محاولات جس نبض لإشراك الفلول في الحل السوداني تقابل بالصد من المدنيين

تدفع بعض الأطراف داخل المفوضية الأفريقية باتجاه إشراك فلول النظام السابق في أي ترتيبات تهم إنهاء الصراع في السودان، في خطوة تثير قلق القوى المدنية التي ترى بأن طرح مثل هكذا تصورات أمر خطير ويتحدى إرادة السودانيين الذين انتفضوا على المنظومة السابقة.
القاهرة - شهدت اللقاءات التي عقدت مؤخرا في القاهرة بين وفد من الاتحاد الأفريقي ومنظمة إيغاد، ومكونات مدنية سودانية، محاولات جس نبض لإشراك فلول النظام السابق في العملية السياسية التي تستهدف إنهاء الحرب التي يشهدها السودان منذ ستة أشهر، ولم لا منحهم مناصب في أي حكومة مستقبلية.
وأثارت المحاولات قلق القوى المدنية التي سارعت إلى إعلان رفضها القاطع لإعادة تدوير فلول نظام عمر البشير، مشددة على أن الخطوة هي بمثابة مكافأة لمنظومة أوغلت في استباحة البلاد على مدى عقود، وهي تتناقض وجوهر ثورة ديسمبر 2018.
وقال محمد الهادي محمود عضو المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير إن مشاركة فلول نظام البشير في حكومة ما بعد الحرب طرحها رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي محمد حسن ولد لبات، ولاقت رفضا واسعا من القوى التي شاركت في اجتماع القاهرة، وأن الاتحاد الأفريقي ومنظمة إيغاد أبديا تفهما لوجهة نظر القوى المدنية التي أكدت أن التطرق إلى مسألة دمج الفلول ليست محل نقاش من الأساس بين القوى الوطنية السودانية.
وأضاف محمود في تصريحات لـ”العرب” أن مكافأة فلول البشير على ما ارتكبوه من جرائم بحق الشعب السوداني بمنحهم مناصب سياسية في الفترة الانتقالية مرفوضة، والمطلوب أولاً محاسبة هؤلاء على ما ارتكبوه وأن ينالوا عقابهم قبل فتح الباب أمام مشاركتهم سياسيًا في أي انتخابات لاحقا عقب انتهاء المرحلة الانتقالية.
وأشار إلى أن رفض القوى المدنية يرتكن إلى التوحد لتشكيل جبهة مدنية واسعة تضمن نجاح الفترة الانتقالية المقبلة والوصول إلى مرحلة التحول الديمقراطي وعدم السماح بوجود اختراق أو تقسيم في صفوفها بما يدعم تحقيق مآرب فلول نظام البشير، لافتًا إلى أن الاجتماع مع الاتحاد الأفريقي كان مثمراً وصب باتجاه اتخاذ خطوات إيجابية لتكوين جبهة مدنية عريضة تستهدف وقف الحرب وبدء عملية إنسانية كبيرة تعقبها عملية سياسية وتشكيل حكومة لإدارة فترة ما بعد الحرب.
وأكد على عقد مؤتمر تشاوري خلال الفترة من السبت إلى الثلاثاء المقبل في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا لاستكمال خطوات تشكيل الجبهة ومخاطبة المجتمع الدولي لمجابهة الكارثة الإنسانية التي تسببت فيها الحرب بمشاركة قوى الحرية والتغيير، والقوى السياسية والمهنية ومنظمات المجتمع المدني والأهلي.
ويتهم فلول نظام البشير بالوقوف خلف اندلاع الحرب الدائرة منذ منتصف أبريل الماضي من خلال تحريض قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان للدخول في مواجهة مع قوات الدعم السريع.
ويقول مسؤولون سودانيون وغربيون إن قيادات من النظام السابق عملت ولا تزال تعمل على تغذية الحرب، بغاية قطع الطريق على تسلم القوى المدنية للسلطة، والذي من شأنه أن ينهي أي طموح للفلول من أجل العودة إلى المشهد السياسي مجددا في السودان.
وكانت الولايات المتحدة أدرجت عددا من القيادات من بينهم زعيم الحركة الإسلامية علي كرتي على لائحة العقوبات لاتهامهم بالعمل على استمرار الحرب، وإفشال الجهود الإقليمية والدولية لإنهاء الصراع.
ويرى متابعون سودانيون أن طرح المفوضية الأفريقية لخيار إشراك فلول النظام السابق من خلال حزب المؤتمر الوطني المنحل في المفاوضات حول مستقبل السودان، أمر خطير تدفع باتجاهه بعض الأطراف في المفوضية، مشيرين إلى أن القوى المدنية في السودان تتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية بارتباكها وترددها وانقساماتها.
ويقول المتابعون إن مثل هذه الأطروحات تتغذى على تبريرات بأن الفلول لن يقبلوا أي سلام أو استقرار في السودان طالما استمرت مساعي تحييدهم.
ويلفت المتابعون إلى أن الوقت لم ينفد بعد لإعادة تصويب المسار مجددا في البلاد، وأن ذهاب القوى المدنية في خيار بناء جبهة موسعة من شأنه أن يشكل صدّا لتمرير هكذا هدف يتناقض وما يطمح إليه السودانيون.
ويوضح المتابعون أن المشهد الميداني يصب في اتجاه تعزيز وضع القوى المدنية في ظل فشل قيادات الجيش المدعومة من الفلول في قلب المعادلة لصالحها، وهي تتعرض لانتكاسات كبيرة على أكثر من جبهة، في مواجهة قوات الدعم السريع.
ولطالما اتهم زعيم قوات الدعم السريع الجنرال محمد حمدان دقلو الفلول بالوقوف خلف اندلاع الصراع، وقد أكد دقلو مرارا أنه مع إيقاف الحرب وتمكين المدنيين من السلطة.
وأكد المحلل السياسي السوداني محمد خليل الصائم أن حزب المؤتمر الوطني (المنحل) لا يمكن أن يمثل في أي حكومة مستقبلية وأن السودان يصعب عليه إعادة تكرار ما جرى تجربته من قبل، والسودانيون مقتنعون بأن ما يعانون منه الآن هو نتاج لسلوك الحزب أثناء وجوده في السلطة لأكثر من ثلاثين عاماً، وهو ما وضع بذور الحرب الدائرة منذ أن كان حاضراً على رأس مؤسسات الدولة في عهد البشير.
وأوضح الصائم في تصريح لـ”العرب” أن الاتحاد الأفريقي الذي بادر بتقديم الفكرة لم يقدم شيئاً للشعب السوداني ولم يسهم في إغاثته، وهو نفس موقف المجتمع الدولي والكثير من دول الجوار، بالتالي ليس من حقه تقديم مثل هذا المطلب، وإذا كانت هناك إمكانية لإشراك الفلول في السلطة فذلك قد يأتي بعد انتهاء المرحلة الانتقالية وعقب وضع قوانين جديدة للانتخابات يتنافسون من خلالها.