الضجة حول اللقاح الهندي تكشف عن أزمة ثقة بين الحكومة والأردنيين

تفعيل قانون الجرائم الإلكترونية في مواجهة حملات التشكيك في اللقاح.
الثلاثاء 2023/10/03
تطمينات حكومية لا تبدد الهواجس

تعكس الضجة المثارة حول استخدام لقاح هندي المنشأ في الأردن للتطعيم ضد فايروس الحصبة، أزمة ثقة بين الحكومة والأردنيين، كما أنها تكشف عن غياب رؤية استباقية للحكومة، التي سمحت لحملات التشكيك بأن تأخذ مداها قبل أن تتحرك.

عمّان - يشهد الأردن هذه الأيام جدلا واسعا حول قرار لوزارة الصحة يقضي بتعميم حملة تلقيح عن الحصبة على طلبة المدارس والحضانات ستنطلق في وقت لاحق من الشهر الجاري، في ظل رواج أنباء عن أن اللقاح الهندي المستخدم غير آمن.

ولاقت الأنباء تفاعلا كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي التي استشهد بعض روادها بتصريحات لمسؤولين ومختصين كانوا حذروا من استخدام اللقاح، ما اضطر الحكومة إلى الخروج والتلويح بتتبع مطلقي هذه “الشائعات” والمروجين لها.

وأثار الأمر مخاوف كبيرة لدى الأولياء الذين ذهب بعضهم حد القول بأنهم لن يوفدوا أبنائهم إلى المدارس لتجنب اللقاح.

ويرى متابعون أن الضجة المثارة حاليا تحمل بين طياتها دلالات خطيرة لجهة غياب الثقة بين الشارع الأردني والسلطة، حيث إن جزءا كبيرا من الأردنيين يعتقد أن الحكومة لن تتوانى عن “جعلهم كائنات تجارب” لفائدة شركات أجنبية تسعى للربح.

ويشير المتابعون إلى أن من الدلالات الأخرى هو غياب الرؤية الاستباقية للحكومة، وأن تحركاتها تبنى على ردود الفعل، لافتين إلى أنه كان من المفترض على حكومة بشر الخصاونة أن تقوم بحملة توعية حول أهمية اللقاح، لا أن تترك الأمر يبلغ هذا المدى لتتحرك في خطاب لا يخلو من وعيد وترهيب، وتلويح باستخدام قانون الجرائم الإلكترونية.

فراس القضاة: اللقاح الذي تتحدث عنه الوزارة لم تثبت مأمونيته
فراس القضاة: اللقاح الذي تتحدث عنه الوزارة لم تثبت مأمونيته

وبدأت النيابة العامة في الأردن التحقيق مع عدد من الأشخاص على خلفية اتهامات بنشر أخبار كاذبة ضد الحملة الوطنية للتطعيم.

وسجلت قضية أمام النيابة العامة متعلقة بنشر أخبار كاذبة ومعلومات تستهدف الأمن والسلم المجتمعي، حيث تلخصت وقائع الشكوى بقيام المشتكى عليه ببث تسجيل على منصات التواصل الاجتماعي وعلى بعض التطبيقات يتعلق بنشر أخبار كاذبة ضد الحملة الوطنية للتطعيم، وما زالت القضية قيد التحقيق أمام المدعي العام المختص.

وكان وزير الصحة فراس الهواري قال في مؤتمر صحفي عقد الاثنين إن الحكومة حولت جهتين إلى وحدة الجرائم الإلكترونية بسبب نشر أخبار مضللة على الحملة الوطنية للتطعيم التي أطلقتها وزارة الصحة.

وأوضح الهواري خلال مؤتمر صحفي للحديث عن الحملة الوطنية للتطعيم، أنّ الحكومة تعمل عن قرب مع النيابات العامة للمحافظة على الحقوق وملاحقة مطلقي الشائعات والأكاذيب. وأكّد أن الوزارة لن تتهاون في استخدام القانون.

وشهد الأردن في الأسابيع الأخيرة تزايدا في أعداد المصابين بالحصبة، وهو الأمر الذي دفع إلى إطلاق حملة التلقيح خشية من خروج الوضع عن السيطرة.

وقال وزير التربية والتعليم عزمي محافظة إن فايروس الحصبة فتاك وقد يؤدي إلى الموت إن لم نتصد له، مؤكدا أهمية تلقي اللقاحات الخاصة التي من شأنها الحد من انتشار الفايروس وتوفر الحماية.

وأضاف محافظة في المؤتمر الصحفي أن “ما يجري خطير جدا رغم أن الوضع ليس بهذه الخطورة”.

بعض المسؤولين ساهموا بشكل ما في حالة الإرباك الحالية، على غرار رئيس لجنة الصحة والبيئة النيابية، الذي أبدى شكوكا في نجاعة اللقاح

وأوضح أن برنامج التطعيم الوطني قضى على جميع الحالات على مدى عقود، مبينا أن من 6 إلى 10 أطفال لم يتلقوا لقاح الحصبة، وفق تقديرات منظمة الصحة العالمية.

وبحسب محافظة، فإن الاستجابة الشعبية للقاحات كانت دائما مرتفعة جدا، مشيرا إلى أن مطعوم الحصبة صُنف “مؤهلا مسبقا” وليس في “انتظار التأهيل”.

وأكد أن اللقاح آمن وتم التأكد من جميع المعايير من قبل “الصحة العالمية”، وعبر عن استيائه حيال ما يتم نشره عبر السوشيال ميديا، وأضاف “محاولات رفض اللقاح مؤسفة وما ينشر على السوشيال ميديا لا يمثل العلم والحقيقة”.

ويرى متابعون أنه رغم التطمينات الحكومية لكن ردود فعل الأردنيين تظهر حالة من الانقسام بين مؤيد للقاح الهندي ورافض له.

ويشير المتابعون إلى أن بعض المسؤولين ساهموا بشكل ما في حالة الإرباك الحالية، على غرار رئيس لجنة الصحة والبيئة النيابية الدكتور فراس القضاة، الذي أبدى شكوكا في نجاعة اللقاح.

وقال إن وزارة الصحة لا تملك إجبار الطلبة والأطفال على تلقي اللقاحات دون موافقة أولياء الأمور بموجب الفقرة “ج” من المادة 11 في قانون الطفل.

جزء كبير من الأردنيين يعتقدون أن الحكومة لن تتوانى عن “جعلهم كائنات تجارب” لفائدة شركات أجنبية تسعى للربح

وأضاف القضاة في تصريحات لوسائل إعلام محلية أن تصريحات وزير الصحة فراس الهواري بأن الوزارة لديها صلاحيات بتطعيم الطلبة دون الرجوع لذويهم تخالف القانون الذي أقرّه مجلس الأمة ونُشر في الجريدة الرسمية العام الماضي 2022.

وبيّن القضاة أن اللقاح الذي تتحدث عنه الوزارة لم تثبت مأمونيته ولم يتم فحصه ولا توجد مختبرات لفحصه ومعرفة مكوناته، لا في المؤسسة العامة للغذاء والدواء ولا في أي مؤسسة رسمية أخرى.

وقال القضاة إن لجنة الصحة اجتمعت مع أمين عام وزارة الصحة لشؤون الأوبئة الدكتور رائد الشبول ومدير إدارة الأوبئة الدكتور أيمن مقابلة لمعرفة رأي الوزارة باللقاح، وأكدا أنه سيدخل المملكة منتصف الشهر الحالي وستبدأ الحملة بعدها، متسائلا عن التناقضات في التصريحات الرسمية بهذا الخصوص.

وأشار القضاة إلى أن قانون حماية الطفل كان واضحا في المادة 11 بالفقرة “ج”، والتي تلزم وزارة الصحة باتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان تمتع الطفل بأعلى مستوى صحي والوقاية من الأمراض المعدية والخطرة والمزمنة “بموافقة والديه”.

وكان وزير الصحة صرح في وقت سابق بأن الوزارة ستقوم بتطعيم طلبة المدارس دون موافقة أولياء أمورهم، مبيّنا أن اللجنة الوطنية للأوبئة واللجنة الفنية الاستشارية الوطنية للتطعيم أوصتا بتنفيذ حملة التطعيم دون الحصول على موافقة ولي أمر الطفل.

ولفت الهواري إلى أن دوافع حملة التطعيم التي ستنفذها الوزارة للأطفال في الأردن تقوم على تعزيز مناعتهم ضد مرضي الحصبة والحصبة الألمانية، وأن اللقاح الذي ستستخدمه مصنّع في الهند وسيتم توفيره عن طريق منظمة الصحة العالمية.

2