"صلادي، الخيميائي" عرض لأهم أعمال عباس صلادي

رحلة مليئة بالأحلام في عالم فنان مغربي مختلف.
الثلاثاء 2023/10/10
فنان الرسومات الغرائبية

بدأ متحف التراث اللامادي العائد في حلة جديدة أول معارضه الدائمة بمعرض عن الفنان الراحل عباس صلادي الذي يعد واحدا من رموز الفن التشكيلي في المغرب، واستطاع رغم قصر تجربته الفنية والحياتية أن يترك رصيدا فنيا لا يزال يخضع للبحث والتحليل، خاصة في ما يتعلق بدور الفن في العلاج النفسي.

مراكش - تزامنا مع إعادة افتتاح متحف التراث اللامادي بساحة جامع الفنا التاريخية بمراكش، ينتظم معرض فني تحت عنوان “صلادي، الخيميائي” بمجموعة لوحات للفنان والرسام عباس صلادي (1950 – 1992)، تعيد اكتشاف وتقييم مسيرة أحد أبرز رموز الفن المغربي وابن ساحة جامع الفنا.

وكشف حفل افتتاح المعرض عن لوحات تذكارية لكل من حميد تريكي وجون غويتيسولي وايموند بريون وأوغيست كاديت.

ومن خلال هذا المعرض يغدو صلادي، كقصاص، يروي من خلال اللون والصورة، حكايات تنقل إلى عوالم غريبة مليئة بالرموز والأشكال المثيرة للدهشة، حيث تمزج الأجساد البشرية بالنبات وكائنات أخرى من وحي خيال الفنان، بينما يستمد الإلهام من هذا المكان الأسطوري لساحة جامع الفنا.

صلادي يغدو كقصاص، يروي من خلال اللون والصورة حكايات تنقل إلى عوالم غريبة مليئة بالرموز والأشكال
صلادي يغدو كقصاص، يروي من خلال اللون والصورة حكايات تنقل إلى عوالم غريبة مليئة بالرموز والأشكال

اتّسمت لوحاته التصويرية الأولى بالمنحى التشخيصي الفطري، حيث جسّد فيها مشاهد اجتماعية مستوحاة من الحياة اليومية في مراكش، قبل أن ينزع أسلوبه الفني لاحقا نحو الغرائبية، بما هي “لحظة اقتناص للحياة المتخيَّلة” بحسب توصيف الرحالة الفرنسي رولان لوبيل، لاسيما بعد أن تشتت ذهنه وتفرّق بسبب نكبات ومآس اجتماعية حلت به.

ويقدم المعرض لوحات صلادي الجديدة بالنظر إلى سنوات نشاطه، تشكلها بلاغات بصرية مُغايرة عاكسة لجراحاته وانكساراته الوجدانية، والتي أبرز فيها اهتمامه بالغرابة على منوال ما قدَّمه بعض الرسامين السيرياليين والدادائيين والرمزيين منذ أواخر القرن التاسع عشر، والذين ظهرت إبداعاتهم الفنية كحالة إبداع نادرة تقع ما بين الحلم واليقظة.

وحسب بلاغ للمؤسسة الوطنية للمتاحف، يتفرع مسار المعرض إلى ثلاثة أقسام تعكس المراحل الثلاث التي ميزت حياة صلادي الفنية.

ويجسد القسم الأول الواقع اليومي لمحيط الفنان، والذي تكشف موضوعاته المطروحة عن سجل يمكن وصفه بأنه أسلوب ساذج. فيما يسلط القسم الثاني الضوء على انشغال صلادي بالتركيب الذي أصبح أساسيا في منهجه وسمة أساسية في عمله الفني، حيث اتضحت توجهاته وارتقت بشكل كبير معالمه، فضلا عن التأثير الشرقي للمنمنمات، وخاصة الفارسية والفرعونية، الذي يتجلى كعلامة مميزة له.

أما القسم الثالث والأخير، فيتسم بالنضج الفني حيث أصبحت أعماله تعكس بشكل كبير كل ما يخالجه من أحاسيس مضطربة وتطلعات يبقى فيها الجسد العاري مصدر اهتمام وإلهام للفنان مع كل ما يطرح هذا الموضوع من أسئلة سوسيو ثقافية داخل مجتمع محافظ.

ويشكل “صلادي، الخيميائي” معرضا مؤقتا يحمل رسالة أمل وحياة، ويمثل بداية سلسلة من المعارض المرتبطة دائما بساحة جامع الفنا.

ويقع متحف التراث اللامادي في المقر القديم لبنك المغرب بساحة جامع الفنا الأسطورية بالمدينة الحمراء، وتم افتتاحه في فبراير الماضي بعد سنوات عديدة من أعمال الترميم.

ويتيح المتحف للزوار فرصة اكتشاف تاريخ الساحة بالمدينة الحمراء، وتثمين الحلقة، ومختلف الفنون، وتوعية العموم بالأهمية الكبرى التي يكتسيها هذا التراث المشترك قصد الحفاظ عليه ونقله إلى الأجيال المقبلة.

يذكر أن إعادة افتتاح هذا المتحف تأتي رغبة من المؤسسة الوطنية للمتاحف في إعادة تنشيط العروض الثقافية والسياحية لمدينة مراكش، حيث سخرت كل الوسائل اللازمة لإتاحة الفرصة للزوار لاكتشاف معرض يقدم أعمالا متنوعة لعباس صلادي تأخذ الزوار في رحلة مليئة بالخيال والأحلام. ويتزامن هذا المعرض مع افتتاح الاجتماعات السنوية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي المقررة من التاسع إلى الخامس عشر من أكتوبر الجاري بالمدينة الحمراء.

“صلادي، الخيميائي” معرض مؤقت يحمل رسالة أمل وحياة، ويمثل بداية سلسلة من المعارض المرتبطة بساحة جامع الفنا
“صلادي، الخيميائي” معرض مؤقت يحمل رسالة أمل وحياة، ويمثل بداية سلسلة من المعارض المرتبطة بساحة جامع الفنا

وقالت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كرستالينا جورجيفا، في تصريح للصحافة، إن المغرب “يعد بلدا رائعا وغنيا بتنوعه وتراثه الثقافي”، مشيدة بحفاوة الاستقبال التي أبان عنها الشعب المغربي.

وقال رئيس المؤسسة الوطنية للمتاحف مهدي قطبي، في تصريح مماثل، إنه “سعيد” برؤية الاجتماعات السنوية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي تنطلق بالثقافة من خلال هذا المتحف الاستثنائي الذي تم تجديده بعناية بعد الزلزال.

وأكد أن “المستحيل ليس مغربيا”، مبديا انبهاره بهذه الروح من التضامن والتعبئة التي أبان عنها المغاربة وراء العاهل المغربي الملك محمد السادس. وأبرز قطبي أن “المعرض يحتفي بعباس صلادي، ابن جامع الفنا، وأيضا بكوكبة من الفنانين التشكيليين الآخرين الذين تركوا بصماتهم في مشهدنا الثقافي”.

يذكر أن صلادي الذي توفي وهو لم يتجاوز الاثنين والأربعين عاما، فنان عصامي لم يدرس الفنون التشكيلية. درس الفلسفة في جامعة الرباط، وهناك بدأت تنتابه بعض الأزمات العصبية، مما حال دون إكماله دراسته، وبعد أن نصحه أحد الأطباء النفسانيين بمحاولة الرسم للخروج من أزماته، بدأ يرسم لوحات عبارة عن كائنات ومشاهد غرائبية. كانت بداياته شبه ساذجة لكنها سرعان ما سارت نحو التعبير بطرق أكثر ذاتية وحرفية.

وأمام الحاجة والمرض، اضطرت أخته إلى البدء في بيع لوحاته بساحة جامع الفنا بأسعار بخسة، إلى أن التقاها صدفة أحد المهتمين الأميركيين بالفن التشكيلي، فتعرف على صلادي، وبدأ يشتري منه لوحاته ويساهم في التعريف به.

شارك صلادي في الكثير من المعارض بالمغرب، كما رسم أغلفة بعض الدواوين الشعرية أو بعض المؤلفات الأدبية. وعقب وفاته، أصبح موضوعا لعدة ندوات ودراسات حول “علاقة المرض النفسي بالإبداع الفني”، حيث انكب الكثير من الباحثين على دراسة هذه الظاهرة.

وهذه ليست المرة الأولى التي يحتفي فيها المغرب بعباس صلادي، بل سبق وأن نظمت العديد من المعارض لإبراز الجوانب الفنيّة المميزة لتجربة الفنان الاستثنائي وإعادة اكتشافها من خلال دراسة مسيرة صلادي عبر مسار متسلسل تاريخيا يبدأ من خربشاته الأولى وحتّى لوحاته الأخيرة، وانقسمت كل المعارض إلى ثلاث مراحل، كما هو المعرض الحالي، تبين مراحل تطور تجربته ونضوجها.

14