مهرجان الدن الدولي للمسرح يرحب بالعالم في سلطنة عمان

بعد غياب لسنوات بسبب جائحة كورونا وغيرها، تعود فرقة مسرح الدن للثقافة والفن إلى تنظيم دورة جديدة من مهرجان الدن، ولكن هذه المرة بزخم وقوة أكبر، حيث تطور المهرجان ليتخذ طابعا دوليا بعد أن كان عربيا وقبل ذلك محليا، وقد اختار منظمو الحدث الاستمرار في تقديمه رغم الظروف التي منعت عددا من الضيوف من مواكبته.
قد لا يكون الوقت مناسبا للحضور والمشاركة في مهرجان مسرحي دولي نوعي يقام في سلطنة عمان بينما في الجانب الآخر من عالمنا العربي نفقد أرواحا بشكل شبه يومي، لكن المؤكد أن ممارسة العمل الثقافي وحتى الفني الملتزم وبحضور جنسيات دولية بعيدة كل البعد عن واقعنا وأخباره، هي جزء من المقاومة وجزء من رسالة إنسانية نوجهها إلى أنفسنا قبل أن نوجهها إلى العالم.
من هنا يبدو مهرجان مسرح الدن الدولي الذي تنظمه فرقة الدن للثقافة والفن صاحب رسالة وحاملا لقضية إنسانية لم ولن تغيب عنها فلسطين.
انطلاقا من الأطفال
المنظمون ارتأوا الاستمرار في المهرجان على أن تلغى كل المظاهر الاحتفالية المتعارف عليها في الافتتاح
لم تقتصر تداعيات الحرب على غزة على إلغاء أو تأجيل بعض المهرجانات الفنية والثقافية، بل حملت تلك الحرب أثقالها على بعض الفنانين الذين لم يتمكنوا من مسايرة الحدث، فاعتذر بعضهم عن المشاركة فيه كما فعل بعض الفنانين العرب مع مهرجان الدن، فاعتذرت بداية الفنانة الأردنية جوليت عواد، وتبعها الفنان السوري رشيد عساف والفنانة الأردنية أمل دباس، بينما لبى الدعوة العديد من الفنانين العمانيين، نذكر منهم الفنان صالح زعل ومحمد خلفان، وعربيا الفنان داوود حسين من الكويت والفنان السوري مصطفى الخاني، والفنانة البحرينية سعاد علي، والفنان الإماراتي عبدالله صالح، وغيرهم العشرات.
الحقيقة أن الحاضر بجسده لفعاليات مهرجان الدن سيعرف ويفهم أن مسألة التأجيل والإلغاء ليست بتلك السهولة، بعيدا عن أن الإلغاء بحد ذاته يعتبر تكميما للصوت وليس تعاطفا مع ما يحصل في غزة؛ فالتجهيزات التي بنيت خصيصا لتحتضن الحدث بدعم من نادي عمان للسيارات الذي قدم كافة التجهيزات والمعدات الفنية الخاصة بالمهرجان، حيث جهز مسرحين لاستقبال عروض الكبار والصغار في مكانين مختلفين، لم يكن من السهل أبدا القفز عليها أو حتى إلغاؤها وخاصة أن المناسبة التي شيدت تلك المسارح لأجلها ثقافية بالدرجة الأولى وليست مجرد لهو أو حتى رفاهية ومرح كما يظن البعض.
وعليه فقد ارتأت الفرقة الاستمرار في عملها في المهرجان على أن تلغي كل المظاهر الاحتفالية المتعارف عليها في الافتتاح وتكتفي بالعروض.
وكانت الأكاديمية تغريد بنت تركي بن محمود آل سعيد، الرئيسة الفخرية لفرقة الدن، من أوائل الذين حضروا اليوم الافتتاحي الذي بدأ بعرض مسرحي للطفل، قدمته فرقة مسرح الدن للثقافة والفن، بعنوان “أصابع جميل”. وهي مسرحية كتبها المخرج أسعد السالم السيابي وقام ببطولتها الأطفال سالم السيابي وعيسى بن سالم وعمر أسعد السيابي وهود عبدالله وحمود أحمد وراشد الهنائي، بينما لعب دور الجد الفنان إدريس النبهاني.
وتدور أحداث المسرحية حول جميل الطفل ذي الأصابع الخضراء الذي تعرض للتنمر في المدرسة بسبب أصابعه، ليكتشف لاحقا أن تلك الأصابع تمتلك قدرات خارقة استطاعت أن تدمر المدينة بكاملها، ثم إعادتها إلى سابق عهدها.
يقول المخرج “بدأت فكرة المسرحية في أثناء فترة كورونا، حيث لم يكن بالإمكان تجميع الأطفال للقيام ببروفات لأي عمل مسرحي، فاستعنت بأطفال العائلة من أولادي وأقربائي، وهكذا كان اختيار الأطفال وحضورهم لأول مرة على الخشبة”، متابعا “في الحقيقة هذا العرض جعلنا نكتشف بعض المواهب التي لم نكن نعرف عنها شيئا”. وبالنسبة إلينا كجمهور استطعنا أيضا أن نكتشف بذرة لفنانين قادمين بقوة إلى عالم التمثيل بكل عفوية.
من الجميل أن فرقة مسرح الدن قد بدأت فعاليات مهرجانها بعرض لمسرح الطفل من إنتاجها، وكأنها تريد أن تقول إن هذه الفرقة التي هي اليوم على رأس هذا المهرجان الكبير كانت قد بدأت مع أطفال من سن هؤلاء الأطفال وأصبحت اليوم مدرسة تُخرج جيلا وراء جيل، صحيح أن اختيار الأطفال لهذا العرض جاء بشكل مشروط كما ذكرنا سابقا، لكنه في الحقيقة استطاع أن يحقق رؤية المخرج وغرضه من العرض.
ولن أتوقف مطولا عند النص الذي يبدو إلى حد ما مطروقا، لكن المخرج قام بتقديمه بصيغة جديدة تتناسب مع البيئة العربية، ومع ذلك هي واضحة ومفهومة حتى لمن لا يتقن اللغة العربية، لكني أردت الوقوف على سينوغرافيا العرض التي لفتت انتباهي؛ ففي الوقت الذي تقوم فيه معظم الفرق المسرحية، وخاصة الممولة، بتجهيز عروض مسرحية للأطفال تعتمد في أساسياتها على التكنولوجيا لتحقيق أكبر قدر من الإبهار، يتجه أسعد السالم السيابي إلى البساطة في عرضه وفي استخدام ديكورات يمكن تحريكها باليد.
مسرح الشارع
تداعيات الحرب على غزة لم تقتصر على إلغاء أو تأجيل بعض المهرجانات الفنية والثقافية، بل حملت تلك الحرب أثقالها على بعض الفنانين الذين لم يتمكنوا من مسايرة الحدث
عن ذلك يقول المخرج “معظم ما استخدمناه في العرض قريب جدا من ألعاب الأطفال، كالسيارات والأشجار المتحركة، أي أننا لجأنا إلى ما يحبه الطفل لتحقيق أكبر قدر من المتعة”، ولم يكتف المخرج بوجود الأطفال على الخشبة، بل أيضا استعان بهم داخل الكواليس حيث جعلهم في الطاقم الفني وإدارة الخشبة.
وقدمت سلطنة عمان في اليوم الأول من المهرجان عرضا من عروض مسرح الشارع بعنوان “المنطقة” لفرقة الدن المسرحية، أخرجه الفنان سامي البوسعيدي الذي لعب فيه دورا أيضا، إلى جانب كل من روان الغلانه ومرشد اليعربي وياسر المطاعني ويوسف اليعربي ومحمد البلوش ومديم الغاربي، وتدور قصته حول المشكلة الأزلية التي يعاني منها الشباب العرب بعد التحصيل العلمي والبحث عن وظيفة، فيجدون أن الأبواب قد سدت أمامهم وأن سوق العمل ليس بالطريقة التي كانوا يحلمون بها.
وحاول العرض الذي كُتب بانسيابية عالية وقدم بطريقة قريبة إلى الجمهور أن يكون جزءا من مسرح الشارع الذي تحتضنه اليوم سلطنة عمان، والذي بدأ في الولايات المتحدة وكان يقدم عروضه بالمجان لجمهور عشوائي ويركز على بعض القضايا الاجتماعية المعاصرة في محاولة لكشفها وربما إيجاد حل لها، وقد ظهر كمسرح في الشارع، رغم المحاولات الحثيثة لدى البعض لإشراك جزء من الجمهور في الحدث المسرحي، لكن البوسعيدي بقي حذرا في استغلال بعض التفاصيل التي كان يمكنها أن تغني العرض وتجعله حقيقة في موقع مسرح الشارع بمفهومه الكلاسيكي المتعارف عليه، وقد استطاع العرض شد انتباه الجمهور والإبقاء عليه واقفا دون كلل أو ملل.
والجدير بالذكر أن عروض مهرجان الدن الدولي للمسرح مستمرة حتى الحادي والثلاثين من أكتوبر الجاري، وأن العروض المقدمة على مسارحه ليست مجانية كما جرى العرف وإنما تباع تذاكرها بشكل شبه رمزي، وقبل أيام من عرضها، مما يعني أن المهرجان وبعيدا عن عروض مسرح الشارع المجانية بطبيعتها، لم يفتح أبوابه للعامة وأعطى كل التقدير للعروض وأصحابها، وهو أمر يحسب لإدارة الفرقة والقائمين عليها.