الإمارات تسرّع وتيرة الاستثمار في احتجاز الكربون

اكتسبت إستراتيجية الإمارات المتعلقة بالحياد الكربوني زخما كبيرا مع تتالي الإعلانات الاستثمارية في هذا القطاع الواعد، والتي تسبق استضافة البلد مؤتمر المناخ (كوب28) في وقت لاحق هذا العام، وذلك في سياق مساهمته العالمية في التحول الأخضر.
أبوظبي – تكثّف شركة أدنوك الإماراتية العملاقة للطاقة من جهودها لتطوير مجال احتجاز الكربون قبل انعقاد كوب28، في تأكيد على التزام البلد الخليجي بتسريع خططه الرامية إلى تقليص الانبعاثات الضارة بالمناخ.
وأعلنت الشركة الثلاثاء توقيع اتفاق مع شركة أوكسيدنتال الأميركية لإجراء دراسة هندسية لبناء منشأة عملاقة لالتقاط غاز ثاني أكسيد الكربون مباشرة من الهواء، الأولى من نوعها في الشرق الأوسط.
وتوازيا مع استثمارها المليارات من الدولارات في الوقود الأحفوري، تروّج الإمارات، أحد أكبر منتجي النفط في العالم، لتقنيات احتجاز الكربون قبل انتقاله إلى الغلاف الجوي كحل للاحترار المناخي بدون أن يؤثر ذلك على إنتاج النفط.
ودعمت الدول المنتجة للنفط والغاز تكنولوجيا احتجاز الكربون لمعالجة الانبعاثات، لكن دولا ترى أن هذه التكنولوجيا ليست بديلا عن التخفيض الكبير في استهلاك الوقود الأحفوري.
وستقوم أدنوك مع الشركة الأميركية بموجب اتفاقهما بـ”إجراء دراسة هندسية أولية مشتركة” لبناء منشأة تسمح بالتقاط مليون طن سنويا من ثاني أكسيد الكربون، “لحقنه وتخزينه بشكل دائم في طبقات المياه المالحة الجوفية”.
وأكدت الشركة الإماراتية في بيان أن المشروع يأتي في إطار اتفاقية تعاون إستراتيجي وقعتها الشركتان في أغسطس الماضي، “لتقييم فرص الاستثمار المحتملة في مراكز التقاط وتخزين ثاني أكسيد الكربون” في الإمارات والولايات المتحدة.
ونسبت وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية إلى فيكي هولوب، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لأوكسيدنتال، قولها إن “الاتفاقية تؤكد الحاجة الملحة إلى تقديم حلول مناخية عالمية النطاق وخفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري”.
وأضافت “سنواصل الاستفادة من خبرتنا في مجال إدارة الكربون لتحقيق قيمة أكبر وتسريع قدرتنا على تحقيق أهدافنا للحياد المناخي ومساعدة الآخرين على تحقيق أهدافهم”.
وترى الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة أن تقنيات التقاط الكربون باتت ضرورية لمكافحة تغيّر المناخ. إلا أنّ النقاد يعربون عن قلقهم من استخدامها كذريعة لمواصلة انبعاثات غازات الدفيئة، بدلا من تسريع الانتقال إلى الطاقات النظيفة.
وفي بيان منفصل نُشر أيضا الثلاثاء، أعلنت أدنوك للغاز ترسية عقد بقيمة 615 مليون دولار لشركة بتروفاك الإمارات لبناء مصنع لالتقاط الكربون من المصدر، كان قد أُعلن عنه مطلع سبتمبر الماضي.
ويعد مشروع “حبشان” لالتقاط الكربون واستخدامه وتخزينه، أحد أكبر المشاريع من نوعه في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وستكون له القدرة على التقاط 1.5 مليون طن سنويا من ثاني أكسيد الكربون وتخزينها بشكل دائم في تكوينات جيولوجية عميقة، حيث تسعى أدنوك لبناء منصة فريدة تربط بين جميع مصادر الانبعاثات ومواقع احتجاز الكربون.
وقال أحمد العبري، الرئيس التنفيذي لشركة أدنوك للغاز، إن “مشاريع التقاط الكربون المتكاملة، مثل مشروع حبشان تشكل مرتكزات أساسية لجهود أدنوك للغاز لتحقيق أهدافها في مجال خفض الانبعاثات”.
وأكد أن المشروع يعكس التزام الشركة بتحقيق خفض كبير في انبعاثات غازات الدفيئة من عملياتها مع التركيز على توفير فرص تجارية جديدة وجذابة تساهم في تمكينها من تحقيق النمو المستدام ومنخفض الانبعاثات.
ومن المتوقع أن يتم تشغيل المشروع في 2026، حيث سيتم حقن ثاني أكسيد الكربون وتخزينه بشكل دائم في حقل باب أقصى الشمال، والذي يقع على بعد حوالي 180 كيلومترا جنوب غرب أبوظبي.
وبالتزامن مع ذلك كشفت شركة كربون كلين أن أدنوك تعتزم تركيب وحدة لالتقاط الكربون تبلغ طاقتها عشرة أطنان يوميا طورتها كربون كلين التي تتخذ من بريطانيا مقرا، وذلك في مصنع الأسمدة النيتروجينية المملوك بالكامل لشركة فيرتيجلوب.
ويجري بناء الوحدة المتنقلة التي تعمل بتقنية سيكلون سي.سي في الإمارات، وستستخدم في مجمع الرويس الصناعي بأبوظبي. وجرى تأسيس فيرتيجلوب، وهي شركة منتجة وموزعة للأسمدة النيتروجينية والأمونيا، كشراكة إستراتيجية بين شركة أو.سي.آي وأدنوك في سبتمبر 2019.
وفي عام 2016، افتتحت أدنوك مشروع “الريادة”، وهو أول منشأة في المنطقة لالتقاط الكربون وتخزينه وتبلغ قدرتها على احتجاز الكربون 800 ألف طن سنويا.
وفي العالم، هناك فقط 35 منشأة تجارية تستخدم تقنية التقاط الكربون وتخزينه بحسب وكالة الطاقة الدولية، التي تشير إلى أن حتى تلك التي من المقرر إنشاؤها بحلول عام 2030، لن تلتقط سوى جزء صغير من الانبعاثات.
وضمن جهودها المستمرة وطويلة الأمد لخفض الانبعاثات، تحصل الشركة، ثاني أكبر منتج للطاقة في منطقة الخليج بعد أرامكو السعودية، حاليا على 100 في المئة من احتياجات شبكتها للكهرباء من مصادر الطاقة الشمسية النظيفة والنووية التابعة لشركة مياه وكهرباء الإمارات.
وأصبحت بذلك أول شركة في قطاع الطاقة على مستوى العالم تؤمّن احتياجات عملياتها من الكهرباء الخالية من الانبعاث من خلال اتفاقية للطاقة النظيفة. وإضافة إلى ذلك، تواصل أدنوك العمل على تنفيذ صفقة تمويل مشروع بتكلفة قدرها 3.8 مليار دولار لإنشاء أول شبكة لنقل الكهرباء تحت سطح البحر.
وفي أول إفصاح من نوعه، قالت أدنوك التي تهدف إلى توسيع إنتاجها من النفط والغاز في الأعوام المقبلة، الشهر الماضي، إن “إجمالي انبعاثاتها من النطاق الأول والثاني في 2022 كان حوالي 24 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون”. ولا تغطي الأهداف انبعاثات النطاق الثالث التي تحسب الكربون الذي يأتي من العملاء الذين يستخدمون منتجات شركة النفط.
وكانت أدنوك قد أعلنت في السابق أنها تهدف إلى خفض كثافة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بواقع 25 في المئة، وكذلك تعزيز عمليات احتجاز الكربون وسعة تخزينه 500 في المئة بحلول عام 2030.
وفي حين تخطط الإمارات لرفع طاقتها الإنتاجية من النفط إلى خمسة ملايين برميل يوميا بحلول 2027، أعلنت في يوليو الماضي أنّها تعتزم خلال السنوات السبع المقبلة زيادة إنتاجها من الطاقة المتجدّدة ثلاث مرّات. ومن أجل تحقيق أهدافها الطموحة، طرحت السلطات إستراتيجية وطنية للهيدروجين وسياسة دعم للسيارات الكهربائية.