صراع شرس على الوظائف الإدارية والحكومية في الكويت

المحاكم الإدارية استقبلت نحو ألف قضيّة يتظلم أصحابها من التعيينات ويؤكدون غياب معيار الكفاءة وعدم اتباع القواعد والإجراءات القانونية في عملية التعيين.
الجمعة 2023/09/29
الوظائف الحكومية أكثر جاذبية

الكويت- يدور في الكويت تنافس شرس على الفوز بالوظائف الإدارية والحكومية التي تضمن لمن يشغلها وضعا مريحا وقدرا من النفوذ، بالإضافة إلى ما تدرّه من دخل مادي محترم في ظل سخاء الدولة الكويتية في ما تقدمه من امتيازات مادية لموظفيها، كل على قدر درجته الوظيفية وأهمية منصبه.

وعكس هذا التنافس الكم الهائل من القضايا المثارة أمام المحاكم للفوز بتلك المناصب بحسب ما كشفت عنه تقارير إعلامية كويتية.

لكنّ إثارة تلك القضايا تحيل على ظاهرة أخرى تشوب عملية إسناد الوظائف والمناصب واختيار من يشغلونها، وتتمثّل في المحسوبية والمكافأة وتبادل الخدمات بين شخصيات نافذة، وذلك على أساس المعرفة والقرابة وحتى الانتماء الحزبي بعيدا عن معايير الكفاءة والمهنية، الأمر الذي كثيرا ما يعطي مشروعية للتظلّم أمام القضاء بالاستناد إلى وثائق رسمية تثبت المستوى التعليمي والخبرة والاختصاص.

◙ اعتماد المحسوبية والترضيات في إسناد الوظائف بدلا من الكفاءة والخبرة يزيد من تأجيج الصراع على المناصب

وأوضح جرد لتلك القضايا المرفوعة من قبل أشخاص يطالبون بتعيينهم في بعض المناصب على أساس أنّهم أحق بها ممن يشغلونها فعلا، أنّ رفع الدعاوى يتمّ بمعدل ثماني قضايا في كل يوم عمل.

وتتّبع الكويت نموذج دولة الرعاية الذي يتميّز بـ”سخائه” الشديد في تقديماته المالية للمواطنين وضمان الخدمات المجانية لهم. وينعكس ذلك على ارتفاع رواتب القطاع العام وما يحصل عليه الموظفون من مكافآت وهبات وقروض ميسرة.

ورغم ما تمر به الكويت من صعوبات مالية من حين إلى آخر إلاّ أن المساس بالامتيازات المالية، بما في ذلك رواتب الموظّفين، ظلّ من المحرّمات التي لا يمكن الاقتراب منها بفعل السلطات التي يمتلكها مجلس الأمّة (البرلمان) ونوابه الذين كثيرا ما يجدون في موضوع الرواتب وما شابهها أسهل طريقة لاستمالة الناخبين والحصول على أصواتهم.

ونقلت صحيفة “القبس” المحلّية عن مصدر وصفته بالمطلع قوله إن المحاكم الإدارية استقبلت في النصف الأول من العام الحالي نحو ألف قضيّة يتظلم أصحابها من التعيينات ويؤكدون غياب معيار الكفاءة وعدم اتباع القواعد والإجراءات القانونية في عملية التعيين بالمناصب والوظائف.

وأشار المصدر إلى أن نحو تسعين في المئة من هذه الدعاوى تصنّف ضمن المناصب الإشرافية من رئيس قسم إلى مدير إدارة، أما الدعاوى التي تطالب بإلغاء المناصب القيادية بدرجة وكيل وزارة وما شابه، فهناك نحو عشرين  دعوى قضائية تنظرها المحاكم.

وبحسب المصدر ذاته فإن هناك قضايا مرت على المحاكم كشفت عن تلاعب صارخ وعدم مشروعية في التعيينات، وكسر لقانون الخدمة المدنية، نتيجة إخلال جهات إدارية بمبدأ تكافؤ الفرص، بما يكشف عن أوجه التمييز المنهي عنه دستوريا بنص قطعي ويؤكد عدم التمييز بين المواطنين.

◙ فايز الجمهور تقدم إلى الحكومة بأسئلة برلمانية حول ما إذا تم تعيين بعض الأشخاص في الوظائف القيادية بالجهات الحكومية والوزارات دون مراعاة ضوابط وشروط التعيين
فايز الجمهور تقدم إلى الحكومة بأسئلة برلمانية حول ما إذا تم تعيين بعض الأشخاص في الوظائف القيادية بالجهات الحكومية والوزارات دون مراعاة ضوابط وشروط التعيين

وأكّد المصدر أن حيثيات الأحكام القضائية الصادرة في مثل هذه القضايا غالبا ما تشدّد على وجوب التزام القانون في التعيينات.

وأورد المصدر نموذجا عن القضايا الخاصة بالتعيينات والتي فصل فيها القضاء بأحكام نهائية ثبت من خلالها حصول تعيينات بالترضيات والواسطة، ومن بينها حكم لمحكمة التمييز أبطل تعيين خمسمئة وخمسين خبيرا محاسبيا وهندسيا في إدارة الخبراء بوزارة العدل.

وقال المصدر إن حيثيات المحاكم كشفت كذلك عن استبعاد خريجي جامعة الكويت من المتفوقين الأوائل وتعيين آخرين مكانهم، بحجة أن المتفوقين لم يجتازوا اختبار المقابلات وبالتالي قبول الأدنى منهم درجات.

وكثيرا ما تشكّل المحاباة والمحسوبية في التعيين بالوظائف الحكومية، وخصوصا القيادية منها، أرضية لتجاذبات حادّة بين الحكومة والبرلمان الكويتيين.

وفي وقت سابق تقدّم النائب فايز الجمهور إلى الحكومة بأسئلة برلمانية حول ما إذا تم تعيين بعض الأشخاص “في الوظائف القيادية بالجهات الحكومية والوزارات دون مراعاة ضوابط وشروط التعيين وكم عدد القياديين الذين تم تعيينهم دون مراعاة شرط التخصص ودون اجتياز الاختبار. وكم عدد القياديين المعينين من خارج الجهات للعمل داخل جهات أخرى غير جهات عملهم. وكم عدد القياديين المعينين الذين لم يسبق لهم العمل في أي جهة حكومية”.

ويقول النائب مهلل المضف بشأن الظاهرة إن “غياب العدالة والتعدي على حقوق الكفاءات يدلان على استمرار نهج الفساد، وظلم الكفاءات الوطنية وأصحاب الخبرات”، مؤكّدا أن “الكفاءات الكويتية تشعر بالإحباط، بسبب تهميش المتميزين وإقصاء المجتهدين، وعلى النقيض من ذلك يتم تعيين الأدنى في الكفاءة والتخصصات والشهادات الدراسية”.

3