التفويض الشعبي شرط السيسي لإعلان الترشح في الانتخابات

دوائر رسمية تستنفر طاقتها لجمع التوكيلات وحشد الدعم يوم الاقتراع.
الأربعاء 2023/09/27
الماكينة الدعائية تشتغل

تشهد أجهزة الدولة في مصر هذه الأيام حالة من الاستنفار لجمع أكبر قدر من التوكيلات لصالح الرئيس عبدالفتاح السيسي الذي يربط مشاركته في الاستحقاق الرئاسي بالحصول على تفويض شعبي، في ظل ما يتم ترويجه عن تراجع كبير في شعبيته.

القاهرة- طلب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي من الأجهزة المعنية والأحزاب السياسية الحصول على الملايين من التوكيلات من المواطنين كشرط لإعلان ترشحه لفترة رئاسية ثالثة في الانتخابات التي ستجرى في ديسمبر المقبل.

وكشفت مصادر مطلعة لـ”العرب” أن السيسي يريد أن يحصل على تفويض شعبي كاسح يثبت به أن شعبيته لم تتراجع، كما يروج معارضوه، وترشحه في الانتخابات جاء نزولا عند رغبة الجماهير الغفيرة التي فوضته، وليس طمعا في السلطة.

وأكدت المصادر ذاتها أن الحصول على الملايين من التوكيلات الرسمية مسألة هينة، لكن المشكلة ألا تتناسب الأرقام الكبيرة مع من يذهبون فعلا للتصويت في الانتخابات، فقد تأتي أقل إذا حدث عزوف عنها، أو قام من وكلوا السيسي بالتصويت لأحد منافسيه.

عمرو هاشم ربيع: دوائر ترغب في نفي فكرة تراجع شعبية السيسي
عمرو هاشم ربيع: دوائر ترغب في نفي فكرة تراجع شعبية السيسي

ولذلك ستكون التوكيلات الداعمة لترشح السيسي غير مبالغ فيها كثيرا لتحاشي الوقوع في فخ سياسي يمثل إحراجا له ولمعاونيه، ويفقد عملية التفويض أهميتها المطلوبة.

ويقوم الرئيس السيسي بجولات للدعاية الانتخابية بصورة غير مباشرة في بعض المحافظات، بدأها الأسبوع الماضي بمحافظة بني سويف، جنوب القاهرة، وقام الثلاثاء بزيارة محافظة الإسماعيلية الواقعة على مجرى قناة السويس.

وسيقوم السيسي الأيام المقبلة بجولات ميدانية في محافظات عديدة لتأكيد أنه مرشح كل المصريين، شمال وجنوبا وشرقا وغربا، وأنه قريب من أوجاعهم وأحلامهم.

وفي صبغة شبه إلزامية، طلبت الأجهزة المحلية من أعضاء في البرلمان، بغرفتيه النواب والشيوخ، الحصول على توكيلات من المواطنين وحشدهم أيام الاقتراع.

كما طلبت من أحزاب سياسية، وتجار وأصحاب مصالح، كل في منطقته القيام بالمهمة نفسها ليعلن السيسي ترشحه في سياق شعبي عارم يجهض به دعاوى من تحدثوا عن اعتماده فقط على نواب البرلمان، وهم لن يتأخروا عن دعمه بأغلبية كبيرة.

وأعلن حزب مستقبل وطن عقب الإعلان عن التوقيتات الزمنية للترشح في الانتخابات الرئاسية، الاثنين، قيامه بجمع الآلاف من التوكيلات لترشيح السيسي لفترة رئاسية ثالثة.

وأشار الحزب إلى أنه حرر الآلاف من قبل قيادات وكوادر وأعضاء بالمحافظات في يوم واحد لدعم الرئيس السيسي في الانتخابات المقرر انعقادها ديسمبر المقبل.

واصطف أعضاء الحزب الذي يعد أبرز ظهير سياسي للنظام المصري وصاحب الأغلبية في البرلمان، أمام مكاتب الشهر العقاري والتوثيق لاستقبال المواطنين وتنظيم دخولهم لتحرير التوكيلات القانونية.

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية وعضو مجلس أمناء الحوار الوطني عمرو هاشم ربيع إن حشود الجماهير تظهر الاستدعاء الشعبي للسيسي ليظل في منصبه، لكن المشهد يوحي بأن بعض الأحزاب تقوم بانتخابات مبكرة فاز فيها الرئيس.

◙ أحمد الطنطاوي يواجه عقبات للحصول على التوكيلات من المواطنين، ولا يمتلك دعما داخل البرلمان وتأييد عشرين عضوا له
أحمد الطنطاوي يواجه عقبات للحصول على التوكيلات من المواطنين، ولا يمتلك دعما داخل البرلمان وتأييد عشرين عضوا له

وأوضح لـ”العرب” أن الحكومة بإمكانها الاعتماد على توكيلات من 20 نائبا برلمانيا فقط لاستكمال أوراق الترشح، لكن هناك دوائر ترغب في نفي فكرة تراجع الشعبية وتعوّل على الحشد الجماهيري للرد على المعارضة.

وشدد عضو مجلس أمناء الحوار الوطني على أن ما يحدث “أمر قانوني ودستوري، بينما على المستوى السياسي ليس بالإجراء الواقعي الذي يرد عمليا على المرشحين المنافسين ومن تحدثوا عن تهاوي شعبية السيسي، وكثافة الحضور في التوكيلات لا تعبر عن ارتفاع في نسبة المشاركة”.

ولجأ الرئيس المصري إلى التفويض الشعبي عندما قرر مواجهة إرهاب الإخوان والجماعات المتطرفة وحصل عليه في شكل تظاهرات مليونية خرجت في شوارع مصر وميادينها.

واعتمد الرئيس المصري طوال فترتي الرئاسة السابقتين على هذا التفويض، ما مكنه من مواجهة الإرهاب والقضاء عليه، إلا أن حدة الأزمة الاقتصادية وتوابعها الاجتماعية وارتباك الحكومة في التعامل مع الكثير من المشكلات أرخت بظلال سلبية على طبقات تأثرت بإجراءات الإصلاح الاقتصادي وروافده الضاغطة.

وتبدو التصورات السياسية وإجراءات التضييق على وسائل الإعلام والفضاء العام التي صاحبتها ليست ذات بال بالنسبة إلى شريحة كبيرة من المواطنين مقارنة بالأوضاع الاقتصادية المزمنة، لذلك يريد السيسي التأكيد على أنه لم يفقد شعبيته عبر الملايين من التوكيلات، وأن الناس على استعداد لإعادة ترشيحه لاستكمال مسيرته الإصلاحية.

وتكمن المشكلة في مواجهة مرشحي المعارضة أن هناك أزمة في الحصول على التوكيلات اللازمة نتيجة تعنت المسؤولين عن عملية التوثيق، والشك في تلقيهم تعليمات من الأجهزة الأمنية بمضايقة بعضهم لقطع الطريق عليهم أو الإيحاء بعدم قدرتهم على تخطي ما يسمّى بـ”العتبة الانتخابية”، وهي الأرقام المطلوبة لتقديم المرشح أوراقه كاملة إلى اللجنة المشرفة على الانتخابات.

وعلى من يرغب الترشح في انتخابات الرئاسة في مصر الحصول على تزكية عشرين عضوًا في مجلس النواب أو توكيل خمسة وعشرين ألف مواطن ممن لهم حق الانتخاب في خمس عشرة محافظة، بحد أدنى ألف مؤيد من كل محافظة.

ورفع أحد المؤيدين لرئيس حزب تيار الكرامة السابق أحمد الطنطاوي الذي أعلن عزمه الترشح دعوى أمام محكمة القضاء الإداري لرفض تحرير توكيل لدعم ترشح الطنطاوي في الانتخابات، وحددت المحكمة 28 يناير المقبل للبت فيها، ما يعني أن الحكم سوف يصدر بعد إجراء الانتخابات المحدد نهايتها في 16 من الشهر نفسه.

في صبغة شبه إلزامية، طلبت الأجهزة المحلية من أعضاء في البرلمان، بغرفتيه النواب والشيوخ، الحصول على توكيلات من المواطنين وحشدهم أيام الاقتراع

ويقول متابعون إن الطنطاوي يواجه عقبات للحصول على التوكيلات من المواطنين، ولا يمتلك دعما داخل البرلمان وتأييد عشرين عضوا له، وليس أمامه سوى المرور من خلال مسار التوكيلات، وهو ليس سهلا مع ضيق الفترة الزمنية، فالمطلوب إنهاء هذه المهمة قبل الرابع عشر من أكتوبر المقبل، موعد إغلاق باب الترشح للانتخابات.

ويضيف هؤلاء المتابعون أن الطنطاوي، وهو أكثر مرشحي المعارضة حضورا، استعد لهذا السيناريو منذ فترة وشكّل هيئة مكتب خاصة بهذه المهمة، وغازل جماعة الإخوان لدعم عناصرها له، مع ذلك ربما تصبح المضايقات أكبر من قدراته إذا لم تحدث مفاجآت تهيئ المجال للموافقة على دخوله معترك منافسة السيسي، والذي سبق أن واجه حمدين صباحي في أول فترة رئاسية له.

ويعتبر صباحي أحد أبرز معلّمي الطنطاوي ويسير على دربه السياسي، لكنه أكثر حماسا وعزيمة على خوض الانتخابات، ويسعى لتوسيع تحالفاته بما يفوق التيار الناصري الذي ينتمي إليه، حيث يقدم نفسه على أنه ممثل للنخبة الشبابية السياسية الطامحة للتغيير، والطبقات الاجتماعية المطحونة بسبب الإجراءات الاقتصادية.

2