تشدد قضائي يضاعف المخاوف حيال مستقبل حرية الإعلام في الجزائر

التماسات بتغليظ العقوبات في حق صحافيين معارضين للسلطة.
السبت 2023/10/14
إحسان القاضي يدفع ثمن مواقفه

يواجه عدد من الصحافيين الذين عُرفوا بمواقفهم المعارضة للسلطة السياسية في الجزائر عقوبات مغلظة بالسجن، وهو ما يثير مخاوف الصحافيين حيال مستقبل حرية الإعلام في بلادهم.

الجزائر - أظهر الجهاز القضائي الجزائري تشددا لافتا تجاه إعلاميين موقوفين بتهم مختلفة، حيث رفضت غرفة النقض لدى المحكمة العليا الالتماس الذي تقدم به فريق دفاع الإعلامي إحسان القاضي، لتكون بذلك آخر مرحلة في التدرج القضائي مما يحتّم تنفيذ الحكم الصادر في حقه.

وتقدم النائب العام لمحكمة في العاصمة بالتماس يقضي بفرض عقوبة خمس سنوات سجنا بحق الإعلامي المخضرم سعد بوعقبة على خلفية مقال له تضمن أوصافا اعتبرت مسيئة لسكان محافظة الجلفة في الداخل الجزائري، وثلاثة صحافيين آخرين، وهم مالكا الموقع الذي نشر المقال، عادل لعزيزي وسليم صالحي المقيمان في بريطانيا، وزبير فاضل الذي أعاد نشر المقال في صفحته الرسمية على منصة ميتا.

وجاءت هذه الخطوات لتعكس تشددا قضائيا لافتا تجاه إعلاميين محبوسين أو يتواجدون تحت الرقابة القضائية، الأمر الذي يثير القلق في الأوساط والدوائر الحقوقية والإعلامية حول مصير الممارسة الصحفية في البلاد، في ظل التضييق المتصاعد على المهنة.

ويتناقض هذا التشدد مع ما تحاول السلطة السياسية الترويج له عن انفتاحها على قطاع الإعلام وسعيها لتذليل الصعوبات التي يواجهها الصحافيون أثناء أداء مهامهم.

عبدالله هبول: المحكمة العليا ترفض طعنيْ الصحافي إحسان القاضي
عبدالله هبول: المحكمة العليا ترفض طعنيْ الصحافي إحسان القاضي

ويحرص الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون على عقد لقاءات دورية مع الإعلاميين الجزائريين، ويؤكد في كل مرة خلال اللقاءات على أنه مهتم ببحث شواغل أبناء القطاع، لكن عمليا لا شيء تحقق باستثناء تصاعد نسق التضييق على الحريات.

وعكس التوقعات الحذرة التي سادت الأوساط الصحافية في الجزائر، رفضت المحكمة العليا في العاصمة الطعن الذي تقدم به فريق دفاع الإعلامي المحبوس إحسان القاضي، والمتمثل في عقوبة سبع سنوات سجنا، منها خمس سنوات نافذة، الأمر الذي سيدرجه في خانة الحكم النهائي.

وكتب عضو هيئة الدفاع، المحامي عبدالله هبول، على صفحته في فيسبوك “المحكمة العليا - غرفة الجنح والمخالفات - تفصل برفض طعنيْ الصحافي ومعتقل الرأي إحسان القاضي في عقوبتي سبع سنوات حبسا منها خمس نافذة، وستة أشهر حبسا نافذة”.

وأضاف هبول “لقد كانت صدمتنا كبيرة لما قررت المحكمة العليا رفض الطعنين، مع العلم أن هيئة الدفاع التي تولت إعداد مذكرة الطعن قدمت فيها كل الحجج والدفوعات القانونية التي تؤكد بصفة قطعية أن هناك تجاوزات”.

وأوضحت المحامية فطة سادات أن “الحكمين الصادرين أصبحا نهائيين”، علما أن القانون الجزائري يسمح بدمج العقوبات وقضاء العقوبة الأطول فقط، وبموجبه لم يعد من سبيل أمام إحسان القاضي لمغادرة السجن سوى الحصول على عفو رئاسي بعد استنفاده كل درجات التقاضي.

وحسب المحامية والحقوقية زبيدة عسول فإن “ملف القضية مبني على أموال بقيمة 25 ألف جنيه إسترليني تلقاها الصحافي على دفعات من ابنته تينهنان القاضي المقيمة في لندن، والمساهمة في شركة أنترفاس ميديا، المالكة لراديو أم الإلكتروني، وموقع مغرب إيمرجنت”.

وصرحت عسول بأن “تلك الأموال كانت موجهة لتسديد ديون الشركة الناشرة للوسيلتين الإعلاميتين إذاعة راديو أم وموقع مغرب إيمرجنت الإخباري”.

ويعتبر متابعون أن سجن الإعلامي المخضرم إحسان القاضي وتشميع وغلق مبنى الشركة والمنبرين الإعلاميين كانا آخر قلاع الصحافة المحايدة والمنفتحة على جميع الفعاليات ومكونات المجتمع، الأمر الذي يكون قد أزعج السلطة، خاصة وأنها ظلت منذ نشأتها مهتمة بالشؤون السياسية والحقوقية وفسح المجال أمام المعارضة.

وفي ذمة الصحافي المسجون حكمان قضائيان، الأول يتعلق بستة أشهر نافذة وصدر في يونيو 2022 غداة شكوى تقدم بها وزير الاتصال السابق عمار بلحيمر ضد الصحافي بعد نشر مقال حول مكانة حركة رشاد الإسلامية، التي صنفتها الجزائر منظمة إرهابية، في الحراك الاحتجاجي.

ويتعلق الحكم الثاني، الذي بدأ بخمس سنوات سجنا منها ثلاث سنوات نافذة، ليتم رفعه من طرف محكمة الاستئناف إلى سبع سنوات منها خمس سنوات نافذة، بتهمة ” تلقي أموال من الخارج، قصد القيام بأفعال من شأنها المساس بأمن الدولة أو باستقرار مؤسساتها”.

وكانت وضعية الإعلاميين المسجونين إحسان القاضي ومصطفى بن جامع من ضمن القضايا التي طرحت أمام المفوض الأممي لشؤون حريات التجمع والتظاهر السلمي وتأسيس الجمعيات والأحزاب كليمان نيالتسوسي فول الذي شدد في ندوته الصحفية على ضرورة “تهيئة السلطة مناخ الحريات وإطلاق سراح سجناء الرأي ووقف الملاحقات في حق النشطاء والصحافيين”.

وضعية إحسان القاضي ومصطفى بن جامع من ضمن القضايا التي طرحت أمام المفوض الأممي لشؤون حريات التجمع

وجاءت هذا التطورات بالموازاة مع التماس مماثل من طرف النائب في حق الإعلامي بوعقبة، صاحب أشهر عمود صحفي في الجزائر “نقطة نظام”، حيث طالب بتطبيق عقوبة خمس سنوات سجنا نافذة على المتهم، والمدة نفسها في حق ثلاثة صحافيين آخرين، اثنان منهما يقيمان في بريطانيا ويملكان الموقع الذي نشر المقال (المدار تي في)، والثالث أعاد نشره في صفحته الخاصة.

ويواجه الصحافي بوعقبة تهما تتعلق بـ”التحريض على الكراهية وفق القانون الجديد المعتمد عام 2021، وعرض منشورات من شأنها المساس بالمصلحة الوطنية، وفق المادة 96 من قانون العقوبات”، وذلك غداة شكوى تقدمت بها جمعيات أهلية إلى مدير الأمن الوطني، اعتبرت فيها أن الصحافي تجرد من كافة قيم الصحافة.

وكان الصحافي بوعقبة نشر مقالا بعنوان “من عاصمة الخرفان السياسية إلى عاصمة الأبقار السياسية”، وهو المقال الذي أثار آنذاك موجة غضب وانتقادات شديدة، واعتبر “مقالا عنصريا ومهينا لسكان محافظة الجلفة الرعوية”. ورغم أن الكاتب اعتذر “عما يكون قد أسيء فهمه”، استمرت أطوار المحاكمة وتم وضع المتهم تحت الرقابة القضائية.

ويعد الإعلامي بوعقبة من أشهر وأقدم الصحافيين الجزائريين، حيث عاصر مختلف السلطات التي تعاقبت على إدارة شؤون البلاد منذ الاستقلال إلى غاية اليوم. وظل في كل مرحلة صديقا لمختلف الرؤساء، رغم قلمه الناقد، وحتى محل حماية من طرف مسؤولين كبار في الدولة. لكن الوضع تغير بقدوم السلطة الجديدة؛ حيث ظلت الصحف أو المواقع التي ينشر فيها عرضة لضغوط السلطة، وهو ما أحاله على التقاعد وتكميم صوته بعدما أغلقت كل المنابر في وجهه.

5