شركات صينية وتركية تنقذ صناعة المنسوجات في مصر

تدشين منشآت جديدة يتطلب مضاعفة الرقعة الزراعية لإنتاج القطن.
الأربعاء 2023/10/25
نشاطهم يجب أن يكون في وضع مختلف، أليس كذلك؟

تقود شركات أجنبية عملية ضخ جرعة أكسجين في مفاصل صناعة الغزل والنسيج المصرية لإعادة إنقاذها بعد إخفاق محاولات محلية واجهت تحديات نتيجة تراجع مساحات زراعة القطن وعدم مواكبة محالجه للتكنولوجيا الحديثة، فاقمها شُح الدولار لتوفير الخامات.

القاهرة- تعمل شركات صينية وتركية متخصصة في صناعة الغزل والنسيج والملابس على ملء فراغ أحدثه تخلف تكنولوجيا التصنيع في مصر ما يحقق إستراتيجية القاهرة لإنقاذ صناعة شرعت في تطويرها منذ 2016.

وجاءت تلك الخطوة مع عودة وزارة قطاع الأعمال العام ضمن خطة شاملة لتطوير الشركات المملوكة للدولة.

وتعد المنسوجات ثاني أكبر القطاعات الصناعية بالبلاد بعد الصناعات الغذائية، وتلعب دورا في تشكيل الاقتصاد، لكنها تئن منذ عقود بسبب الإهمال وتهالك المعدات حتى أصبحت خارج إطار الزمن.

ولم تحقق إستراتيجية الحكومة النتائج المرجوّة طوال الفترة الماضية، وبات تحقيقها قريبا مع مساعي جذب شركات أجنبية، وتدشين مصنع غزل كبير بمدينة المحلة الكبرى سوف يتم الانتهاء منه قريبا، ولم تحدد الحكومة توقيت افتتاحه رسميًا.

حسين أبوصدام: تراجع الإنتاج يقوض الاستفادة من المصانع ويدفعها للاستيراد
حسين أبوصدام: تراجع الإنتاج يقوض الاستفادة من المصانع ويدفعها للاستيراد

وتسعى مصر عبر خطة تحديث المصانع إلى زيادة صادرات الغزل والنسيج إلى 10 مليارات دولار بعد ثلاث سنوات من التشغيل الكامل، إلى جانب تحديثها بأحدث الماكينات الإيطالية والسويسرية والألمانية لتصبح طفرة صناعية.

وترتب على خطة الإنقاذ التي لم تتحقق عمليا، دمج 23 شركة وتجهيز في 9 كيانات، ودمج تسع شركات لتجارة وحليج الأقطان في كيان واحد مخصص لهذا النشاط، وهناك عشر شركات غزل ونسيج قادرة على المنافسة.

ونجحت جولات ترويجية للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس قامت بها قيادتها أخيرا في بكين في جذب شركات صينية تعمل في النسيج.

وأعلنت شركة هنجشينغ أنها ستستثمر 70 مليون دولار في إنشاء مشروع للصباغة والمعالجة وتصنيع المنسوجات على مساحة 200 ألف متر مربع في المنطقة الصناعية شرق قناة السويس.

وقررت شاوشينغ ياندينغ للمنسوجات استثمار 5 ملايين دولار لإقامة مصنع دينغهانغ – مصر على مساحة 12.7 ألف متر مربع بالمنطقة الصناعية، وتخطط الشركة لتصدير 90 في المئة من إجمالي الإنتاج إلى الأسواق الأميركية والأوروبية.

ووافقت شركة شانجزو للصناعة والتجارة على إقامة مشروع لصناعة خيوط السبانديكس والبوليستر والخيوط المرنة على مساحة 12 ألف متر مربع بكلفة 5 ملايين دولار.

وأعلنت كادي مصر للمنسوجات التابعة لعملاق صناعة المنسوجات الصيني زيغيانغ كادي المدرجة في بورصة شنغهاي خططها لاستثمار 60 مليون دولار لإنشاء مصنع للمنسوجات بمنطقة تيدا – مصر، وتبدأ المرحلة الأولى العام الجاري وتنتهي قبل نهاية العام المقبل.

كما تتنافس شركات تركية على تأسيس مشاريع عملاقة في القطاع، فقد أعلنت شركة الغزل أير أوغلو التوسع في مصنعها للنسيج في دمياط لرفع طاقتها الإنتاجية إلى 50 مليون متر من القماش سنويًا.

وتهدف الشركة التركية إلى بناء منشأة للبوليستر والنايلون بتكلفة 300 مليون دولار على مساحة 500 ألف متر مربع بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس.

كما تدرس افتتاح مصنع للمفروشات بتكلفة 200 مليون دولار لتلبية احتياجات السوق المحلية والتصدير إلى أفريقيا. وإلى جانب ذلك تخطط شركة الملابس تي آند سي لتوسعة مساحة المصنع التابع لها في مصر إلى 100 ألف متر مربع.

وعلى ضوء هذه المعطيات يمكن أن تصبح مصر مركزا إقليميًا لصناعة وتصدير الغزول والمنسوجات، لأنها دشنت كل المراحل اللازمة لتوفير المواد الخام اللازمة باستثناء القطن الذي يحتاج إلى موقف صارم من الحكومة لإتاحته بوفرة للمصانع.

وتعزز اتفاقيات التجارة المبرمة بين القاهرة والعديد من الدول التي تعفي البضائع المصرية من رسوم الجمارك من جاذبية السوق المحلية ومنح صادراتها ميزة نسبية، ما يعود بالنفع على الصناعة والمستثمرين في النهاية.

حح

ومن أبرز الاتفاقيات، الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، والكويز مع الولايات المتحدة، والسوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا (كوميسا)، والتجارة الحرة العربية الكبرى.

وتعد السوق المصرية نافذة للشركات الأجنبية المستثمرة في هذا القطاع بالبلاد للانتشار خارجيا بتكلفة أقل بالمقارنة مع الاستثمار في بلدانها أو بدول أخرى.

وقال محمد المرشدي رئيس غرفة الصناعات النسيجية باتحاد الصناعات المصرية لـ”العرب” إن “صناعة الغزل والنسيج مجالا واعدا، وهي قائمة مهمة في شركات القطاع الخاص”.

وتكمن أهمية التدفقات الاستثمارية غير المسبوقة من جانب شركات تركية وصينية في أنها ترفع القيمة المضافة للقطاع، والاقتصاد القومي لأنها استثمار أجنبي مباشر.

ورغم الاستثمارات الجديدة للشركات الأجنبية، لكن ثمة عجزا في المواد الخام المستخدمة في صناعة الغزل والنسيج، لاسيما القطن قصير التيلة.

وتشتهر مصر بزراعة القطن طويل التيلة وهو من أجود الأصناف عالميًا، لكن تراجع إنتاجه حاليا هوى به إلى 85 ألف طن، مقابل 125 ألف طن في موسم العام الماضي.

وأوضح المرشدي أن القطن يمثل 45 في المئة من حجم الخامات المستخدمة في صناعة الغزل والنسيج، وتمثل الألياف الصناعية وخيوط البوليستر 55 في المئة، وتستورد مصر معظم المواد الخام.

محمد المرشدي: القطن يمثل 45 في المئة من الخامات المستخدمة في القطاع
محمد المرشدي: القطن يمثل 45 في المئة من الخامات المستخدمة في القطاع

وأكد أن نسبة استخدام القطن طويلة التيلة في المصانع اثنين في المئة فقط من نسبة 45 في المئة، بينما يستحوذ القطن قصير ومتوسط التيلة على 98 في المئة في صناعة الملابس والمنسوجات.

ولذا تحتاج وزارة الزراعة إلى تعديل الخارطة الزراعية في ما يخص القطن، حتى تواكب التطورات التي تشهدها صناعة المنسوجات، ولن يتحقق ذلك إلا بتطبيق الزراعة التعاقدية بعد التشاور مع المستثمرين ومعرفة احتياجاتهم من الأقطان.

وأشار نقيب الفلاحين في مصر حسين أبوصدام إلى أن الاهتمام بزيادة الرقعة المزروعة قطنا وسيلة للنهوض بالمنسوجات، لأنها تدفع الشركات إلى دخول الصناعة من مهدها، ما يعزّز توفير فرص العمل بشكل أكبر وزيادة الناتج المحلي الإجمالي، وعدم الاستيراد.

ولفت لـ”العرب” إلى أن نقص المساحة المزروعة يدفع المستثمرين إلى إنشاء مصانع للملابس الجاهزة، وهو أقل عائد على العمالة والاقتصاد، فانخفاض أسعار القطن طويل التيلة بمصر العام الماضي أدى إلى عزوف مزارعين عن إنتاجه.

وذكر أبوصدام أنه يمكن زراعة أصناف مختلفة من القطن، ويتطلب ذلك إرادة حكومية، ويمكن أن تقوم وزارة الزراعة بهذا الدور عن طريق استيراد التقاوي، وتحديد محافظات له، وتشرف على زراعته لتوعية المزارعين بأهمية توريده، حتى لا تختلف الأصناف معًا.

ويمكن اعتبار الاستثمارات الجديدة بمثابة عامل إنقاذ سريع القطاع في مصر بعد أن استغرقت المحاولات الحكومية فترات طويلة لانتشاله من الركود، وهذا أيضا علامة على نفوذ متزايد على قطاع مهم وحيوي من اقتصاد الصين وتركيا.

وتسير القاهرة في اتجاهين لتسريع نمو مجال المنسوجات، هما الإستراتيجية الوطنية وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتهدف السلطات إلى مشاركة أوسع في مصانعها بهذا القطاع عقب تطويره، بشرط تحقيق نتائج إيجابية ملموسة عمليًا.

واشتهر القطاع بالسمعة السيئة لدى مستثمري البورصة في السنوات الماضية لضعف نتائج أعمال الشركات الحكومية العاملة فيه. ويعد تحقيق الأرباح القوية العامل الأهم قبل بيع حصص أيّ شركة، لأن البورصة هي النافذة الأولى التي تستعين بها الحكومة عند التفكير في توسيع قاعدة الملكية.

10