مفكرون لبنانيون أسسوا لهوية وتاريخ فريدين

الكتاب يتناول تاريخ لبنان وحاضره ومستقبله من خلال التعمق في فكر وممارسات مجموعة من أبرز المفكرين.
السبت 2023/10/21
التعددية سر الهوية اللبنانية (لوحة للفنان ياسر رستم)

بيروت - أصدر مركز الدراسات في الجامعة الحديثة للإدارة والعلوم ببيروت كتابا جديدا بعنوان “لبنان: فلسفة الوجود ومقاربة الهوية والمصير” يتناول تاريخ لبنان وحاضره ومستقبله من خلال التعمق في فكر وممارسات مجموعة من أبرز المفكرين الذين تركوا بصمة واضحة في تاريخ لبنان وحاضره.

وبحسب بيان المركز "تناول الكتاب المخزون الفلسفي الفكري لكل من كمال جنبلاط المفكر الاشتراكي والديمقراطي والإنساني، والعلامة محمد حسين فضل الله من خلال دراسة لبنان بين حتميات واقعه وإمكان دولة الإنسان، والإمام موسى الصدر كتجربة استثنائية في تاريخ لبنان المعاصر، وأنطون سعادة فيلسوف الأمة السورية في خضم تحولات العالم والإقليم، وقد منح الصلح كمفكر للمصالحة بين الميثاقية اللبنانية والعروبة؛ ومحسن إبراهيم من حيث النظرة إلى الحرب اللبنانية كمفتاحٍ نقدي؛ إلى شارل مالك في الفكر والسياسة وعرض للميادين التي ميزت شخصيته قبل الحرب وخلالها؛ إلى كمال يوسف الحاج في دراسة أبعاد ومضامين رسالتيه القومية والإنسانية، انتهاءً بمطارحاتٍ في فكر ناصيف نصار حول الطائفية والمجتمع والدولة".

وقدم منسق العمل الأكاديمي حاتم علامي للكتاب متوقفا عند أهميته في ظل المرحلة الحساسة التي يعيشها لبنان، مرحلة تتسع خلالها الفجوة بين اللبنانيين بشأن التاريخ والمصير الذي تتفاعل معه أسئلة وجودية الطابع. وقد فتح علامي على قراءة أعمال المؤلفين المشاركين بمقدمات سجالية تتعلق بالمفاهيم الرائجة والخلاف حول تاريخ لبنان وهوامش الكتابة الفلسفية التاريخية.

◙ الكتاب يتناول بالدراسة لبنان بين حتميات واقعه وإمكان دولة الإنسان
◙ الكتاب يتناول بالدراسة لبنان بين حتميات واقعه وإمكان دولة الإنسان

ويتوزع الكتاب في صفحاته الثلاثمئة من الحجم الكبير على تسعة فصول تناول من خلالها عدد من المفكرين والباحثين والأكاديميين قضايا فكرية محورية طرحها كل من الأسماء المذكورة. فقد تناول الأكاديمي محمد شيا في الفصل الأول كمال جنبلاط، الإصلاحي والثوري، التقدمي والمتدين، المتصوف والحداثي، القومي والإنساني، والمفكر الأخلاقي من نمط فيتاغورس وأفلاطون، والمفكر الاشتراكي بامتياز الذي تنقل بين الفابية حداً أدنى ليقارب الماركسية حدا أقصى.

ويتناول الأب والأكاديمي باسم الراعي النظر في حركية فكر محمد حسين فضل الله، حيث نجد أن فكره أقرب إلى واقعية معيارية، وهو ما ينطبق على نظرته إلى لبنان من خلال معاني المشروع الذي طرحه تحت عنوان دولة الإنسان. وفي الفصل الثالث يعرض الباحث طلال عتريسي لتجربة الإمام الصدر، بعد عرض تاريخي ليتوقف عند نظرته ورؤيته حول لبنان ليميز بين دوره الحضاري الإيجابي كنموذج للتعايش بين طوائف مختلفة، وبين الدور السياسي للطوائف في النظام اللبناني.

ويرى الإمام الصدر لبنان "التجربة الوحيدة الحضارية في العالم، حيث إننا لا نجد في العالم كله رقعة صغيرة تكون مسرحاً لتعايش 16 طائفة، و3 حضارات، ومجموعة تواريخ وأنواع من الثقافات.. والحقيقة أننا يجب أن نعترف بأن هذه تجربة قد نجحت وصمدت إلى الآن، وأرجو ألا تتمكن قضية العدوان الصهيوني من القضاء على هذه التجربة التي هي إدانة لإسرائيل بحد ذاتها".

وفي الفصل الرابع، يتناول الأكاديمي جهاد العقل فكر أنطون سعادة وتطور انخراطه لتحقيق مشروع الأمة السورية من خلال تقسيم حياته إلى مراحلٍ توزعت على فتراتٍ لترجمة نظرته إلى العمل السياسي النضالي. ومن المهم قراءة التطورات التي بلورت أفكاره وصولاً إلى إنزال حكم الإعدام به، والذي شكل حدثا استثنائيا على الساحة اللبنانية.

ويشغل الفصل الخامس صفحات من إعداد الباحث علي شعيب، وقد عنون لاهتمامه بالمفكر منح الصلح بمجموعة من المفاهيم التي تشرح لرؤى المصالحة بين الميثاقية والأمة والعروبة إحدى الإشكاليات التي كانت حاضرة وما تزال في المصير اللبناني، وقد نجح شعيب في الإضاءة على أحداث تلك المرحلة لتشكل مرجعاً لتقييم مسارات الاستقلال وهوية لبنان.

◙ الكتاب يتوزع في صفحاته الثلاثمئة على تسعة فصول تناول من خلالها عدد من المفكرين والباحثين والأكاديميين قضايا فكرية محورية

ويتناول الأكاديمي زهير هواري في الفصل السادس تجربة محسن إبراهيم بعنوانٍ يفتح على أهمية الخوض في إشكاليات الحرب الأهلية، وما تبعها، كمفتاحٍ نقدي يكشف كيانات المنطقة، حيث تبقى ميزة إبراهيم بكونه أبرز من انخرط في البحث عن مواءمة التجربة اللبنانية مع الفكر التحرري الذي تموضع فيه عبر كل محطاته النضالية. وفي الفصل السابع، يخصص إلياس القطار الصفحات الخاصة بالمفكر شارل مالك لعرض تاريخي للشخصية والموقع، ويفتح من خلال مساهمات مالك داخل لبنان وخارجه في الصيغة اللبنانية على استنباط أجوبة بشأن الحقيقة اللبنانية والمصير اللبناني.

وتتناول كتابة الأكاديمي وليد خوري في ثامن فصول الكتاب فلسفة كمال يوسف الحاج في الاهتمامات الواسعة التي استقطبها فكره في المدى الفلسفي عبر الروابط ما بين الاهتمامات بلبنان وبالعروبة عبر الحفريات في معاني اللغة والفلسفة اللبنانية والميثاق الوطني.

وكان الفصل الأخير وقفة مع الفيلسوف المعاصر ناصيف نصار فرصة تناول من خلالها الأكاديمي عفيف عثمان مطارحات نصار في قضايا معاصرة، ولا تنفصل عن أطروحات الفلسفات والأفكار التي تناولها الكتاب، لذلك جاءت لتصب في بلورة فضاءٍ منفتحٍ على الفلسفات السياسية والاجتماعية.

وينهي علامي كتابه بخاتمة يشير فيها إلى أنه يمكن للقارئ أن يستنتج أن المساهمات حافظت على تمايزها عن التحليل المباشر، بالمكتوب أو المنطوق، لذلك يضعها في خانة استنهاض الوعي المعاصر بشؤون القضية اللبنانية. فبين التاريخ والفلسفة تلازم يخرق أيديولوجيات الاستثمار في التعددية الدينية المذهبية عله يلجم الاستخدام الانتقائي الذي تمارسه التعبوية الفئوية التحريضية في مواجهة الاستحقاقات المصيرية الداهمة.

12