صورية مولوجي في مشهد ثقافي جزائري غاضب وصامت

تنفرد الأكاديمية صورية مولوجي، وزيرة الثقافة والفنون الجزائرية، بكونها أقلّ وزراء هذا القطاع عرضة للنقد والسخط والتذمر من طرف الفاعلين في المشهد الثقافي الجزائري، وهو الذي مازال برأينا عليلا ومعطوبا، ولم يقف بعد على رجليه رغم الإمكانيات الضخمة التي يحوزها.
ربما يعود السبب في عدم تعرض الوزيرة لنقد لاذع إلى قناعة راسخة لديها منذ توليها الوزارة بعدم المساس بمخلفات الذين سبقوها، وهو ما قام به أسلافها، فما إن تقلدوا المنصب حتى بدأوا النبش في الملفات القديمة للذين سبقوهم، كما فعلت نادية شرابي وقد جرّها الفعل إلى أروقة المحاكم، أو تعطيل أخرى مثلما قامت به مليكة بن دودة. وهذا تقليد راسخ ليس في هذه الوزارة فقط، بل أضحى تقليدا متبعا في وزارات أخرى وهيئات رسمية وإدارات ومديريات، وهو برأينا مضيعة للكثير من الوقت والجهد والمال، وقد انعكس سلبا على الأداء والفاعلية والتطور.
الوزير وفريقها
الواقع الثقافي الجزائري فيه الكثير من النجاحات والخسارات وفرص ضائعة في مهب الريح، منسجم مع الوضع العام
اتسم سلوك صورية مولوجي بالهدوء والتريث، والنظر بتؤدة إلى ما حولها حتى تستوعب أو تحيط أو تستكشف أو حتى تقيم. لم تغير كثيرا الوجوه من حولها ما عدا إثنين أو ثلاثة دخلوا في محيطها. ما هو معروف إلى حد الآن من الوافدين صحافي سابق وشاعر مقرب من دوائر صنّاع النشر الخواص، ولا تستبعد المعلومات أن يكونوا وراء وضعه هناك وقد ناب عن الوزيرة في العديد من المناسبات وهو يرتدي “بيري” وهذا في البروتكول شيء معيب في ذلك المقام، وقد تنبه فيما بعد إلى الأمر.
احتفظت الوزيرة بمسؤولين اثنين من عهدة الوزيرة السابقة، أحدهما مكلف بالسينما، وهو أيضا قريب من بعض محتكري المشهد السينمائي، والآخر هلامي لا تُعرف له مهمة محددة، وقد فشل في المحافظة على وتيرة صدور مجلة الوزارة التي أثارت الصخب عندما صدرت في عهد الوزيرة بن دودة ولاحقه الفشل عندما تولى إحدى المديريات لافتقاره إلى رؤية ناجعة ومفيدة.
وفي الفريق أيضا إطار وفنان صعد بشكل صاروخي في سلم القرب منها، ويقال إنها استقدمت البعض الآخر من المركز الوطني للبحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية حيث كانت مسؤولة سابقة هناك، وآخرون وجوه قديمة متمرسة في دواليب الوزارة، عملوا جنبًا إلى جنب مع وزراء القطاع السابقين، هؤلاء الظاهرون على العموم يشكلون اليوم فسيفساءها وفريق دفاعها وهجومها.
لم تظهر إلى حد الآن بعد ملامح واضحة مما قامت به الوزيرة وفريقها، والذي يمكّننا من القول إنها أحدثت فرقا باهرا في التعاطي مع مشهد ثقافي صعب ومثقل، يسبح في خضمه إرث متشعب بمنجزات كانت قائمة وأخرى معطلة وثالثة تبنى بكسل وبطء قاتل، وهي منجزات أرضت البعض ولم ترض آخرين.
وفي المشهد ثمة الكثير من النجاحات والخسارات وفرص ضائعة في مهب الريح، وهو مشهد منسجم مع الوضع العام الذي وجدت الجزائر نفسها فيه بعد ما أفرزته الأحداث التي أعقبت الحراك الذي أطاح بمنظومة حكم واسعة تظللت فيه -أي الجزائر-، إن بما هو نافع مثمر أو بجفاف مجدب.
منجزات منسية
تقييم منجزات هذه المنظومة لم يخضع بعد إلى تمحيص دقيق وموضوعي، ولا يمكن أن ننساق وراء من يجزمون بأنه لم يكن جيدا وحسن الوجه كما يروجون له، ويعمدون إلى تغطيته بالنسيان والمحو كي لا يُذكر ما تمّ فعله أو القيام به.
فكيف كان حال الثقافة في عهود الوزراء السابقين الذين صارعوا الوقت لرفع منسوب التفاؤل ومعنويات المشهد الثقافي ومن ورائه قومه وبشره وناسه؟ هل كان اجتهادهم في ذلك مرتبطا بموقعهم ووزنهم أمام صنّاع القرار؟ هل توافقت فلسفتهم ورؤيتهم وساعدتهم في تطوير المشهد والارتقاء به؟ وهل كانت بيديهم الورقة البيضاء السحرية التي تعطى حسب نظر أصحاب القرار ليفعلوا ما يريدون، أم كانوا فقط أداة لتنفيذ ما يأتمرون به؟
بالرغم من صعوبة الجواب الذي يمكن أن يأخذنا إلى متاهات لن نخرج منها، ولن يتم منحنا الغفران عندما نعطي رأينا فيها بكل صراحة وثقة ودون خلفيات قد تغلف بالنميمة والتشويه، ويوضع في أذن الوزيرة الحالية كما كان يفعل أحد مستشاريها الآن مع وزيرة سابقة، فإن هذا لا يمنعنا من أن نملك الشجاعة والحرية، ونمتلكهما حقا، للوقوف على أكثر من سنتين حيث تواجدت الوزيرة الأكاديمية صورية مولوجي على “عرش القصر”.
فماذا فعلت الوزيرة الحالية إلى حد الآن حتى أمكن لها أن تبقى سليمة معافاة بيضاء بلا لطخات، وكأنها محصنة من الضربات والهزات الارتدادية للغاضبين دوما من ملل ونحل المثقفين والكتاب والفنانين وجمهرات الميادين الأخرى، من حروبهم وشكاويهم التي لا تنتهي إطلاقا ولن تنتهي على كل حال.
بالرغم من وجود ما هو ظاهر ومحتفى به ومزدهر كأنشطة وفعاليات هنا وهناك، وضبط إيقاع القوانين والتشريعات والمراسيم التي من المفترض أن تساعد في خلق مناخ صحي للوضع الثقافي والفني، وتنويهات بحركية تبدو مهمة وناجعة، تترامى في المواقع والقنوات والجرائد والصحف وحتى في الصفحات الرئيسية للوزارة، تؤطرها خلايا وجيش مجتهد من العاملين في كل المؤسسات التابعة للقطاع وموالين، فإن تأثير هذا الزخم يتراوح بين التذبذب والنقص والتعثر.
يمكن أن نقول إن هناك ركودا مخفيا بإحكام عن أعين الوزيرة، وعدم ارتياح جلي في حديث الكثيرين عن الأوضاع العامة في السينما والمسرح وصناعة الكتاب وفي الشأن الحياتي للفنان وفي غيرها من المواضيع، بل تتم مكيجة المشهد وكبح السخط حتى لا يطل برأسه ويشوش على اطمئنان الوزيرة.
نحن إزاء تقليد بات يسير عليه المسيطرون على الشأن العام في الجزائر، وهو ليس مخصوصا فقط بقطاع الثقافة، وإنما هو متناثر في مجالات ومواقع وأمكنة أخرى، حيث الرفض وعدم قبول المختلف، ونبذ وتجاهل كل من يحيد عن خط الاستواء كما هو مرسوم مند فترة بيد السلطة، وأي خروج عن الظل فهو ضال يجب إما غمه أو كمه أو إسقاطه من القائمة والتلفون مثل ما يفعله محيط الوزيرة عندما يتعلق الأمر ببعض الفعاليات أو التظاهرات المهمة، خاصة تلك التي تطير خارج البلاد، والغرض أن يأكل النسيان ويبتلع كل ذي همة مختلفة أو صوت لامع.
في ظني أن هناك ما لا يصل إلى مسامع الوزيرة، كحجم الإقصاءات المشينة بحق نخب وإبعادها عن مجال الرؤية والبصر، وتقديم وجوه كثر اللغط حولها، تجتمع فيها صفات كثيرة خاصة الانتهازية، كما هو حاصل مع أحد الأسماء الذي لا يترك شاردة أو واردة إلا والتقطها وتواجد فيها حتى ولو كان ذلك في أبسط لجنة أو ملتقى وكأن لا أحد غيره.
ونلاحظ أيضا تدوير ورسكلة صنف من المثقفين المفرغين من الخيال والإبداع والتميز همهم الوحيد البحث عن الدعم والمال كما هو عند بعض السينمائيين، أو إسناد بعض التظاهرات والمهرجانات إلى فئات “بريستيج” تروّج لنفسها على أنها صاحبة إمكانيات وعلاقات واسعة وهي في الأصل مجرد فقاعات ملونة أو مصبوغة الشعر.
إضافة إلى ذلك هناك مركزة الأنشطة والمقدرات في مناطق بعينها، وتجاهل أخرى كما هو حاصل في بعض مناطق الظل والجنوب خاصة، حيث تتعالى الأصوات المبحوحة من هناك شاكية من الظلم والإجحاف الذي تتعرض له بسبب قهر الجغرافيا وخفوت ضوء الحضور وانحياز الإعلام، مع أن ما يعتمل في لجج هاتيك المناطق منفجر وهائل بالقدرات سواء أكانت بشرية أم مادية.
مشهد يعج بالقلق
هل يعرف محيط وزيرة الثقافة والفنون أو هي نفسها مثقفي عين صالح أو تقرت؟ هل تعرف الشاعر ميلود خيزار أو الروائية شهرزاد زاغز والقاص سعيد سلوم وغيرهم من الذين يتعذبون من التهميش والإقصاء واللامبالاة وشبح الاحتقار المقيت؟
هؤلاء سيدتي الوزيرة هم من يلتهبون حقا وبصدق في أتون المعرفة والثقافة والفن. ونسأل هل أن هؤلاء محكوم عليهم بأن يظلوا مطمورين في الهوامش الصموتة ووجب أن يبقوا هكذا مبتعدين عن الصخب والضوء حتى ولو كانت معانيهم مفعمة بالخلق والإبداع والابتكار؟
هؤلاء غاضبون حقا، فهم لا يريدون أن تبقى الوزيرة معلقة في أفق الاستكانة والاكتفاء بما تمّ، بل وجب أن تتحرر من قبضة “حراس المعبد”، وتفتح لعبة الثقافة التي يريد فريقها المتحكم في دهاليزها أن تبقى رقعة منغلقة، لتدار في ميدان واحد دون تركها تتوسع إلى فضاءات أخرى وهوامش قد تفيدها في جعل بصمتها أكثر لمعانا، ويريد لها أعضاء هذا الفريق أن تطمئن بأن الوصول إلى بر الأمان كما يزينونه لها منذ أن نصبت وزيرة على الثقافة قد انتهى على خير وسلام، فمشهد الثقافة والفنون كما هو معروف يعج بالقلق وهذا طبعه ومتحرك ومخضوض ويجب أن يظل كذلك، وإلا فإن الطاولة قد تنقلب بما فيها آجلا أم عاجلا.