ساعي البريد

منذ عقود خلت، كانت رسائل البريد تلهم الفنانين والشعراء العرب، وفي العام 1945 قدمت الفنانة رجاء عبده أغنية "البوسطجية اشتكوا من كتر مراسيلي/وعيوني لما بكوا دابت مناديلي" من كلمات أبوالسعود الأبياري وألحان محمد عبدالوهاب الذي قدمها في "الحب الأول" وهو أول فيلم تولى إنتاجه من خلال شركته الخاصة. وبعد العام 1972 كانت إذاعة إسرائيل تكثر من بثها للغمز من أن الزعيم جمال عبدالناصر ابن "البوسطجي".

ولأن الحافلة كانت تحمل على متنها البريد إلى المدن والقرى اشتهرت باسم "البوسطة" وهي مفردة فرنسية انتشرت في عدد من الدول التي خضعت للاستعمار الفرنسي، من بينها تونس ولبنان حيث غنت فيروز من كلمات وألحان ابنها زياد الرحباني "ع هدير البوسطة ".

وارتبط الحديث عن ساعي البريد بانتظار العشاق لرسائل الأحبة أو شكاواهم من تأخرها، وهي التي كانت تعتبر إلى جانب الهاتف الأرضي، الأداة الوحيدة للتواصل بينهم قبل البريد الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي والوسائل النصية والهواتف النقالة .

ومن أشهر الأغاني التي تطرقت لنفس هذا الموضوع، أغنية "يا موظف البريد"  للمطربة السورية دلال الشمالي وهي من كلمات أحمد قنوع وألحان زهير عيساوي، ويقول طالعها "يا موظف البريد/ابعتلي برقية/برقية لحبيبي الغالي/القاسي عليا"، وفي تونس برزت المطربة نعمة بأغنية "يا بنت البريد" كلمات أحمد سالم بلغيث وألحان أحمد حمزة .

في هذا السياق، يحتفل العالم يوم غد الاثنين باليوم العالمي للبريد الذي يصادف التاسع من أكتوبر من كل عام، الذي تم إعلانه في طوكيو سنة 1969، إحياء للذكرى السنوية لتأسيس الاتحاد البريدي العالمي في عام 1874 في سويسرا .

ويحمل احتفال هذا العام شعار "لنتعاون من أجل مستقبل آمن ومترابط" حيث ترى الأمم المتحدة أن مكاتب البريد تشكّل ملتقى محوريا للمجتمعات المحلية تحقق من خلالها تماسكها وترابطها واندماجها. واليوم، ثمة ما يزيد عن 650 ألف مكتب بريدي و5.3 مليون موظف على مستوى العالم يؤتمنون على أشكال عديدة من الأغراض الضرورية الشخصية منها الرسائل والهدايا والبضائع والأموال والأدوية.

ورغم أن مهنة ساعي البريد فقدت الكثير من خصوصياتها بسبب تطور وسائل الاتصال، فإن مشغلي البريد يقدمون خدمات لزهاء 1.5 مليار شخص في جميع أنحاء العالم تُمكّن من الوصول إلى الخدمات المالية الأساسية كالمدفوعات والتحويلات المالية والمدخرات، ونما سوق الطرود العالمية من أقل من 450 مليار دولار أميركي في 2018 إلى أكثر من 500 مليار دولار أميركي في 2020.

وأطاحت وسائل الاتصال الحديثة بمهنة ساعي البريد التقليدي، ولكن دون أن تمس من دور البريد الذي ترك للتكنولوجيا مهمة تراسل المحبين ليحتفظ بمهام وخدمات أخرى.