زيارة الحشاني إلى الجزائر: تعاون اقتصادي لكسر الفتور الدبلوماسي

الجزائر- عملت زيارة رئيس الحكومة التونسية أحمد الحشاني إلى الجزائر على كسر نسق الفتور الذي خيم على علاقات البلدين منذ عدة أشهر، ويأمل الطرفان في أن يمكّن زخم الاتفاقيات المبرمة أو المفعلة من تحقيق الأبعاد الإستراتيجية المنتظرة من علاقاتهما الثنائية، فتونس ترى في الجزائر شريكا اقتصاديا يراهَن عليه لمساعدتها على تجاوز أزمتها دون مساومات، والجزائر ترى في تونس عمقها الإستراتيجي وتريد الاطمئنان على منفذها الوحيد المتبقي من جملة المنافذ الأخرى.
وحظي رئيس الحكومة التونسية باستقبال من الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، في أعقاب زيارة قادته إلى الجزائر للإشراف على أشغال اللجنة العليا المشتركة الجزائرية – التونسية، وإجراء مشاورات مع مسؤولين جزائريين بارزين.
وخطت العلاقات الجزائرية – التونسية خطوات لافتة بعد توصل الطرفين إلى التوقيع على 26 اتفاقية تعاون شملت عدة قطاعات، وهو ما وصفه رئيس الوزراء الجزائري أيمن بن عبدالرحمن بـ”القفزة الحقيقية في مسار الشراكة بين البلدين”.
لكن مراقبين يرون أن مسار الاتفاقيات قد يطول، وهي تحتاج إلى لقاءات ترتيبية ومشاورات ووقت، وبعضها قد لا يبدأ في وقت قريب، في حين أن تونس تحتاج إلى دعم جزائري عاجل لمساعدتها على مواجهة أزمة التمويل.
ولا يُعرف ما إذا كانت الجزائر قد وعدت تونس بالدعم، وهو ما قد يفسر حجم الوفد الوزاري الذي رافق الحشاني إلى الجزائر ليشمل وزراء الداخلية، والخارجية، والمالية، والاقتصاد والتخطيط، والشؤون الاجتماعية، والتجارة وتنمية الصادرات، والنقل والسياحة.
وصرح رئيس الوزراء الجزائري بأن “أشغال الدورة توجت بالتوقيع على 26 اتفاقا ثنائيا في مجالات الطاقة، الصناعة، التجارة، النقل، السياحة والاستثمار وكذا الثقافة والرقمنة والسكن والشباب والرياضة والتكوين المهني والتربية الوطنية والعمل والرعاية الاجتماعية”.
واعتبر أن النتائج المتوصل إليها “تشكل قفزة حقيقية في مسار الشراكة الجزائرية – التونسية، على خطى التكامل الاقتصادي والتنمية المندمجة، التي يصبو إليها البلدان والشعبان الشقيقان”.
واستدل على ذلك بكون “حجم التبادل التجاري خارج قطاع المحروقات بين بلاده وتونس، نما بنسبة 54 في المئة خلال الأشهر السبعة الأولى من 2023”.
من جهته اعتبر رئيس الحكومة التونسية الحدث “إطارا للقاء رجال أعمال تونس والجزائر، ويساهم في تعزيز جهودنا لإقامة شراكات فاعلة والاستفادة من الفرص المتاحة والتفضيلية والإمكانيات المتوفّرة في البلدين”.
وتعهد الحشاني بـ”توفير التسهيلات والحوافز اللازمة لتأمين أفضل الظروف للاستثمار، من أجل ضمان نجاح مشاريعهم في مختلف القطاعات الواعدة، لاسيما الطاقة والطاقات المتجددة والسيارات والأدوية”.
مسار الاتفاقيات قد يطول وبعضها قد لا يبدأ في وقت قريب، في حين أن تونس تحتاج إلى دعم جزائري عاجل لمساعدتها على مواجهة أزمة التمويل
ودعا إلى “تشكيل فريق عمل مشترك لبدء بناء اتفاق تجارة تفضيلية بين البلدين، وعقد اجتماع فني لفريق العمل التونسي – الجزائري لدراسة إقامة منطقة حرة على الحدود مع الجزائر”.
وجاءت الدورة الـ22 للجنة العليا المشتركة في ظروف إقليمية استثنائية ألقت بظلالها على علاقات البلدين التي يشهد لها بالصمود حتى في مراحل الأزمة، عكس العلاقات الأخرى التي تربط الجزائر بمحيطها الإقليمي والقومي.
ومنذ حادثة فرار الناشطة الجزائرية أميرة بوراوي إلى فرنسا، مرورا بالجمهورية التونسية في فبراير الماضي، دخلت علاقة البلدين في حالة من الشك، رغم عدم إشارة الجزائر إلى تونس بأي دور في العملية.
وتغذى الفتور بحديث نخب تونسية عن تجاهل الجزائر لتونس في ذروة أزمتها الاقتصادية وتم التلميح إلى ضغوط في التزويد بالغاز، وفي المقابل طرحت دوائر سياسية وإعلامية جزائرية تعرض تونس لمساومات مالية واقتصادية من أجل الانخراط في مسار التطبيع مع إسرائيل وفك الارتباط مع الجزائر.
واعتبر التونسيون أن الحملة لا تستند إلى أي واقعة، وأن الهدف منها كان الضغط على تونس لمنع انفتاحها على دول الخليج، والبحث عن شراكات أكثر فاعلية في ظل سلبية الموقف الجزائري تجاه بلادهم.
وسارع الرئيس التونسي قيس سعيد إلى احتواء الموقف آنذاك، بإيفاد وزير الخارجية نبيل عمار إلى الجزائر حاملا رسالة خاصة إلى الرئيس تبون، وهي الرسالة التي يرجح أن تكون قد فعّلت الاستحقاقات الثنائية بين البلدين، بما في ذلك عقد لقاء اللجنة العليا المشتركة.
ويرتبط البلدان بمناخ إستراتيجي وإقليمي متحرك بات يحتم عليهما التحرك بشكل موحد، خاصة ما يتعلق بتزايد مخاطر الهجرة غير النظامية من دول الساحل وجنوب الصحراء، والتي تجتاح البلديْن خلال الأشهر الأخيرة.
كما يجدان نفسيهما في موقف مشترك تجاه الارتدادات التي تفرزها الأزمة في ليبيا وفي منطقة الساحل الصحراوي.
وكان وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف قد صرح الأربعاء بأن “التعاون الثنائي بين الجزائر وتونس خطا خطوات مشجعة، تجسيدا للتوجيهات السامية لرئيس الجمهورية، السيد عبدالمجيد تبون، ونظيره التونسي السيد قيس سعيد”.
ولفت إلى أن اللجنة “تناولت بالدراسة والبحث والتقييم مختلف ملفات التعاون الثنائي المكثف والثري، في مختلف أبعاده الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، التي تعكس في مضمونها وفي مراميها خصوصية العلاقات الأخوية المتميزة والمتجذرة بين بلدينا وبين شعبينا الشقيقين”.
وأوضح أنه “من جملة ما خلص إليه اجتماع لجنة المتابعة، التأكيد على الآفاق المستقبلية الواعدة التي تنتظر هذه العلاقات، حيث تم الوقوف على تحديد وتنشيط مجالات جديدة للتعاون الثنائي، مع اعتماد خطوات فعلية لدعم هذا النهج البناء وتبني حلول عملية لتجاوز العراقيل العابرة أو المعوقات الظرفية التي تعترض سبيل جهودنا المشتركة”.
وتابع “اللجنة التي شارك فيها ممثلون عن 30 قطاعا وزاريا ومؤسسة وطنية من الجانبين، تناولت أربع حزم من الملفات، تتعلق بالتعاون الاقتصادي والتجاري، والتعاون الحدودي والأمني، والتعاون في مجال الموارد البشرية والاجتماعية، وتعزيز الإطار القانوني للتعاون الجزائري – التونسي الشامل”.