوم في العالم، وفي عام 2021، زودت الاتحاد الأوروبي بما يقرب من 25 في المئة من إمدادات اليورانيوم، مما ساعد على إنتاج الكهرباء للملايين من الأسر، وفي العام 2020 كان قرابة 35 في المئة من اليورانيوم المستخدم في المفاعلات الفرنسية يأتي من النيجر التي لم تستفد على مدار تاريخها كثيراً من ثراء تربتها، حيث لم تتجاوز مساهمتها في الميزانية الوطنية 1.2 في المئة.

تستورد النيجر 70 في المئة من الكهرباء المستهلك من نيجيريا بما يشير إلى عمق الأزمة التي لم تجد طوال العقود الماضية من يعمل على تفكيكها للخروج بالبلاد من عصور الظلام ودخول العصر ولو من أبواب ضيقة، فيما تبدو أهم ثروات البلاد وهي اليورانيوم والذهب والبترول خارج حسابات المصلحة الوطنية، ولم تتجاوز نسبة مساهمتها في ميزانية الدولة 10 في المئة، وهو ما يشير إلى الحقيقة الدامغة: ثروات منهوبة في بلد خارج التاريخ يراد له أن يكون ديمقراطيا بقوة السلاح رغم أن الشعب لم يثبت إلى حد الآن أنه يريد ذلك، وهو المنهك بالفقر والمرض والأمية.

وتعاني النيجر من أعلى معدل للأمية على مستوى العالم بحوالي 80 في المئة من سكانها، حيث لا يتجاوز معدل الوعي 15 في المئة، ولا تتجاوز نسبة الأطفال المالكين للقدرة الحسابية واللغوية على المستوى الابتدائي 8 في المئة، فيما تؤكد الإحصائيات الرسمية أن أكثر من 50 في المئة من الأطفال لا يذهبون إلى المدرسة على الإطلاق، ويعتبر تعليم الفتيات منخفضا للغاية ولا يتم تشجيعه في ظل ضعف الاستثمار الحكومي في التعليم والذي لا يتعدى 4 في المئة فقط مما يعني أن المرافق والبنية التحتية التعليمية سيئة ولا تتوافق حتى مع كان سائدا في بدايات القرن الماضي ولا تتجاوز نسبة من يحصلون على الكهرباء في النيجر 18.6 في المئة من سكان البلاد وفق إحصائيات عام 2021، وبلغت هذه النسبة في المناطق الريفية 9.1 في المئة بينما لا تزال الأخشاب مصدر الطاقة الرئيسي لما يقرب من 80 في المئة من الأسر في بلد تغطي الصحراء ثلثي مساحته ولا يزال معرضا بشدة للآثار الضارة للتدهور البيئي وتغير المناخ.

أول خطوة خطاها تشياني هي تحدي العقوبات ومواجهة احتمالات التدخل العسكري الذي هددت بتنفيذه المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) بهدف إعادة الرئيس المعزول بازوم إلى الحكم، حيث حذر من أن أي هجوم على النيجر لن يكون نزهة في حديقة، داعيا إلى تنفيذ إرادة الشعب بإجلاء القوات الفرنسية من البلاد.

◙ الجيش أعلن تأييده للانقلاب تفاديا للاقتتال داخل صفوف القوات المسلحة
الجيش أعلن تأييده للانقلاب تفاديا للاقتتال داخل صفوف القوات المسلحة

وفي مقابلة مع التلفزيون الوطني ليلة 30 سبتمبر، أكد تشياني أن “عدد الجنود الفرنسيين المعلن عنهم على الأراضي النيجرية هو 1500 جندي، لكن لا أحد يعرف العدد بشكل دقيق”.

وأضاف “من حق فرنسا أن تقطع تعاونها مع النيجر كما تريد، لكنها لن تكون قادرة على السيطرة على مواردنا، طالما نحن موجودون، وهذا التزام قوي تجاه شعبنا”، مردفا “تحالفنا مع مالي وبوركينا فاسو في مجال الدفاع سوف يتبعه إعلان عن تحالفات في مجالات أخرى”.

وكان رئيس مالي الانتقالي عاصمي غويتا أعلن في 17 سبتمبر الماضي أنه وقّع مع نظيريه البوركينابي إبراهيم تراوري والنيجري عبدالرحمن تشياني ميثاق تأسيس “تحالف دول الساحل”، لإنشاء بنية دفاعية جماعية مع ترك الباب مفتوحا أمام انضمام “أي دولة أخرى لها نفس الحقائق الجغرافية والسياسية والاجتماعية والثقافية” للدول المؤسسة.

وأكد غويتا أن الهدف من الميثاق، بشكل عام، هو “إنشاء بنية للدفاع الجماعي والمساعدة المتبادلة لصالح سكاننا”، فيما اعتبر نظيره تراوري أن “إنشاء تحالف دول الساحل يمثل خطوة حاسمة في التعاون بين بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ومن أجل سيادة شعوبنا وتنميتها، سنقود الحرب ضد الإرهاب في فضائنا المشترك حتى النصر”.

بوكس

وعد تشياني بأن “هناك العديد من الأشياء الجميلة التي يتم التخطيط لها على عدة مستويات في النيجر”. وقال “نريد أن يفخر النيجريون جميعا في المستقبل القريب بالانتماء إلى بلدهم، أينما كانوا في العالم”، متهما النظام السابق بأنه “حرض النيجريين ضد بعضهم البعض”.

وفرض تشياني على باريس سحب سفيرها من نيامي ونقل قواتها من النيجر إلى تشاد المجاورة.

وبالنسبة إليه، كان دور فرنسا سلبيا في الحرب على الإرهاب بمنطقة الساحل والصحراء، وتحدث عن ذلك “قالوا إنهم أتوا لاجتثاث الإرهاب.. لم يفشلوا في طرد الإرهابيين فحسب، وإنما ازداد عدد الإرهابيين”، معتبرا أنّ “البلاد كانت مهددة بالزوال يوما ما، لذا قررنا اتخاذ الإجراءات لأنّ الأفراد (في نظام بازوم) لم ينصتوا إلى مستشاريهم العسكريين”. وأشار كذلك إلى الفساد الذي نخر جسد البلد الفقير وإلى العصابات التي كانت تعبث بمقدرات الدولة وهي في أغلبها مرتبطة بالمستعمر السابق.

يحاول تشياني الحفاظ على جملة من التوازنات ومنها دعم العلاقات مع الولايات المتحدة التي تمتلك قاعدة تضم نحو 1100 موظف وعسكري بوزارة الدفاع وفضاء لإطلاق الطيران المسيّر.

لكن العلاقات التي بدأت تتشكل بصورة واضحة مع روسيا جعلت واشنطن تعلن عن قطع مساعدات بأكثر من 500 مليون دولار عن سلطات نيامي، وهو ما يرى فيه مراقبون نوعا من أنواع الضغط بهدف إقناع السلطات العسكرية الجديدة بعدم الاندفاع بقوة نحو الروس ونحو التعاون مع مسلحي فاغنر المنتشرين في دول الجوار وخاصة في مالي وبوركينا فاسو وليبيا.

يحاول تشياني أن يستعيد مع شعبه شعارات حركات التحرر الأفريقي في خمسينات وستينات القرن الماضي، لكن الكثير من العراقيل تواجه تطلعاته.

لا يمكن انتظار مآلات مشروعه بمعزل عن الوضع العام في بقية الدول التي شهدت انقلابات عسكرية خلال السنوات الماضية وقطعت حبال تبعيتها لفرنسا، واتجهت لتحرير قرارها الوطني والعمل على الاستفادة من مقدراتها بعيدا عن قوى الاستغلال التي طالما عبثت بثروات ومصائر الشعوب في القارة السمراء.

 

7