العراق يكافح لترسيخ تجربة الدفع الإلكتروني

البنك المركزي يحاول تقليص التعاملات النقدية أملا في التضييق على السوق السوداء والتهريب.
السبت 2023/10/28
الملك هو الكاش!

يتابع المحللون محاولات صناع القرار النقدي في العراق إقناع الشركات والمستهلكين بجدوى التحول الرقمي في التعاملات التجارية والمالية وسط تباين الآراء حول مدى نجاح خطط ضبط الأوضاع وخاصة في ما يتعلق بأسعار الصرف في السوق المحلية.

بغداد – تدفع التحولات التكنولوجية في إدارة الأنشطة الاقتصادية العراق إلى ركوب الموجة التي تخلف عنها بسبب تراكم الأزمات نظرا لما تحمله من محفزات للرفع من كفاءة التعاملات وشفافيتها وكونها أداة تعول عليها السلطات لتنمية التسوق الرقمي.

وشدد محافظ البنك المركزي علي العلاق خلال اجتماع مع شركات الدفع الإلكتروني العاملة بالبلاد الخميس الماضي على ضرورة أن يتحول المتعاملون إلى استخدام البطاقات المصرفية بدلا من التعامل نقدا.

وحث كافة المتداخلين في القطاع على الإسراع في اعتماد الخطط التسويقية المناسبة لدعم الشمول المالي الرقمي في السوق المحلية. ونقلت وكالة الأنباء العراقية الرسمية عن العلاق قوله “يجب أن تكون من أولويات شركات الدفع الإلكتروني والمصارف كافة”.

وأشار خلال الاجتماع إلى أن انتشار أجهزة نقاط البيع له تأثيرات إيجابية، حاثا “المواطنين على استخدام البطاقات الائتمانية بدلا من العملة النقدية”.

علي العلاق: التعامل بالبطاقة يجب أن يكون أولوية لشركات الدفع والبنوك
علي العلاق: التعامل بالبطاقة يجب أن يكون أولوية لشركات الدفع والبنوك

ويكافح العراق الذي شهد حروبا وفترة حصار طويلة منذ أكثر من أربعة عقود بحثا عن حلول تساعد في تحفيز القطاع المالي حتى يسهم بدور فعال في تنمية الاقتصاد الذي ظل متوقفا منذ الغزو الأميركي في 2003 عبر تخفيف مستوى البطالة وتضييق دائرة الفقر.

ولذلك يبذل المسؤولون جهودا من أجل تطويق السوق السوداء للعملة، والتي يعتقد محللون أنها محاولة قد تعطي ثمارها بمرور الوقت مع إنهاء كافة عمليات السحب النقدي بالدولار بحلول 2024.

وترى الحكومة أن توسع تجربة الدفع الإلكتروني في السوق المحلية يمثل دعما مهما للبنك المركزي والاقتصاد العراقي وتقليل تكاليف نقل الأموال الورقية وكذلك جعلها بمأمن وأيضا سد ثغرات تهريب العملة.

ووفق رابطة المصارف الخاصة العراقية، يبلغ إجمالي البطاقات الائتمانية المفعلة التي يمتلكها المواطنون نحو 14.9 مليون بطاقة بكل أنواعها، بالإضافة إلى 2.1 مليون محفظة دفع عبر الهواتف الذكية مفعلة.

وفعليا بدأت البنوك في تقليص السحب النقدي منذ أشهر قليلة بداعي عدم توفير المركزي للسيولة الكافية من الدولار في السوق ما يثير سخط المتعاملين والمودعين وينذر بتداعيات خلال الفترة المقبلة.

وأكثر ما يخشاه العراقيون سواء كانوا تجارا أو أفرادا الآن أن يقفز سعر صرف العملة الخضراء في السوق الموازية مقارنة بالسعر الرسمي مما ينعكس سلبا على واقعهم المعيشي.

وستحظر بغداد السحب النقدي والمعاملات بالدولار اعتبارا من يناير المقبل، في مسعى للحد من إساءة استخدام احتياطات البلاد من العملة الصعبة في الجرائم المالية والتهرب من العقوبات الأميركية على إيران.

وكشف المركزي مطلع العام الجاري أنه سيتم فرض استخدام أدوات الدفع الإلكتروني في القطاعين الحكومي والخاص، ليس بسبب ما تفرضه الرقمنة لتغيير نمط التعاملات التجارية والتقليل من التعاملات النقدية، وإنما لقطع الطريق أمام الفاسدين والسوق السوداء.

وأكد حينها أنه سيكثف جهوده لزيادة استخدام بطاقات الدفع في الأسواق والمحلات التجارية، خاصة وأن القرار سيلزم المؤسسات الحكومية وكل وحدات الإنفاق في القطاعين العام والخاص بإيجاد أجهزة الدفع الإلكترونية في تعاملاتها

14.9

مليون بطاقة بنكية مفعلة وفق رابطة المصارف الخاصة إلى جانب 2.1 مليون محفظة رقمية

ويأتي التحول رغم أن نظام الدفع الإلكتروني بالعراق متأخر عن أقرانه في الشرق الأوسط كونه لا يمتلك تكنولوجيا متطورة في مجال الإنترنت والاتصالات، بالإضافة إلى أن الاقتصاد لا يزال يعاني من أزمات صعبة تمنعه من التقدم.

وتؤكد تقارير دولية أن خدمات الدفع الإلكتروني بالبلد العضو في أوبك لا تزال ضعيفة، ومع ذلك سعت الحكومة عبر سياسات اتخذتها إلى تقليل التعامل بالأوراق المالية والتحول تدريجيا إلى نظام الدفع الرقمي للأموال.

وتشير إحصائيات البنك المركزي إلى أن عدد شركات الدفع الإلكتروني بالسوق المحلية بلغ العام الماضي 16 شركة.

كما تظهر الأرقام أن الخدمات الرقمية يتم استخدامها من قبل نحو 6 ملايين عراقي من الموظفين والمتقاعدين في بلد يبلغ تعداد سكانه نحو 42 مليون نسمة.

ورغم تحسن عوائد النفط، إلا أن البلد يمر بالعديد من الأزمات حيث بلغ معدل الفقر 25 في المئة، فيما تشير أرقام البنك الدولي إلى أن النسبة عند 40 في المئة.

وكانت وزارة التخطيط قد أكدت مرارا أنها تعد إستراتيجية لدعم الفئات الفقيرة وتحسين متطلبات العيش في مجالات الصحة والسكن والتعليم وتحسين الدخل وغيرها.

وفي خضم كل ذلك، يشكل الفساد الذي كلّف البلد ما يساوي ضعفي ناتجه المحلي الإجمالي أي أكثر من 450 مليار دولار، أبرز هموم العراقيين الذين يعانون من نقص في الكهرباء والمستشفيات والمدارس وغيرها من الخدمات الأساسية.

ولدى السلطات النقدية برنامج لإعادة هيكلة المصارف الحكومية والبالغ عددها ستة تتوزع بين بنوك تجارية وأخرى خاصة بالتعاون مع المنظّمات الدولية المعنية والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي.

ثلاثة بنوك كبرى فقط، وستحوذ على نحو 85 في المئة من إجمالي أصول القطاع المصرفي.

وتظهر الأرقام أن أكثر من 50 بنكا تعمل في البلاد، لكن معظمها لم تُدخل على نشاطها أي تحديثات وخاصة من ناحية التكنولوجيا المالية التي أضحت أحد المحددات التي تقيس معايير الشفافية والسرعة في تأمين المدفوعات والتعاملات التجارية.

وتستحوذ ثلاثة بنوك كبرى فقط، وهي الرافدين والرشيد والمصرف العراقي للتجارة، على نحو 85 في المئة من إجمالي أصول القطاع المصرفي.

ولا يوجد سوى بنك دولي واحد يعمل حاليا في البلاد، وهو ستاندرد تشارترد، ويمتلك عددا قليلا من الفروع ويركز على المشروعات الحكومية الكبرى.

وركزت الحكومة وصناع القرار النقدي منذ صيف 2022 على ضبط خطة لتحقيق الشمول المالي عبر تكييف خطط الارتقاء بالقطاع المصرفي مع الإصلاحات الهيكلية التي تستهدف دفع عجلات الاقتصاد إلى الأمام.

ومع أن نسبة الشمول المالي ارتفعت العام الماضي إلى 33.5 في المئة نتيجة الإجراءات التي اتخذها المركزي، لكنها لا تزال ضئيلة قياسا بدول أخرى في المنطقة العربية وخاصة الخليجية والتي رسمت أهدافا لبلوغ المستوى المسجل في الاقتصادات الناشئة.

10