مأساة غزة تُختزل في المساعدات

إسرائيل تتعمد اختزال القضية الفلسطينية والحرب على غزة في مسألة إنسانية لا أحد في العالم يريد أن يبدو متقاعسا فيها.
السبت 2023/10/21
غوتيريش من أمام معبر رفح: المساعدات مسألة حياة أو موت

القاهرة - ينصب تركيز المجتمع الدولي على فتح معبر رفح وكيفية دخول مساعدات إنسانية إلى سكان قطاع غزة الذين يتعرضون لقصف إسرائيلي متواصل منذ نحو أسبوعين.

ويقول متابعون إن إسرائيل تتعمد اختزال القضية الفلسطينية والحرب على غزة في مسألة إنسانية لا أحد في العالم يريد أن يبدو متقاعسا فيها.

وأعلن منسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة مارتن غريفيث أن أول شحنة مساعدات إلى غزة ستدخل من خلال معبر رفح المصري السبت، على أقرب تقدير، بعد أن كان من المتوقع أن تدخل الجمعة.

وتسابقت دول مختلفة في إرسال طائرات محملة بمساعدات غذائية وطبية إلى مطار العريش المصري القريب من معبر رفح لتأكيد أنها حاضرة في الحل الإنساني، في حين جاء إلى إسرائيل مسؤولون كبار، في مقدمتهم الرئيس الأميركي والمستشار الألماني ورئيس وزراء بريطانيا، ولم يشر أحدهم إلى وقف إطلاق النار أولا.

وتناست دول كثيرة جوهر الأزمة، وهي الاحتلال الإسرائيلي وتبعاته، وركزت على أدوات الضغط على إسرائيل أو إقناعها في الأيام الماضية للسماح بدخول المساعدات، والحديث عمّا قامت به حركة حماس من تغيير في البنية العامة داخل غزة.

إسرائيل تسعى إلى عدم مواجهة ضغوط في المستقبل القريب تجبرها على العودة إلى العملية السياسية التي جمدتها

ووجد قادة العالم الغربي في ملف المساعدات بابا جيدا لا يُغضب إسرائيل كثيرا ويمكن أن يُرضي طائفة من القادة العرب، كما يمكنه أن يمتص قدرا من الضغوط الشعبية التي تتزايد في عدد من دول العالم على شكل تظاهرات تتسع رقعتها تدريجيا.

وتمادت إسرائيل في توظيف الملف الإنساني، فتارة تضع شروطا قاسية كأن تريد مرور الشاحنات عبر معبر رفح بعد الإفراج عن الأسرى الذين أسرتهم حماس في عمليتها الجريئة التي قامت بها في السابع من أكتوبر الجاري، وتارة تطالب بإخراج الرعايا الأجانب أولا، وعندما وجدت والولايات المتحدة صدا مصريا لهذا الشرط حيث طالبت القاهرة بتزامن دخول المساعدات مع خروج الرعايا الأجانب، لوحت بأن “التصعيد سيقابل بتصعيد”.

وأدى ازدياد مشاهد القتل والدمار وقصف مستشفيات في غزة إلى حث قوى إقليمية ودولية عديدة إلى السعي لإدخال المساعدات قبل أن تتفاقم الأوضاع في القطاع وتتحول إلى كارثة إنسانية وبيئية، وإبادة بشرية تقوم بها إسرائيل.

وتحت وطأة ما يمكن وصفه بانتفاضة عالمية إنسانية استجابت إسرائيل شفاهيا لإدخال المساعدات عبر معبر رفح بعد أن حققت أهدافها من المراوغة وأهمّها الحديث عمّا يحدث في غزة كحالة إنسانية تستوجب التعاطف وليس عدوانا سافرا يفرض العقاب.

إسرائيل تمادت في توظيف الملف الإنساني، فتارة تضع شروطا قاسية كأن تريد مرور الشاحنات عبر معبر رفح بعد الإفراج عن الأسرى، وتارة تطالب بإخراج الرعايا الأجانب أولا

وأكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في كلمة من أمام معبر رفح المصري، الجمعة، أن شاحنات الإمداد يجب أن تدخل غزة بأسرع وقت، وأن أكثر من مليوني شخص دون ماء أو طعام أو وقود في القطاع، مشددا على أن إدخال المساعدات هو الفارق بين الحياة والموت للكثيرين.

وتواصلت الأمم المتحدة مع مصر وإسرائيل والولايات المتحدة الأيام الماضية بغرض رفع الشروط والقيود التي تحدد دخول المساعدات إلى غزة لإغاثة السكان هناك، لافتة على استحياء إلى أن وقف إطلاق النار يسهّل دخول المساعدات إلى القطاع.

وبدأت السلطات المصرية عملية إعادة إصلاح الطريق عند معبر رفح من الجانب الفلسطيني الذي دمره القصف الإسرائيلي أخيرا، تمهيدا لدخول الشاحنات المكدسة على الجانب المصري ويبلغ عددها حوالي 175 شاحنة، تحمل كميات من المواد الغذائية والأدوية ومستلزمات المستشفيات وأنابيب أكسجين وأكياس دم.

وأوضح وزير الخارجية المصري سامح شكري ضرورة إنفاذ المساعدات الإنسانية إلى غزة سريعا، لأن توفير المواد الإغاثية ضرورة وسط الأوضاع المؤسفة الراهنة، كاشفا عن امتلاك القاهرة خطة جاهزة للبدء في توصيل المساعدات إلى غزة.

وعادت إسرائيل واشترطت التأكد من عدم ذهاب المساعدات إلى حركة حماس، وأن تصل إلى المدنيين فقط في منطقة جنوب غزة الذين طلب منهم جيش الاحتلال الانتقال إليها.

وذكرت الأمم المتحدة أن سكان غزة البالغ عددهم نحو 2.4 مليون نسمة (نصفهم من الأطفال) على شفير كارثة بعد تشديد إسرائيل حصارها وقطع إمدادات الماء والكهرباء والوقود والغذاء عبر المعابر التي تربطها بالقطاع.

Thumbnail

ويقول متابعون إن استهداف الجيش الإسرائيلي مستشفيات وكنائس ومساجد، ومدارس تابعة للأونروا، يعزز النظر إلى الحرب من زاوية إنسانية، وإبعاد النظر إليها من أي زوايا سياسية تتطرق إلى جذور القضية الفلسطينية المتعلقة بأن هناك احتلالا أدى لظهور مقاومة، بعيدا عن توجهاتها السياسية، فقد وجدت بسبب وجود الاحتلال.

ويضيف المتابعون أن “أنسنة” ما يجري في غزة فرضته التطورات الحالية، لكن الخطورة في رؤية إسرائيلية قديمة ظهرت ملامحها في محطات سابقة، وهي جر العالم إلى التعامل مع القضية الفلسطينية كحالة إنسانية تجلب التعاطف معها فقط وليس تسويتها بما يجبر إسرائيل للتخلي عن جزء من الأراض المحتلة.

وقد تفهم زيادة جرعة العنف الإسرائيلي هذه المرة على أنها ردة فعل على الضربة القوية التي تلقاها جيش الاحتلال وهزت أساطيره، لكنها في المحصلة النهائية لا تخلو من خلق مأساة إنسانية كبيرة تلفت الأنظار إليها من دون تركيز أو اهتمام بالأسباب التي قادت إليها، وأبرزها تغول إسرائيل على حقوق الشعب الفلسطيني.

ومهدت معطيات الأيام الماضية الطريق لتكون أيّ تحركات أو اجتماعات ولقاءات إقليمية ودولية مهمومة بالحل الإنساني العاجل بلا تفكير في أيّ حلول أخرى، وهو ما انتبهت إليه مصر ووضعت لقمة السبت التي دعت إليها عنوان “القاهرة للسلام 2023″، على أمل ألا تختزل القضية الفلسطينية في الشق الإنساني فقط.

وتسعى إسرائيل إلى عدم مواجهة ضغوط في المستقبل القريب تجبرها على العودة إلى طاولة العملية السياسية التي اعتقدت أنها تهربت منها ونجحت في تجميدها على مدار السنوات الماضية، لأنها تؤدي إلى إجبارها على تقديم تنازلات وهدم الكثير من السرديات التي نسجتها قيادتها الحالية الخاصة بطرد فلسطينيي الضفة الغربية من خلال تكثيف جرعات المضايقات الأمنية والإدارية.

2