جل التونسيات يجهلنه: قانون منذ 50 سنة يضمن حق الإجهاض للمتزوجات والعازبات

رغم مضي خمسة عقود على إقرار الحق في الإجهاض إلا أن أغلب التونسيات يجهلن أنه بإمكانهن التمتع بهذا الحق سواء كن متزوجات أو عازبات. ولا يجب، وفق القانون، الاستظهار بترخيص إلا على الفتيات القاصرات، كما من حق النساء أن يتمتعن بهذه الخدمة في المصحات العمومية إلا أن صعوبة النفاذ إليها تدفعهن، وخصوصا العازبات منهن، إلى الالتجاء إلى العيادات الخاصة.
تونس - أجازت تونس الحق في الإجهاض منذ خمسة عقود ليصبح بإمكان المرأة المتزوجة أو العزباء أو القاصر النفاذ إلى هذا الحق دون صعوبات أو تضييقات. ورغم هذا الاستباق التشريعي إلا أن هناك جهلا بالقانون في صفوف النساء والرجال والشباب على حد السواء، كما هناك صعوبة في النفاذ إلى الحق في الإجهاض في المؤسسات الصحية العمومية، ما يجعل العازبات بصفة خاصة يلتجئن إلى العيادات الخاصة.
وقالت رئيسة “مجموعة توحيدة بالشيخ” هادية بالحاج إن قرار الإجهاض يتحول إلى عملية شاقة صحيا ونفسيا بسبب التضييق على النفاذ إلى هذا الحق.
وأقرت بالحاج خلال ندوة صحفية نظمت بمناسبة مرور 50 سنة على إقرار قانون الحق في الإجهاض في تونس، بوجود تضييقات حقيقية على المكتسبات التي جاء بها القانون، ما يؤدي إلى عرقلة تطبيقه وعدم تقبله لاسيما في الأوساط الشعبية حيث تصل نسبة معارضة خدمة إجهاض حمل العازبات إلى 40 في المئة.
وأضافت أن “النساء اللاتي يرغبن في الإجهاض يواجهن صعوبات صحية وأخرى اجتماعية نتيجة وجود مماطلة وعدم التطبيق السلس للقانون داخل هياكل الصحة العامة المكلفة بالصحة الإنجابية”.
قرار الإجهاض يتحول إلى عملية شاقة صحيا ونفسيا بالنسبة إلى العديد من النساء بسبب التضييق على النفاذ إلى هذا الحق
كما أشارت بالحاج إلى غياب الوعي في صفوف المراهقين والشباب بحقوقهم في مجال الصحة الجنسية والإنجابية والخدمات الصحية التي توفرها الدولة، حيث كشف استبيان أجرته “مجموعة توحيدة بالشيخ” بين سنتي 2022 و2023 وشمل 5837 شابا وشابة من غير المتزوجين في 8 محافظات موزعة على 4 جهات من البلاد، أن 26.6 في المئة فقط من الرجال و45 في المئة من النساء يعلمون بوجود القانون التونسي المتعلق بالحق في الإجهاض.
وكشف الاستبيان جهلا بالقانون تصل نسبته إلى 43 في المئة في صفوف النساء، كما لا تتعدى نسبة اللاتي يفكرن في إجهاض الحمل غير المرغوب فيه 35 في المئة، فيما ترفض 11 في المئة منهن هذا الإجراء.
وبحسب الاستبيان، فإن 45.8 في المئة من الشباب لا يعرفون الواقي الذكري و54.2 في المئة منهم يجهلون حبوب منع الحمل.
وأوضحت بالحاج أن نتائج هذه الاستبيان الذي ارتكز على مسح ميداني شمل شبابا وفتيات من محافظات أريانة وتونس وبن عروس والكاف ومنوبة ومدنين وصفاقس وتطاوين، تعكس النقص الفادح والصادم في معرفة وإلمام الشباب بمواضيع حيوية في الحياة تخص الجنسانية والصحة الجنسية والإنجابية.
ولفتت إلى أن 20.8 في المئة فقط من الشباب المستجوبين يعرفون “حبة اليوم التالي” لمنع الحمل وذلك على الرغم من ممارسة الذكور منهم للجنس في سن مبكرة ودون حماية وفق تأكيدهم، فيما يجهل أغلبهم سواء كانوا ذكورا أو إناثا أن الإجهاض لغاية 3 أشهر من الحمل أمر قانوني في تونس.
المرأة تتعرض إلى مساءلات غير قانونية تتمثل في مطالبتها بتقديم تصريح أو إذن من زوجها أو الأب "الوصي عليها" إذا لم تكن متزوجة من أجل إجراء عملية الإجهاض
وبين الاستبيان أن 38 في المئة من الرجال و31 في المئة من النساء لا يعلمون أن كل امرأة غير متزوجة لها الحق في التمتع بخدمات الإجهاض وقتما تشاء. وأشارت إلى أن نتائج الدراسة كشفت أن المعرفة بالقانون المطبق في ما يخص الإجهاض لدى فئة الشباب محدود جدا، إضافة إلى وجود محظورات متعلقة بجنسانية المرأة والتنوع في التوجه الجنسي وسيطرة التوجهات التقليدية والأفكار النمطية في ما يخص هذا الموضوع حتى في صفوف الشباب الذين يتمتعون بمستوى اجتماعي واقتصادي وتعليمي عال.
ويشار إلى أن الحق في الإجهاض مخول لجميع النساء منذ سنة 1973 في تونس وذلك دون اعتبار للحالة الزوجية ولعدد الأطفال، وهو حق يشمل النساء المتزوجات والعازبات دون ترخيص والفتيات القاصرات بترخيص من الولي الشرعي وذلك بمقتضى القانون عدد 53 لسنة 1973 المؤرخ في 19 نوفمبر 1973 المنقح للفصل 214 من المجلة الجزائية.
من جهة أخرى أكدت بالحاج أن خمسة عقود من الزمن لم تكن كافية للتطبيق الجيد لقانون الإجهاض، حيث لا تزال العديد من العقبات تلقي بظلالها على أوضاع النساء، من أبرزها العراقيل التي يضعها الكادر الطبي وشبه الطبي أمامهن لثنيهن عن اتخاذ هذا القرار، إلى جانب نقص الأدوية والإحاطة النفسية التي يفترض أن تتوفر للراغبات في الإجهاض.
وشددت المتحدثة على ضمان حصول كل امرأة ترغب في الإجهاض على خدمات عالية الجودة وأن تعامل بكرامة واحترام وأن تحتفظ بسرية معلوماتها.
وقدمت “مجموعة توحيدة بالشيخ” جملة من الشهادات لفتيات ونساء لم يتمكن من الإجهاض بسبب تضييقات عديدة منها عملية الوصم التي تسلط عليهن من قبل الكادر الطبي وشبه الطبي بالإضافة إلى جهل البعض منهن بوجود القانون التونسي الذي يخول لهن هذا الحق بصفة مجانية في كافة المؤسسات الاستشفائية العمومية في مختلف محافظات الجمهورية.
وأشارت منسقة “مجموعة توحيد بالشيخ” والطبيبة سلمى الحجري إلى أن القابلات غالبا ما يمثلن أيضا حاجزا بالنسبة إلى النساء الراغبات في الإجهاض، إذ يقمن بالتدخل في اختيارهن الشخصي وثنيهن عن إجراء عملية الإجهاض.

كما تتعرض المرأة إلى مضايقات ومساءلات غير قانونية تتمثل في مطالبتها بتقديم تصريح أو إذن من زوجها أو الأب “الوصي عليها” إذا لم تكن متزوجة من أجل إجراء عملية الإجهاض، في حين أن القانون لا ينص على ذلك وتتمتع كل النساء بهذا الحق مهما كانت حالتهن المدنية، حسب المتحدثة.
وأكدت الحجري على محدودية وسائل منع الحمل في المراكز والمستشفيات العمومية واقتصارها في بعض الأحيان على نوع واحد، ما يجعل إمكانية الاختيار غير ممكنة.
واعتبرت أنه لا توجد خطة واضحة ورغبة من الدولة في تطوير سياسة التنظيم العائلي والإطار التشريعي للحق في الإجهاض الذي لم يعرف أي تنقيح منذ إقراره سنة 1973 (الفصل 214 من المجلة الجزائية) رغم التغييرات الاجتماعية التي عرفتها تونس.
وأشارت الحجري إلى عدم وجود إحصائيات رسمية عن خدمات الإجهاض وضبابيتها، داعية الدولة إلى العمل على جمع البيانات المحيّنة المتعلقة بخدمات الإجهاض ومشاركتها مع المجتمع المدني.
كما نبهت رئيسة “مجموعة توحيدة بالشيخ” من نفاد المخزون المتكرر لوسائل منع الحمل الآمنة والفعالة على غرار حبوب اليوم التالي ومنتجات الإجهاض الطبي، ما يؤدي إلى تدهور جودة خدمات الصحة الجنسية والإنجابية في تونس.
وأوصت المجموعة بأهمية سحب الفصل 214 حول الإجهاض من المجلة الجزائية ودمجه في مجلة الصحة، داعية إلى تضافر الجهود من أجل التوعية والتحسيس بهذا الحق لدى المواطنين والطاقم الطبي وإطلاق حملات مناصرة من أجل تنفيذ القانون وضمان نفاذ النساء إلى خدمات ذات جودة دون تمييز.