الرئيس المصري ممتعض من حكومته الخاملة إعلاميا

النقاش الذي دار خلال احتفالية يوم تفوق الجامعات المصرية كشف عن وجود أزمة معقدة تعاني منها بعض المؤسسات الحكومية ترتبط بالارتباك في مخاطبة الشارع.
السبت 2023/09/30
نقص المعلومات يضرب مصداقية الحكومة

القاهرة - بعد أن طُلب من وسائل الإعلام إعداد كشوف بإنجازات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لإعلانها أمام الرأي العام قبيل إعلان ترشحه في الانتخابات المقبلة، لم تجد غالبية الوسائل ملفا جاهزا وافيا لديها يمكن تقديمه، وبدت الحكومة صامتة إعلاميا وغير قادرة على توضيح الإنجازات التي تحققت للناس بصورة دقيقة.

وشهدت احتفالية يوم تفوق الجامعات المصرية التي أقيمت بمحافظة الإسماعيلية الواقعة على ممر قناة السويس، عرض وزراء التربية والتعليم، والتعليم العالي، والثقافة، والشباب والرياضة ما يوصف بـ”الإنجازات” التي تمت طوال فترة حكم السيسي خلال السنوات العشر الماضية، لكن الرئيس توقف أمام الكثير من النقاط التي تم عرضها واكتشف أنها غير معلومة للناس.

وقاطع بعض الوزراء أكثر من مرة وسأل عن قضايا بعينها، واستفسر حول ما إذا تم شرحها للمواطنين أم لا، واكتشف أن الكثير منها لم يتم مصارحة الناس به، أو لا يعرفون تفاصيله الكاملة، وقال “لأننا لا نقول كل شيء بشرح وافِِ، نتعرض أحيانا لحروب نفسية وشائعات وسموم فكرية، مع أن لدينا الرد الكافي بأننا لم نُخطئ”.

وكشف هذا النقاش الذي أذيع على الهواء مباشرة عن وجود أزمة معقدة تعاني منها بعض المؤسسات الحكومية ترتبط بالارتباك في مخاطبة الشارع وأبجدياته، فكل وزارة أو هيئة لا يعنيها المواطنون بقدر ما تهتم بالظهور المناسب أمام رئيس الدولة وأنها نفذت المطلوب منها بشكل

صفوت العالم: الكثير من المسؤولين يرفضون الظهور الإعلامي
صفوت العالم: الكثير من المسؤولين يرفضون الظهور الإعلامي

صحيح، ويشعر المواطنون أنها مرتبطة بقاموس لا تريد الخروج عنه خوفا من الوقوع في خطأ أو هفوة تعصف برئيس المصلحة.

وعلى مستوى الرأي العام، لا تعرف الغالبية شيئا عن عدد كبير من المشروعات وكيفية التنفيذ ومدى تلبيتها لتطلعات الناس، ما دفع كثيرين منهم إلى طرح أسئلة خبيثة حول الإنجازات التي تحققت والتي تروج لها الحكومة ولا يشعر بها الناس.

واستوقف السيسي وزير الرياضة أشرف صبحي وسأله عن العوائد المالية التي يتحصل عليها الأبطال الرياضيون عقب كل بطولة وعلاقتها بهروب البعض إلى خارج مصر والحصول على جنسيات دول أخرى بحثا عن تقدير أفضل، فجاء رد الوزير بأن كل بطل يحصل على مكافآت مالية ضخمة على خلاف ما يتم الترويج له في الإعلام.

وسأله عن سبب عدم الرد بالأرقام لكشف الحقائق بدلا من تلقي الانتقادات وتكريس الشائعات حول ملف مهم مثل الأبطال الرياضيين الذين يخرجون من بلدهم بلا عودة، فلم يرد الوزير أو يقدم تفسيرا مقنعا، مع أنه أفصح أمام الحضور عن نقاط لو كانت قيلت للرأي العام لما وصل الغضب من هروب الرياضيين إلى مستوى مرتفع.

وعندما تطرق وزير التعليم إلى تدريب المعلمين المقرر تعيينهم في الحكومة داخل الأكاديمية العسكرية وبدا كأن السيسي يرغب في عسكرة الجهاز الإداري للدولة، لم يعرض وجهة نظر الحكومة في خضوع المعينين الجدد لهذه الاختبارات.

وفتح السيسي هذا الملف بتأكيده “هذه ليست عسكرة، بل تدريب الموظفين على المزيد من الانضباط والولاء للمهنة لتقديم أفضل خدمة والقضاء على الترهل الإداري”.

ولم تعد المشكلة تتعلق بصمت وزير أو رئيس مؤسسة حكومية عن مخاطبة الناس إعلاميا، وباتت أقرب إلى ظاهرة رسمية جراء تباعد المسافات بين المسؤولين والشارع، وحدوث ما يشبه القطيعة بين مؤسسات الدولة ووسائل الإعلام.

مراقبون يرون أن الرئيس المصري خسر الكثير عندما تمادى في القيام بدور المتحدث الرسمي باسم الدولة والحكومة وكل هيئة كبيرة أو صغيرة ليُظهر محاسنها ويرد على استهدافها بالشائعات

وروى أحد الصحافيين المسؤولين عن ملف التعليم لـ”العرب” قصته مع الوزير المختص بطلب إجراء حوار عن الاستعدادات التي انتهت منها الحكومة لاستقبال الطلاب في العام الدراسي الجديد، لكن الطلب قوبل بالرفض، مع أن الحوار برمته سيكون إيجابيا ومرتبطا ببداية العام الدراسي، ولم يقتنع الوزير بهذه المبررات.

وقال الصحافي الذي طلب عدم كشف هويته “أعمل في مؤسسة مملوكة لجهة حكومية، أي أنها لن تنشر سلبية واحدة، ولو قالها الوزير، والمفترض أن ملف الدراسة هام وحيوي ويخدم قرابة 26 مليون طالب، أي 25 في المئة من السكان بخلاف أسر الطلاب، غير أن الوزير يعتقد أن الظرف السياسي لا يسمح بأي هفوة كلامية ولو كان الحوار يحوي إيجابيات وإنجازات حققتها وزارته”.

ويرى مراقبون أن نقص المعلومات يضرب مصداقية الحكومة بشكل عام من دون اكتراث بغضب الشارع أو امتعاض الرئيس، خلال فترة سياسية حرجة ترتبط بقرب موعد الانتخابات الرئاسية في ديسمبر المقبل، وحاجة الناس إلى معرفة الإيجابيات التي تحققت لتدفعهم إلى إعادة انتخاب السيسي لولاية ثالثة، والأغرب أن هناك خدمات طلبها الناس وتحققت على الأرض ولا يعرفون أنه تم إنجازها.

ويعتقد هؤلاء المراقبون أن الرئيس المصري خسر الكثير عندما تمادى في القيام بدور المتحدث الرسمي باسم الدولة والحكومة وكل هيئة كبيرة أو صغيرة ليُظهر محاسنها ويرد على استهدافها بالشائعات، فكل مسؤول تناسى دوره الإعلامي، وعوّل على السيسي ليرد نيابة عنه بحجة تأكيد المصداقية وتحاشي العواقب السياسية السلبية.

الكثير من وزراء الحكومة يفتقدون الحنكة والحكمة والرشادة السياسية التي تجعلهم يتحدثون إلى وسائل الإعلام بلا سقطات أو هفوات تجعلهم مثار سخرية

وأكد صفوت العالم أستاذ الإعلام السياسي بجامعة القاهرة أن ما يشكو منه الرئيس السيسي على مستوى الشائعات وإقناع الشارع بالإيجابيات يسهل دحضه إذا اقتنع المسؤولون بالتفاعل السريع والمستمر مع الإعلام، لكن أغلب رجال الحكومة يرتاحون لشكل التقاعس الحالي، والذي يبعدهم عن دائرة الضوء وضجيجها السياسي، بذريعة إعفائهم من تحمل عواقب السقطات الكلامية.

وأضاف في تصريحات لـ”العرب” أن الكثير من المسؤولين يرفضون الظهور في وسائل الإعلام للإجابة عن الأسئلة التي تشغل بال الناس، ما تسبب في تكريس صورة مهتزة عنهم وعن الإعلام في الشارع وتراجع تأثيره، مع أن أي مسؤول يبتعد عن الإعلام يخسر الوسيط الذي ينقل رسائله للرأي العام، ولو كان يريد الترويج لإجراءات إيجابية.

ولفت إلى أن الصمت الحكومي والقطيعة مع الإعلام قادا إلى مشاكل يصعب حلها بسهولة، على مستوى تكريس الشائعات وغياب الشفافية وإظهار بعض المؤسسات بشكل سلبي وكأنها عاجزة عن الرد والإجابة المقنعة، ما يثير احتقان الرأي العام، ويعمق تغييب الوعي ويجعل الحكومة طوال الوقت متهمة وفي موقع الدفاع عن النفس أمام منابر إعلامية معادية أو تمارس الابتزاز السياسي.

ويفتقد الكثير من وزراء الحكومة الحنكة والحكمة والرشادة السياسية التي تجعلهم يتحدثون إلى وسائل الإعلام بلا سقطات أو هفوات تجعلهم مثار سخرية، وبعضهم كان يدلي بتصريحات مريبة، ويعلق بطريقة عشوائية على قضايا وملفات حيوية حتى التزم كل منهم الصمت وقطع علاقته بالإعلام، وعدم التحدث سلبا أو إيجابا.

وتؤكد شواهد عديدة تطرق إليها السيسي، وقد تثار من حين إلى آخر على الفضاء العام مع كل أزمة، أن تقاعس المسؤولين عن المكاشفة الإعلامية في القضايا التي تشغل بال الرأي العام، على الرغم من امتلاكهم أدوات كسب المعركة، يكبد الحكومة خسائر سياسية، ويضر بمؤسسات الدولة، وصورة الرئيس شخصيا ما يقدم لخصومه هدايا يصعب الحصول عليها سوى من خلال حكومته الخاملة إعلاميا.

5