انسحاب فرنسا من النيجر يعزز حظوظ المبادرة الجزائرية

الغموض لا يزال يحف المبادرة قياسا بالتفاعل الفاتر الذي لقيته إلا أن دعم الغرب يرشحها للتفعيل من جديد.
الأربعاء 2023/09/27
رهان جزائري على دعم أميركي لإنجاح المبادرة

الجزائر - شكل إعلان الإليزيه سحب سفيره من نيامي وفسخ التعاقدات العسكرية مع النيجر منعطفا حاسما في الأزمة، بالنظر إلى تراجع خيار التدخل العسكري الذي كانت تدعمه فرنسا، الأمر الذي سيعزز حظوظ مبادرة الجزائر القائمة على بلورة حل سياسي يعيد الشرعية الدستورية إلى البلاد ويرفض التدخل العسكري.

وحقق أنصار الحل السياسي لأزمة النيجر، وعلى رأسهم الجزائر، مكسبا كبيرا، بعد إعلان فرنسا سحب سفيرها ووحداتها العسكرية العاملة في النيجر، الأمر الذي يزيد من فاعلية المقاربة السلمية التي مهدت لها الجزائر بمبادرة من ستة محاور تبدأ بمرحلة انتقالية قصيرة وحوار سياسي شامل، وتنتهي بمؤتمر دولي لتنمية دول الساحل.

ورغم أن الغموض ما زال يحف المبادرة قياسا بالتفاعل الفاتر الذي لقيته من طرف الرئيس المعزول محمد بازوم، وحتى المجلس العسكري الحاكم الذي قرر أخذ الوقت الكافي للرد عليها، وعدم تحمس أعضاء مجموعة إيكواس، إلا أن وقوف الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبية كألمانيا وإيطاليا إلى جانب الحل السلمي يرشحها للتفعيل من جديد، خاصة بعد انسحاب العراب الأول للتدخل العسكري.

وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن قرار سحب السفير الفرنسي وفسخ الاتفاقيات العسكرية المبرمة مع النيجر، بعد شهرين من الاستماتة في وجه ضغوط المجلس العسكري والشارع النيجيري المطالب برحيل فرنسا عن البلاد، في إطار موجة مناهضة للنفوذ التاريخي الفرنسي داخل القارة الأفريقية.

إيفان غيشاوا: الانسحاب من هذا البلد يكرس الفشل الذريع لسياسة فرنسا في منطقة الساحل
إيفان غيشاوا: الانسحاب من هذا البلد يكرس الفشل الذريع لسياسة فرنسا في منطقة الساحل

ووصفت تقارير فرنسية قرار الإليزيه بـ"الانتكاسة" التي لحقت الهيبة الفرنسية في القارة السمراء؛ فبعد الخروج من مالي وبوركينا فاسو، وقبلهما أفريقيا الوسطى، جاء الدور على النيجر التي تربطها بفرنسا علاقات تاريخية تعود إلى ستينات القرن الماضي.

وذكرت وكالة الأنباء الفرنسية أنه "في نهاية مواجهة تتعذر مواصلتها مع النظام العسكري على مدى شهرين، رضخ الرئيس إيمانويل ماكرون أخيرا بإعلانه الأحد عودة السفير إلى باريس وسحب 1500 جندي بحلول نهاية العام الجاري".

وبهذا القرار يكون خيار التدخل العسكري في النيجر، من أجل استرجاع الشرعية الدستورية وعودة الرئيس المنتخب إلى ممارسة مهامه الانتخابية، قد مني بفشل لافت؛ لكون فرنسا كانت هي المحرك الأساسي له، مما يمثل انتكاسة للنفوذ الفرنسي في القارة الأفريقية، لاسيما في ظل تمدد قوى منافسة داخل القارة، على غرار الصين وروسيا والولايات المتحدة وتركيا، وغيرها.

وكانت الجزائر قد قررت حظر الطيران العسكري الفرنسي في مجالها الجوي، الأمر الذي اعتبر حاجزا كبيرا يعرقل أي عملية عسكرية فرنسية في النيجر، باعتبار أن الأجواء الجزائرية رواق مناسب للطيران الفرنسي، وغلقه سيصعّب العمليات العسكرية الفرنسية من ناحية الوقت والكلفة المالية.

وباستثناء الحقبة الزمنية التي سمح فيها النظام السياسي الجزائري لسلاح الطيران الفرنسي بعبور الأجواء مرورا إلى مالي عام 2012، بدعوى محاربة المجموعات الإرهابية التي أسقطت الحكم السياسي في باماكو، ظلت الجزائر تتحفظ على استعمال أجوائها في عمليات مماثلة.

وجاءت الأزمة الدبلوماسية القائمة بين البلدين وتباين مقاربتيهما لحل أزمة النيجر ليضعا أولى العراقيل في وجه تحرك الطيران العسكري الفرنسي، ويجهضا نسبيا الخيار العسكري، لاسيما وأن ارتباكا ظهر في مواقف الحكومات المنضوية تحت لواء إيكواس بشأن المقاربة العسكرية.

وإلى غاية الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس محمد بازوم في الـ26 من يوليو الماضي، ظلت النيجر تمثل واحدة من آخر حلفاء باريس في منطقة الساحل، وركيزة لقواتها المنتشرة بهدف محاربة المجموعات الإرهابية الناشطة في المنطقة.

◙ الجزائر تتعامل بحذر شديد مع الأوضاع المتحركة في حدودها الجنوبية قياسا بما تمثله من تحد أمني كبير لها وعبء ثقيل على مؤسساتها العسكرية والأمنية

وأثار القرار جدلا واسعا داخل النخب السياسية والإعلامية الفرنسية، ولا يستبعد أن يلقي بظلاله على الشأن السياسي الداخلي، وإمكانية حدوث انتخاب عقابي ضد حزب ماكرون، والارتماء في أحضان تيارات أخرى أكثر دفاعا عن المصالح الفرنسية الخارجية. واعتبر الباحث إيفان غيشاوا، المتخصص في شؤون منطقة الساحل، في تدوينة له على منصة إكس أن "الانسحاب من هذا البلد يكرس الفشل الذريع لسياسة فرنسا في منطقة الساحل".

وقال الباحث في معهد الدراسات الأمنية والمتخصص في شؤون الساحل فهيرامان رودريغ كوني إن “فرنسا لم تعرف كيف تنسحب في الوقت المناسب وأرادت الاستمرار في لعب دور القائد في سياق تشهد فيه البيئة الاجتماعية تغيرا كبيرا”.

بينما علق دبلوماسي فرنسي قائلا “إن ما حدث في مالي امتد ببطء، كنا نعلم أننا أمام مثل هذا التوجه الواضح. لقد شهدنا هذه الموجة تتنامى منذ سنوات. شعرت فرنسا بأنها تفقد مكانتها، لكنها ظلت في حالة إنكار واستغراب”. وأضاف “نجد أنفسنا الآن أمام عواقب العسكرة المفرطة في علاقتنا مع أفريقيا، في حين تعصف أزمات أمنية وبيئية ومجتمعية أيضا بمنطقة الساحل، وهي من أفقر مناطق العالم".

وباتت عدوى الانقلابات العسكرية في أفريقيا مصدر قلق كبير لفرنسا، لكونها قلصت نفوذها بشكل لافت وتهدده بالزوال تماما، خاصة في ظل تصاعد أصوات مرحبة بالأذرع الروسية المنافسة كمجموعة فاغنر، التي تتعاون بشكل كبير مع المجلس العسكري الحاكم في مالي.

وتتعامل الجزائر بحذر شديد مع الأوضاع المتحركة في حدودها الجنوبية، قياسا بما تمثله من تحد أمني كبير لها، وعبء ثقيل على مؤسساتها العسكرية والأمنية، ولذلك ترافع لصالح مقاربة سلمية مهما كانت التغيرات القريبة، بغية الحفاظ على أمنها الإقليمي.

 

اقرأ أيضا:

      • الثرثار: أيام صعبة تنتظر ماكرون مع الإعلام والسياسيين

      • لا دور لأوروبا… فكيف لفرنسا؟

4