جان بوغوصيان يرسم بلغة النار أشكال عدم الاستقرار العالمي

باليرمو - يقام معرض فردي لأعمال جان بوغوصيان الفنان الأرمني المولود بحلب في العديد من المواقع، ومنها فيلا زيتو، في باليرمو عاصمة إقليم صقلية ويتواصل حتى التاسع من أكتوبر الحالي.
يرعى الناقد الفني برونو كورا ورئيس مؤسسة "ألبيزيني كاليزيوني باري" المعرض الذي يحمل عنوان "لغة النار - الخيال الملتهب: أشكال عدم الاستقرار العالمي وإيقاعاته". وتتراوح الأعمال الفنية التي تشملها هذه المجموعة من الرسوم الزيتية على القماش إلى طيف من الأعمال المنجزة بالنار والكتب المحترقة.
ولد جان بوغوصيان في مدينة حلب التاريخية في سوريا سنة 1949 لعائلة أرمنية من الصاغة. وانتقل إلى لبنان عندما كان في الثانية عشرة من عمره واستقر في بيروت إلى أن أجبرت حرب 1975 الأهلية عائلته على الانتقال إلى بلجيكا.
وردا على سؤال عما إذا كان للحرب الأهلية في لبنان تأثير على أعماله الفنية، قال بوغوصيان إنه كان رجلا إيجابيا على الرغم من وجود بعض الأفكار السلبية في عقله الباطن. وتابع "النار بالنسبة لي هي للبناء وليس للتدمير. إن ما تراه هنا هو فن، ولا ترى حربا. ترى تمثيلا للدخان والنار ولكن في نفس الوقت هناك ألوان، ولحظات مبهجة، هناك الضوء الذي يظهر خلف الدخان". وأضاف "لن يكون هناك نور إذا لم يوجد ظلام".
لم تنبع موهبة بوغوصيان الفنية من نشأته في الشرق الأوسط، وهو يقول عن ذلك "أعتقد أنني تعلمت الفن في الغرب، لأنني كنت صغيرا جدا عندما غادرت الشرق الأوسط. لم يكن تاريخنا فنيا حقا ولم نكن نعرف ما هو الفن وكان الجميع يفكرون في البقاء على قيد الحياة خلال الحرب الأهلية في لبنان. لم أشعر بالفن المعاصر إلا بعد أن أتيت إلى أوروبا وزرت المتاحف لاكتشافه. وساعدتني دراستي في الأكاديمية الملكية للفنون الجميلة في بروكسل على فهم الفن بشكل أفضل وجعلتني مدمنا عليه".
بدأ بوغوصيان الرسم بالفرشاة وتتبع خطوات تاريخ الفن خلال دراسته الأكاديمية في بلجيكا، ولم يفكر في استخدام النار في البداية. وقال "عندما قفزت إلى التجريد، كنت أختبر أنماطا مختلفة.. وساعدني كل ذلك على التقدم في بحثي".
وأضاف "ثم قررت اختبار المشعل على الطلاء لأرى في أي وقت يتحول اللون الأصفر إلى اللون البني، وفي أي وقت يتحول اللون البني إلى اللون الأسود، وفي أي وقت يصبح الأسود ثقبا. ثم بدأت في اكتشاف ما إذا كان بإمكاني تحثيث رائعة بهذه التقنية. وطورت أعمالي الفنية بالدخان والنار على ألواحي حتى أصل إلى هذه النتائج".
واعترف بوغوصيان بأنه لم يكن يعرف في معظم الأوقات ما الذي سينتجه. وقال إن "الأمر كله يتعلق بإرادتي والحظ. تفعل النار ما تريده بالطبع ولكني أحاول ترويضها. ولكني غير قادر على فعل ما أريده بالضبط. وصلت إلى ما أريد في تسعين في المئة من الحالات، ولكن العمل الفني يُدمر بالكامل في بعض الأحيان ويجب أن أبدأ شيئا جديدا".
وتعتبر هذه المرة الأولى التي يصمم فيها بوغوصيان معرضا مخصصا لصقلية. وتعد لغته التصويرية والتشكيلية، التي تهدف إلى إنشاء أعمال باستخدام الأصباغ والأكريليك والألوان الزيتية باستخدام النار واحدة من التعبيرات الأكثر جذرية لهذه التقنية التي أطلقها أساتذة مثل ألبرتو بوري وإيف كلاين، وطورها فنانون مثل جانيس كونيليس، وبيير باولو كالزولاري والشخصيات الريادية في الستينات.
وقال "أعتقد أن ما أعرضه هنا في مجموعتي فريد من نوعه، أي أن قلة من الفنانين، بما في ذلك بوري وكلاين، قد استعملوا النار. أعتقد أن النار اختارتني لأكشف عنها لأنها تحتاج إلى شخص يستخدمها ليعرض عليك ما تراه هنا. أحاول لذلك ترويض النار بما يكفي لتتعاون معي وتمتحني في بعض الأحيان النتيجة التي أتوقعها، ولكن ليس كليا".
وتبرز الأعمال المعروضة مسار البحث والتجريب الذي يميز بوغوصيان الآن في المشهد الفني الأوروبي والعالمي، وذلك بفضل اتساق النتائج التي حققها بالنار وتنوعها. وتُكمّل القطع المقدمة في فيلا زيتو بلحظات من الإبداع الأصلي من نفس الفنان عبر مساحات مختلفة من قصر برانسيفورتي. كما تُعرض مجموعة مختارة من أعمال الفنان السوري في أرقى المجموعات الخاصة والعامة في العديد من البلدان الأوروبية والشرق أوسطية والآسيوية.
وتشهد غرف فيلا زيتو منذ عام 2001 دورات الأعمال التي تشمل الأكريليك والزيوت المجردة على القماش، وآثار الاحتراق على القماش، ومنحوتات من الخشب المحروق، والدخان والأصباغ على الأكريليك على الورق، ورسومات الدخان والحبر، والتقنيات المختلطة والنار على القماش، الأحداث، والكتب المحروقة. كما خُصصت غرفة لمقاطع الفيديو التي تصور بوغوصيان أثناء إنشاء أعماله. ويضم المعرض أكثر من مئة عمل للفنان.
ونجحت مؤسسة سيباستيانو توسا، وفقا لتعاليم عالم الآثار والباحث الإيطالي العظيم، في بعث أحد معارض بوغوصيان الأنطولوجية الأكثر شمولا، وذلك بالتعاون مع بلدية باليرمو ومؤسسة صقلية.