مصر تواجه معضلة في المواءمة بين مصالحها الأمنية ودعم غزة

رفض القاهرة لخروج سكان غزة وهم تحت القصف المتواصل من إسرائيل وحضهم على التوجه نحو سيناء تحوّل إلى منغص سياسي.
السبت 2023/10/14
احتجاجات نادرة في مصر دعما لغزة

القاهرة - يواجه الموقف المصري معضلة في المواءمة بين مصالح الدولة الأمنية في سيناء ودعمها السياسي والإنساني لسكان قطاع غزة، الذين يتعرضون لحرب إبادة من قبل إسرائيل.

وبدأ الحرج يتضاعف مع ظهور مناشدات شعبية داخلية وخارجية تطالب بفتح الحدود المصرية مع غزة وعدم الاعتداد بتحذيرات إسرائيل وتهديدها بقصف قوافل المساعدات المتجهة عبر منفذ معبر رفح بشمال سيناء إلى غزة، وترك المجال ليعبّر المصريون عن تعاطفهم مع الفلسطينيين بالسماح لهم بالتظاهر في الشوارع.

وخرجت مظاهرات نادرة ولأول مرة في مصر منذ سنوات طويلة عقب صلاة الجمعة، وندد المتظاهرون داخل جامع الأزهر بوسط القاهرة وأمام مسجد القائد إبراهيم في مدينة الإسكندرية بالعدوان الإسرائيلي على القطاع، ورددوا هتافات داعمة لنضال الفلسطينيين.

وما يؤكد أن النظام المصري لا يخفي تعاطفه مع أهالي غزة ورفضه للعدوان عليهم أن هذه المظاهرات من الصعوبة خروجها دون ضوء أخضر من جانبه.

وأعلنت تركيا عن وصول طائرة مساعدة إلى مطار العريش في شمال سيناء، الجمعة، وقبلها أبدت دول أخرى استعدادها لتجهيز طائرات محملة بمساعدات طبية وغذائية تتجه إلى المطار نفسه بغرض نقلها منه إلى معبر رفح لإدخالها إلى سكان غزة.

القاهرة لا تعوّل على جولة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بليكن الذي أدرج مصر وبعض الدول العربية ضمنها

وجهّزت القاهرة قوافل من عربات النقل تحمل مساعدات متباينة تقف بالقرب من معبر رفح، وتدفقت آليات ومعدات عسكرية مصرية غير معتادة نحو شمال سيناء تحسبا لحدوث تجاوزات من قبل قوات الاحتلال أو انفلات الأوضاع بما يضطر الآلاف من الفلسطينيين إلى الهروب إلى الأراضي المصرية عنوة، خاصة بعد مطالبة قوات الاحتلال أهالي غزة بالزحف نحو جنوب غزة للهروب من قصفها لشمال القطاع.

وتحدث الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في حفل تخريج دفعات من منتسبي أكاديميات عسكرية متعددة، مساء الخميس، باهتمام بالغ حول الدفاع عن الأمن القومي المصري ودعم القضية الفلسطينية، وحمل خطابه رفضا لخروج فلسطينيي غزة من ديارهم إلى سيناء.

وتحول رفض القاهرة لخروج سكان غزة وهم تحت القصف المتواصل من إسرائيل وحضهم على التوجه نحو سيناء إلى منغص سياسي، لم يفهم كثيرون دواعيه الأمنية، حيث يخشى النظام المصري أن يؤدي هذا الفرار الكثيف إلى تمركزهم في سيناء واستعادة سيناريو تحويلها إلى وطن بديل لهم، تمهيدا لتصفية القضية الفلسطينية.

وأدى تعثر دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة بسبب الرفض الإسرائيلي الصارم إلى زيادة الضغوط الواقعة على القيادة المصرية، فهي لم تتمكن من التفاهم مع إسرائيل ولا تريد المجازفة بإدخال المساعدات قسرا وتعرضها للقصف جوا، ما يضعها في موقف بالغ الحساسية، في حالتي الرد عسكري أو الصمت.

ويهيمن شبح توطين فلسطينيي القطاع في سيناء على التفكير المصري حاليا، خشية أن يظهر واقع جديد يصعب مقاومته في المستقبل.

القاهرة تفكر في عقد اجتماع تشارك فيه دول عدة بينها الأردن وتركيا، على أمل إيجاد صيغة جماعية للخروج من المأزق

وبات الموقف محيرا أمام القاهرة، ففي ظل تعرض الفلسطينيين إلى انتهاكات كبيرة وعدم دخول مساعدات إنسانية بسبب رفض إسرائيل وتقاعس المجتمع الدولي، تحاول إيجاد مخرج لهذه المعادلة الصعبة من خلال إجراء محادثات مع قوى إقليمية ودولية مختلفة، بينها تركيا التي بدأ وزير خارجيتها هاكان فيدان زيارة لمصر، الجمعة.

وقالت مصادر مصرية لـ”العرب” إن القاهرة تفكر في عقد اجتماع تشارك فيه دول عدة، بينها تركيا والأردن، وربما السعودية، على أمل إيجاد صيغة جماعية للخروج من هذا المأزق، وتحركت الجامعة العربية باتجاه الأمم المتحدة وحثت سكرتيرها العام أنطونيو غوتيرش على وقف القصف الإسرائيلي وقتل المدنيين العزل.

وهناك جهات تحاول توريط مصر في الحرب من خلال تثبيت ما تردد من معلومات في إسرائيل ونفاها مكتب رئيس الوزراء، كما نفتها القاهرة حول قيامها بتحذير رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من ضربة عسكرية قوية تقوم بها حماس قبل حدوثها بأيام.

وتقف هذه الجهات وراء مظاهرة ضمت شخصيات فلسطينية وعربية خرجت أمام مقر القنصلية المصرية في نيويورك، وأدى تجاهل هؤلاء للتنديد مباشرة بما تقوم به إسرائيل إلى شكوك في أنها مدفوعة من دوائر تسعى للضغط على القاهرة سياسيا.

ويشير متابعون إلى أن مصر حسمت أمورها بشأن الدفاع عن أمنها القومي أولا، والبحث عن وسائل لإدخال المساعدات لتخفيف المعاناة في القطاع من دون التورط في الحرب الجارية، لأنها تدرك تشعبها وما تنطوي عليه من تعقيدات ليست بعيدة عما يتردد حول العمل على إعادة رسم خرائط المنطقة بما يخدم مصالح إسرائيل.

ويضيف المتابعون أن القاهرة لا تعوّل على جولة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بليكن الذي أدرج مصر وبعض الدول العربية ضمنها، بعدما كانت قاصرة على إسرائيل والأردن فقط، ما يعني أن بحوزته خطة أو أفكارا يريد الترويج لها أو جس النبض حيالها وتصب في مصلحة إسرائيل.

وتسير مصر على خطوط متوازية أمنيا وسياسيا وإنسانيا، ويؤكد دخول المتظاهرين على الخط الجمعة أن روافد معركة غزة ممتدة، فتجمعهم

لأول مرة في القاهرة والإسكندرية يحوي إشارة إلى أن مصر قد تتعرض لضغوط شعبية إذا أخلت بما يراهن عليه مواطنوها من تطلعات مزدوجة للحافظ على أمن بلدهم ودعم القضية الفلسطينية.

2