عقبات تعترض الطروحات الحكومية وحل أزمة العملة في مصر

القاهرة مضطرة إلى زيادة حصص البيع أو الموافقة على الأسعار الجديدة.
الاثنين 2023/10/09
لا حاجة إلى التدقيق في الحسابات!

أكد محللون وخبراء مصريون وجود عقبات جديدة تعرقل برنامج الطروحات الحكومية وحل أزمة شح العملات الأجنبية بعد ظهور بوادر لخفض تصنيف قيمة الأصول بمؤشرات الأسهم العالمية، رغم محاولات السلطات توفير بيئة مستقرة بهدف جذب المزيد من الاستثمارات.

القاهرة - تواجه جهود القاهرة لجذب الدولار عبر بيع الشركات باعتبارها الأداة الأسرع والأسهل لمنع تفاقم شح العملة، عراقيل مع كل المساعي لحل المشكلات الداخلية وتخطي البيروقراطية، لكن المؤسسات العالمية لا تنظر بعين الاعتبار إلى ذلك ويشغلها المستثمر فقط.

وكشفت شركة فاينانشال تايمز فوتسي راسل لمؤشرات الأسهم العالمية عن وضع مصر ضمن قوائم المراقبة، ما يعني احتمال خفض تصنيف البلاد في مجموعات مؤشرات الأسهم التابعة لها إلى سوق غير مصنفة.

وتؤدي الخطوة إلى حذف الأسهم المصرية من مؤشرات فوتسي للأسهم العالمية التي يتابعها المستثمرون لتحديد وجهتهم، فمبرر المؤسسة عدم وفرة الدولار في البلاد.

وحال تخفيض تصنيف مصر على المؤشر سيتعطل نجاح برنامج الطروحات الذي يقضي ببيع حصص في 32 شركة تابعة للدولة، وتقل فرص المراهنة عليه لحل أزمة نقص الدولار.

وتستهدف البلاد جمع نحو 5 مليارات دولار حتى نهاية يونيو المقبل، وفق تصريحات سابقة لوزيرة التخطيط هالة السعيد.

ومن أبرز السلبيات التي تترتب على إقصاء مصر من المؤشر تدهور أكبر في قيمة الجنيه، ما ينعكس على قيمة الأصول القومية، ما يدفع الحكومة إلى بيع الشركات بأسعار أقل من قيمها العادلة.

محمد النجار: مصر تواجه أزمات لاتخاذ قرارات اقتصادية برداء سياسي
محمد النجار: مصر تواجه أزمات لاتخاذ قرارات اقتصادية برداء سياسي

ومن هنا تتبدد خطة السلطات الرامية إلى تحصيل مبالغ دولارية تصل إلى 40 مليار دولار خلال السنوات الأربع المقبلة لدعم الاحتياطي النقدي الأجنبي وتذليل التحديات التي يواجهها أكبر بلد عربي من حيث تعداد السكان.

وفي هذه الحالة يوجد أمام الحكومة بديلان للوصول إلى ما تصبو إليه من برنامج الطروحات وبيع الشركات، الأول: زيادة الحصص أو النسب المعروضة للبيع من الشركات عن الشرائح الحالية، والثاني: تقبل ببيع الأصول بسعرها الجديد الرخيص.

وقال المحلل الاقتصادي المصري محمد النجار إن “خفض تصنيف مصر على مؤشر فوتسي يمثل حجر عثرة أمام برنامج الطروحات، حيث يؤثر بشكل مباشر على قيمة الأصول، ومع ذلك ليست هذه هي العقبة الوحيدة”.

وأضاف لـ”العرب” أن “العراقيل ناجمة عن التهديد بخفض تصنيف مصر الائتماني وكذلك قيم الأصول من قبل مؤسسات دولية كبيرة أخرى مثل فيتش وأم.أس.سي.آي، وبالتالي هناك شبه اتفاق على خفض تصنيف الأصول المحلية”.

وتدفع مصر ثمن عدم الاستجابة لوصفة صندوق النقد الدولي الذي يطالب بمرونة سعر الصرف، أي يقوم على العرض والطلب الحقيقي، والذي انتهجه البنك المركزي أعوام من 2017 وحتى 2019.

وبعد الجائحة والأزمة الروسية – الأوكرانية اضطرت القاهرة إلى التخلي عن هذه السياسة للنقص الشديد في العملة المتدفقة من الخارج وعدم وجود احتياطي نقدي يكفي لمجاراة أوضاع السوق.

وتم تثبيت أسعار الصرف لتتكرر أزمات الأعوام 2011 و2013 و2015، ما تسبب في قفزات كبيرة بسعر الدولار مع انتعاش السوق الموازية. ولم تفلح قرارات تحرير سعر الصرف أو خفضه بشكل أدق في ضبط الأسواق.

وتنبع تعليمات صندوق النقد من الوصفة التي قدمتها له القاهرة عام 2016، ونفس الحال مع بداية 2023 للحصول على تمويل جديد، حيث حصلت البلاد على شريحة واحدة، ولم تنجح في تلقي تمويلات أخرى لعدم تنفيذ ما تم الاتفاق عليه.

وأشار النجار إلى أن مصر تواجه عقبة حاليا لحل أزمة العملة الأجنبية، لأنها تتخذ قرارات اقتصادية برداء سياسي.

وأوضح أنها تقرر عدم اتباع نظام صرف مرن أو خفض جديد للجنيه خوفا من انفلات الأسعار وارتفاع التضخم لدواعي الأمن القومي، لكن بتثبيت سعر الدولار في البنوك قفزت قيمته بالسوق الموازية وتفاقمت أزمة الأسعار.

مبلغ زهيد

وتشير الأوضاع الراهنة إلى أن ليست لدى مصر خطة للتصدي لإمكانية خفض تصنيف مؤشراتها دوليا على المدى القريب.

ويتزامن ذلك مع إرجاء مراجعة صندوق النقد لبرنامج الإصلاح مرتين، ثم قرب الانتخابات الرئاسية في ديسمبر المقبل، وسيطرة الأجواء السياسية على المشهد لتغطي على الأحداث الاقتصادية.

ويرى خبراء أن مصر في أزمة اقتصادية معقدة، لكن السلطات لم تواصل الاستمرار في مسيرة الإصلاح، وتسترضي الشارع بقرارات إيجابية في ظاهرها وتساند المواطنين، وهو ما يراه المحللون ظاهرة سلبية على المؤشرات.

ومن هذه القرارات، إرجاء رفع أسعار الكهرباء وما ترتب عليه من انخفاض في إيرادات شركات الكهرباء والبترول، ودخلت البلاد في أزمة انقطاع التيار الكهربائي، وزيادة علاوة الغلاء للعاملين بالدولة.

ومن شأن خطوات كهذه دفع التضخم إلى الارتفاع، إذ لم تقابل ذلك زيادة في الإنتاج والتشغيل بالمصانع، أي ثبات المعروض من السلع.

وأكد محلل أسواق المال نادي عزام أن خفض التصنيف يعرقل جذب مستثمرين أجانب، وقد لا يعطل برنامج الطروحات مع رهان القاهرة على المؤسسات المحلية والعربية والأجانب الذين يثقون في الاقتصاد المصري ويقومون بشراء الأصول المحلية في الظروف المؤقتة.

وأوضح لـ”العرب” أنه حال حدوث الخطوة لن تتأثر التدفقات الأجنبية كثيرا، فمصر مصنفة على المؤشر حاليا ضمن الأسواق الناشئة، ولم يترتب على ذلك انتعاش تدفق الدولار.

نادي عزام: يمكن حل المشكلة بالرهان على الصناديق الخليجية والمحلية
نادي عزام: يمكن حل المشكلة بالرهان على الصناديق الخليجية والمحلية

وقال إن “على مؤسسات الدولة عدم إثارة الذعر لدى المستثمرين، طالما لا يتعثرون في تحويل أرباحهم إلى الخارج على مستوى المؤسسات”.

وأشار عزام إلى أن مصر تراهن على الصناديق السيادية الخليجية وكبار رجال الأعمال لبيع الشركات، ويمكن استمرار الطروحات ببيع حصص إستراتيجية للكيانات، وبيع نسب للأفراد عن طريق سوق المال ولو كانت لمصريين.

ويصعب توجيه اللوم للمؤسسات الدولية كونها لا تراعي الأحداث السياسية المتعلقة بالانتخابات الرئاسية، لأنها تُصدر تقاريرها من الواقع العملي ومن الأرقام المعلنة وبناء على دراسة السوق وتداولات الأجانب ومدى المرونة التي تواجههم في التعامل بالعملات الأجنبية.

كما أنها منحت مصر تصنيفات إيجابية في السنوات الماضية، فضلا عن أن الأصل في الأسواق أن يستثمر الأفراد أو المؤسسات الأجنبية بالأسهم والسندات مع تحويلها إلى بلدانهم في أي وقت.

ويبدو وضع كهذا غير متاح في مصر حاليا بسبب أزمة سعر الصرف ونقص الدولار التي انعكست على المواطنين وتسببت في أزمات بجميع المجالات بالبلاد.

كما أن المؤسسات الدولية تهدد بخفض التصنيف الإئتماني لأكبر اقتصاد في العالم، في ظل أزمات تعاني منها معظم أسواق العالم، وليس مصر وحدها نتيجة معدلات التضخم.

وتكمن المشكلة الأكبر في الولايات المتحدة، التي أصبحت مهددة بالإغلاق الحكومي خلال نوفمبر المقبل بعد إخفاق الكونغرس في توفير التمويل للسنة المالية الحالية.

وتترقب الأوساط الاقتصادية تلك الخطوة، التي ينجم عنها إغلاق الخدمات الحكومية وحصول الموظفين الفيدراليين على إجازة بلا راتب، ما يُنذر بأزمة في دول عديدة.

10