أي قيمة لمطلب إغلاق الإعلام العربي أمام الرواية الإسرائيلية في زمن المصادر المفتوحة

نشاط إعلامي إسرائيلي باللغة العربية يجهض انتقادات التطبيع.
الجمعة 2023/10/20
هل يسمع الرأي العربي في الإعلام الإسرائيلي

يحاول وزير الإعلام الجزائري فرض وصاية على الجمهور والانغلاق أمام الرواية الإسرائيلية، بينما لا يمكن الرد على الذرائع والحجج التي يعتمد عليها الإسرائيليون في الدعاية الإعلامية دون الاستماع إليهم.

الجزائر - دعا وزير الإعلام الجزائري محمد لعقاب وسائل الإعلام العربية إلى عدم استضافة المسؤولين الإسرائيليين الذين وصفهم بـ”المجرمين”، ومنحهم الفرصة لدخول بيوت العرب لتبرير مجازرهم بحق الفلسطينيين، رغم أن عصر المصادر المفتوحة يتنافى مع مبررات الوزير الذي يحاول فرض وصاية على الجمهور العربي.

وقال لعقاب في تصريحات للصحافيين بمقر البرلمان “ادعوا وسائل الإعلام العربية إلى التوقف عن منح الكلمة للمسؤولين الإسرائيليين المجرمين لكي يدخلوا إلى البيوت العربية ويبرروا مجازرهم باستخفاف مقزز للشعب العربي”.

وطالب الإعلام العربي “بتسمية الأشياء بمسمياتها لأن الكيان الصهيوني كيان صهيوني وحشي وعلى وسائل الإعلام ألا تنساق وراء المفاهيم الغربية، التي وردت في بعض الكتب مثل بروتوكولات حكماء صهيون وكتاب آخرين مثل صامويل هنتنغتون الذي يقول إن إسرائيل هي حصن متقدم لحضارة الغرب في وجه بربرية الشرق”.

وتابع أن “الأصح أن إسرائيل هي وجه متقدم لبربرية الغرب لتدمير حضارة الشرق، ووسائل الإعلام العربية عليها أن تأخذ اليوم بالمفاهيم الصحيحة”.

ويستند كلام وزير الإعلام الجزائري إلى مطالب قديمة لبعض المسؤولين العرب بأن استضافة بعض الفضائيات العربية لشخصيات إسرائيلية هي عبارة عن تقديم خدمة كبرى للإعلام الإسرائيلي تمكنه من الاستمرار في تزييف الحقائق، في حين أن هذه المبررات لا تستند إلى الواقع في عصر الانفتاح الفضائي على كل العالم.

الانتقادات للتطبيع الإعلامي تبدو لا قيمة لها بالنظر إلى النشاط الإعلامي الإسرائيلي باللغة العربية عبر مواقع التواصل

وسبق أن طالبت نقابة الصحافيين الفلسطينيين وسائل الإعلام العربية والإسلامية بوقف استضافة أي مسؤول إسرائيلي، “احتراما لدماء الشعب ودماء الصحافيين، وتضحيات الشهداء والأسرى”.

وينتقد أصحاب هذا التيار ما يسمونه “التطبيع الإعلامي” بجميع أشكاله، ويعترضون على استضافة إسرائيليين ونقل وجهات نظرهم إلى المتلقي العربي، معتبرين أنه ترويج للدعاية الإسرائيلية بشكل واضح وانتقال من ممارسة التطبيع إلى ترويجه.

لكن محللين يعتبرون أن هذه المطالب بالانغلاق أمام الإسرائيليين تنافي بديهيات السياسة، فكيف يمكن مجابهة الرواية الإسرائيلية والرد عليها إذا لم يتم الاطلاع عليها ومعرفة الذرائع والحجج التي يعتمد عليها الإسرائيليون في الدعاية الإعلامية، خصوصا أن لديهم صوتا قويا مسموعا في وسائل الإعلام العالمية.

وتبدو الانتقادات للتطبيع في الإعلام العربي هزيلة ولا قيمة لها بالنظر إلى النشاط الإعلامي الإسرائيلي باللغة العربية عبر الإعلام التقليدي ومواقع التواصل الاجتماعي، حيث تحفل وسائل الإعلام الإسرائيلية بمقالات وتقارير تشيد بكتاب ومدونين عرب يؤيدون صراحة التطبيع العربي العلني مع إسرائيل، لاسميا بعد قرار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الاعتراف بالقدس المحتلة “عاصمة لإسرائيل”.

وتحرص هذه الوسائل على نشر مقالات أو تغريدات داعمة للتطبيع في مواقع إسرائيلية ناطقة بالعربية، كموقع التواصل التابع لوزارة الخارجية الإسرائيلية، وموقع المصدر التابع لما يعرف بـ”وحدة الإعلام الموجه” في جهاز الشاباك.

الاختراق الإسرائيلي للإعلام العربي لم يتوقف عند نقطة استثمار هذه المواقف لتسويقها في الإعلام العبري، بل وجد له موطئ قدم بشكل مباشر عبر قناة الجزيرة أولا

وتتخذ وسائل الإعلام الإسرائيلية من هذه المواقف أدلة على ما تقول إنه رغبة عربية في تطبيع العلاقات مع إسرائيل، كما تستند إلى مواقفهم المهاجمة لإيران وما يعرف بـ”الإسلام السياسي” للتدليل على وجود حلف جديد في المنطقة يضم إسرائيل ومصر ودولا خليجية في مقابل إيران وتركيا والإسلام السياسي.

وتنشط حسابات لمسؤولين إسرائيليين ناطقة بالعربية على مواقع التواصل الاجتماعي في نقل مقالات لكتاب عرب وتحديدا من الخليج، تمدح “نجاح التجربة الإسرائيلية” في مقابل فشل “التجربة العربية”، أو تدعو صراحة إلى تطبيع العلاقات بين الطرفين وتجاهل القضية الفلسطينية.

كما ينشط المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفخاي أدرعي والمتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو للإعلام العربي أوفير جنلدمان في نقل مقالات ومواقف لكتاب عرب وخليجيين لتمرير رسائل التطبيع مع الاحتلال ورفض أي شكل من أشكال المقاومة.

وكان الكاتب عبدالحميد حكيم سجّل اسمه كأول كاتب سعودي يجري مقابلة مباشرة مع الإعلام الإسرائيلي عندما استضافته القناة الإسرائيلية الثانية عبر “سكايب” من مدينة جدة في يونيو 2017 للحديث عن الأزمة الخليجية، وقال فيها إن “الوقت حان لشرق أوسط جديد يقوم على المحبة والسلام والتعايش ونبذ الكراهية والعنف والتشدد”.

ولم يتوقف الاختراق الإسرائيلي للإعلام العربي عند نقطة استثمار هذه المواقف لتسويقها في الإعلام العبري، بل وجد له موطئ قدم بشكل مباشر عبر قناة الجزيرة أولا.

الجزيرة لها تاريخ في فتح أبواب القناة للمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي والمسؤولين الإسرائيليين للحديث عن أمور عربية

وكانت قناة الجزيرة القطرية هي أول من أسست لاستضافة المسؤولين الإسرائيليين تحت شعار “الرأي والرأي الآخر”، وذلك في إطارالتنافس الإعلامي بين الفضائيات العربية على السبق الصحفي، رغم أنها ترفع شعارات مناهضة التطبيع والدفاع عن القضية الفلسطينية وتستضيف قطر قيادات حماس على أراضيها.

ورغم أن التيار المعارض للتطبيع يحتفي بقناة الجزيرة ومواقفها ضد إسرائيل ويعتبرها من أبرز الداعمين للمقاومة، إلا أنها وضعت نفسها في تناقض صارخ في عدة مناسبات بسبب موقفها من التطبيع مع إسرائيل حيث هاجمت القناة اتفاق السلام الإماراتي مع إسرائيل، واتفاقية السلام الإسرائيلية مع البحرين، وقبلها هاجمت مصر أكثر من مرة بسبب اتفاقية كامب ديفيد، في حين أنها تقوم بالتطبيع الإعلامي من خلال استضافة مسؤولين إسرائيليين.

وكان نشطاء قطريون مناهضون للتطبيع مع إسرائيل شنوا هجوما عنيفا ضد قناة الجزيرة بسبب تورطها في الترويج للجيش الإسرائيلي، حيث نشرت القناة في إحدى المرات خبرا على حسابها على إكس أن “الجيش الإسرائيلي يبدي استعداده لإيفاد فرق من جنود الجبهة الداخلية إلى لبنان للمساعدة في جهود الإنقاذ”.

وعلق ناشطون على الخبر “منذ متى واسمه الجيش الإسرائيلي؟ هل لم يعد هناك ما يسمى بجيش الاحتلال؟ هل سيتحول في يوم ما “الشهيد” إلى “قتيل” في عناوينكم؟”.

وقال متابعون إن الجزيرة لها تاريخ في فتح أبواب القناة للمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي والمسؤولين الإسرائيليين للحديث عن أمور عربية، وكذلك إدخال المسؤول الإسرائيلي إلى البيت العربي عن طريق التطبيع الإعلامي.

وأشاروا إلى أنه لم يكن هناك مراسلون للجزيرة في إسرائيل وتم الاستعاضة عن ذلك باستضافة إسرائيليين وفتح لهم منابر القناة واستضافتهم في الدوحة.

5