تعثر الاتفاق الأوروبي مع تونس يلقي بظلاله على الاتفاقات مع دول أخرى

بروكسل/ تونس– يشعر الاتحاد الأوروبي بالتحديات التي سيواجهها في سعيه لإبرام اتفاقات جديدة مع دول أفريقية للحد من الهجرة غير الشرعية، وذلك بسبب ارتباكه في التعاطي مع تونس بعد أن تم الاتفاق لكن من دون توجيه دعم حقيقي، في خطوة غير مشجعة لدول أخرى قد تفكر في السير على خطاها.
وتبنى الاتحاد الأوروبي بتشجيع من إيطاليا وإسبانيا فكرة إبرام ما وصفه باتفاقات تعاون إستراتيجي مع دول شمال أفريقيا باعتبارها أفضل أداة للحد من الوافدين غير الشرعيين.
وسقط هذا التمشي في أول اختبار بعد أن تراجع الاتحاد الأوروبي عن حماسه للاتفاق مع تونس وضخ الأموال التي تساعدها على الخروج من أزمتها الاقتصادية وفي آن واحد تشجعها على لعب دور فعال في مواجهة تدفقات اللاجئين.
ومن شأن الخلاف مع تونس أن يفتح على الاتحاد الأوروبي باب المطالبات الأكبر من دول أخرى أخطر مثل مصر التي تريد أن تتم معاملتها مثلما تمت معاملة تركيا في ملف اللاجئين السوريين. ولا شك أن مصر لا يمكن أن تقبل بغلاف مالي لا يتماشى مع حجمها ولن يكون حجم المساعدات هو نقطة الخلاف الوحيدة بين الاتحاد ودول شمال أفريقيا التي تعارض فكرة التوطين وتعتبره مسّا من سيادتها.
الاتفاق مع تركيا للحد من الهجرة عبر أراضيها كلف دول الاتحاد الأوروبي أكثر من تسعة مليارات يورو منذ عام 2016
وقال مسؤول بالاتحاد الأوروبي مشارك في وضع السياسة الخارجية للتكتل المؤلف من 27 دولة “هذه الدول ليست مستعدة في الغالب للتعامل مع الأمر… إنها حساسة جدا أيضا لما تعتبره مسائل تتعلق بالسيادة”.
وأشار مسؤول آخر في الاتحاد الأوروبي يشارك في مفاوضات دولية ذات صلة إلى مخاطر أخرى مثل أن ذلك سيجعل الاتحاد الأوروبي يعتمد على قادة يتعرضون لانتقادات بسبب انتهاكهم لحقوق الإنسان والمعايير الديمقراطية، ويُنظر إليهم على أنهم يساومون بشدة من أجل المال.
وكلف اتفاق مع تركيا للحد من الهجرة عبر أراضيها الاتحاد الأوروبي أكثر من تسعة مليارات يورو منذ عام 2016.
وخفّض الاتفاق بشكل كبير عدد الوافدين إلى اليونان وأماكن أخرى في الاتحاد الأوروبي، الذي لم يكن مستعدا عندما وصل إلى شواطئه في عام 2015 أكثر من مليون شخص معظمهم فارّون من الحرب في سوريا.
كما ساهم في زيادة أعداد اللاجئين في تركيا، مما أثار قلق دول أخرى لا ترغب في إبقاء الوافدين على أراضيها لمساعدة أوروبا الأكثر ثراء منها.
وعرض الاتحاد الأوروبي على تونس، التي تعثرت حزمة إنقاذ لها من صندوق النقد الدولي، مليار يورو في يوليو بموجب اتفاق يوفر مساعدة اقتصادية بشرائح مختلفة مقابل الحد من الهجرة الناجمة في الغالب عن إصلاحات اقتصادية.
ورفض الرئيس التونسي قيس سعيد هذا الشهر مساعدات من الاتحاد الأوروبي بقيمة 60 مليون يورو (63 مليون دولار)، ووصف المبلغ بأنه زهيد، مشددا على أن “تونس، التي تقبل بالتعاون، لا تقبل بما يشبه المنة أو الصدقة، فبلادنا وشعبنا لا يريدان التعاطف، بل لا يقبلان به إذا كان دون احترام”.
وقالت رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني، في إحاطة لمجلس النواب الإيطالي، إن ايطاليا ستدعم التنفيذ الكامل للمذكرة وخطة المفوضية الأوروبية المكونة من 10 نقاط، أمام اجتماع مجلس أوروبا المقرر غدا وبعد غد، وفق ما نقلت وكالة نوفا الإيطالية للأنباء.
وأشارت ميلوني إلى أنه “للحصول على دعم سلطات البلدان الأفريقية لهذا النهج، هناك حاجة إلى تغيير الوتيرة”، و”وضع النهج العدائي جانبا” والذي غالبا ما ميز هذه العلاقة.
وقالت الباحثة في مجال الهجرة فاطمة رعش “تونس ترفض أن تكون بؤرة (للهجرة) أو بلد مقصد”.
ووُجهت انتقادات للاتفاق لأنه لا يتمتع بالقدر الكافي من الشفافية، وأشارت فاطمة إلى أنه لم يتضمن أيّ بند يتعلق بالإشراف على ظروف الاستقبال في بلد ليست لديه قوانين لجوء مما يعرض سلامة من سينتقلون إليه للخطر.
وسجل الاتحاد الأوروبي، الذي يبلغ عدد سكانه 450 مليون نسمة، قدوم 250 ألف وافد غير نظامي هذا العام ارتفاعا من 160 ألفا في عام 2022 بأكمله، وهي زيادة عبّرت إيطاليا وألمانيا عن قلقهما بشأنها.
ورغم أن الاتحاد الأوروبي رحّب بعدة ملايين من اللاجئين نتيجة الحرب الروسية في أوكرانيا، يود التكتل تقييد الهجرة غير الشرعية من الشرق الأوسط وأفريقيا.
وتقول تونس إنها شنت حملة على مهربي البشر ومنعت عشرة آلاف شخص تقريبا من المغادرة بحرا في الشهر المنتهي في 15 أكتوبر، ومنعت حوالي 12500 شخص من الوصول برا.
وقال مسؤول تونسي كبير لرويترز إن بلاده تبذل قصارى جهدها لوقف تدفق المهاجرين. وأضاف “الموضوع ليس ماليا.. لكن نريد اتفاق الند للند فيه الاحترام المتبادل ويتضمن حزمة كاملة بما فيها الاقتصادية والاستثمارية”.
وفي بادرة إيجابية رحب قيس سعيد بموافقة إيطاليا على استقبال حوالي أربعة آلاف عامل من بلده.
وتلوّح ألمانيا أيضا باحتمال تسهيل الهجرة القانونية، وزار المستشار أولاف شولتس مصر في الفترة الأخيرة. وتحاول المفوضية الأوروبية التفاوض مع القاهرة على “شراكة إستراتيجية متبادلة المنفعة”.
وطالبت ميلوني الأربعاء بتنفيذ كامل لمذكرة التفاهم الموقعة بين المفوضية الأوروبية وتونس منذ منتصف يوليو الماضي بهدف التصدي لتدفقات المهاجرين من السواحل التونسية.