الصين تصلح ما تعطل أو تعثر في مشاريع الكويت التنموية

تعثر المشاريع التنموية في الكويت ليس بسبب قلّة الوسائل وشح التمويلات، بقدر ما هو نتيجة للصراعات التي لا يمكن اختزالها فقط في الخلافات المتواصلة بين الحكومات والبرلمانات، ولكن أيضا في التنافس الحادّ أحيانا بين أفراد وأجنحة داخل الأسرة الحاكمة.
الكويت - مددت الكويت رؤية التنمية والتطوير “كويت 2035” لخمس سنوات تعويضا عن التأخير وتعثر الإنجاز لتصبح الرؤية “كويت 2040”.
وتحاشيا للمزيد من التعثر، فإن الصين التي استقبلت مؤخرا ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد الصباح في زيارة أثمرت توقيع العديد من الاتفاقيات، سوف تتولى ما تعطل أو تعثر في سبعة حقول تنموية جسدتها الاتفاقات المذكورة.
ويقول مراقبون وخبراء اقتصاديون إن حاجة الكويت إلى إنجاز المشاريع المتعثرة يجب ألا تقتصر على الاتكال على الصين في إنجازها، بالنظر الى أن المشاريع المزمعة، قد تنجز من الناحية المعمارية، إلا أن ذلك لا يكفي لتوظيفها في خدمة التنمية الاقتصادية، التي تتطلب إصلاحات للحد من الفساد، والترهل الإداري، وبطء التعاطي مع المتغيرات.
وكان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير النفط وزير الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار سعد البراك قال إن الحكومة الكويتية تسعى لتحديث رؤية “كويت 2035” لتصبح “2024 - 2040” في إطار توقيع الاتفاقيات الكويتية - الصينية السبع، والتي ترتبط بمجالات تعاون مختلفة على علاقة بمشاريع كبرى أبرزها استكمال مشروع ميناء مبارك الكبير الذي تقدر نسبة الإنجاز فيه 50 في المئة من مرحلته الأولى، فضلا عن تشييد مدينة سكنية متكاملة وتوقيع مذكرة تفاهم لإنشاء محطة توليد كهرباء شمسية.
ونقلت مصادر إعلامية محلية عن خبراء اقتصاديين قولهم “إن الأوضاع السياسية الساخنة في الساحة المحلية بين الحكومة ومجلس الأمّة هي التي أدت إلى تأخير المشاريع الحكومية الواردة في الرؤية”، واعتبروا أنه “في حالة استمرار الأجواء الحالية من الاحتقان فإن التمديد سيعقبه تمديد”.
ويذهب البعض حد القول إنّ تعطيل الإصلاحات وعرقلة المشاريع يتعدّيان مجرّد الصراعات الحكومية – النيابية، إلى صراعات أعمق بين أفراد وأجنحة الأسرة الحاكمة في الكويت.
ويقول هؤلاء إن تعثّر إنجاز رؤية 2035 يعود إلى رحيل أبرز “آبائها” الشيخ ناصر صباح الأحمد، وكذلك والده الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح الذي كان يعوّل عليه في إدخال تغييرات جذرية تقلّص سلطة البرلمان وتفتح الطريق لإدخال إصلاحات ضرورية لإنجاز المشروع التنموي الضخم.
وكان التعاون مع الصين في إنجاز مشاريع ضخمة أحد أسس الرؤية المذكورة، ومن ذلك إنجاز مدينة ضخمة وبالغة التطور في الجزر الشمالية للكويت تحت مسمّى “مدينة الحرير”، وهو المشروع الذي تبناه وتحمّس لإنجازه الشيخ ناصر عندما كان يشغل منصب وزير الدفاع لكنّه فشل في تمريره بسبب اعتراض نواب في مجلس الأمّة عليه.
ونظر بعض الأعضاء في الأسرة بارتياب إلى تولّي ابن الأمير مناصب هامة في الدولة من بينها منصب نائب رئيس المجلس الأعلى للتنمية والتخطيط، فضلا عن قيادته لمشروع بتلك الضخامة ما كان سيعني وضعه لبصمته على سياسة الدولة ومستقبلها.
ولا يعمل نواب مجلس الأمة الكويتي فقط وفقا لتوجهاتهم السياسية والأيديولوجية وانتماءاتهم الطائفية والقبلية، ولكن أيضا وفق ولائهم لهذا الشق أو ذاك من أجنحة الأسرة الحاكمة.
ولم يعد تمرير أيّ من تلك الإصلاحات متاحا الآن في ظل اكتساب المعارضة المزيد من القوة في مجلس الأمّة وتوجّه الحكومة الحالية إلى مسايرتها في اتخاذ قرارات شعبوية ولكنها مضادة لعملية الإصلاح التي يفرضها الوضع الاقتصادي والمالي كما يطلبها شركاء الكويت لأجل المضي في شراكاتهم معها.
وشملت مذكرات التفاهم التي تم توقيعا مع الصين: التعاون بشأن المنظومة الخضراء منخفضة الكربون لإعادة تدوير النفايات، والتعاون في مجال البنية التحتية البيئية لمحطات معالجة مياه الصرف الصحي، والتعاون في مجال منظومة الطاقة الكهربائية وتطوير الطاقة المتجددة، والتعاون في مشروع ميناء مبارك الكبير، والتعاون في مجال المناطق الحرة والمناطق الاقتصادية، والتعاون في مجال التطوير الإسكاني، إلى جانب مذكرة تفاهم في إطار خطة خمسية للتعاون الثنائي للسنوات 2024 - 2028.
ويقول مراقبون إن هذه المذكرات تكفي بحد ذاتها للإشارة إلى مدى شمولية وحجم التخلف في برامج التنفيذ للمشاريع التنموية.
ونقلت صحيفة “السياسة” عن وزير الإسكان السابق يحيى السميط قوله “إن الاعلان عن تمديد رؤية الكويت 2035 لتكون في 2040 هو نتيجة طبيعية لغياب الإدارة السليمة واستمرار التعيينات العشوائية التي تستند إلى المصالح السياسية الخاصة”.
وتوقع السميط أن تمدد الخطة إلى عام 2050 ما لم تكن هناك إصلاحات شاملة في الحكومة مع ضرورة إزالة الاحتقانات السياسية بين البرلمان ومجلس الوزراء، وأشار إلى أن الحكومة تعاملت بمنطق الواقع وأجلت تنفيذ رؤية الكويت 2035 لكونها غير قادرة على التنفيذ السريع بدليل عدم تنفيذها مشاريع السكك الحديد ومترو الأنفاق وغياب تنفيذ تحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري وعدم السعي الجاد لتنويع مصادر الدخل.
تعطيل الإصلاحات وعرقلة المشاريع يتعدّيان مجرّد الصراعات الحكومية - النيابية، إلى صراعات أعمق بين أفراد وأجنحة الأسرة الحاكمة في الكويت
وبينما احتفل وزراء الحكومة الذين رافقوا الشيخ مشعل في رحلته إلى الصين بما تم توقيعه من اتفاقات، فإن سقف الانطباعات في الكويت ظل منخفضا بالنظر إلى أن المشاريع غير المنجزة كثيرة إلى حد أنها تكاد تشمل كل مجال من مجالات التطوير. وهو ما دفع بعض الخبراء الاقتصاديين إلى تقديم سرد شمل العشرات من المشاريع التي ما تزال نسب الإنجاز فيها محدودة قياسا بالمدى الزمني المتاح لإنجازها بالفعل.
ومن بين هذه المشاريع التي كان يتعين إنجازها خلال العام المقبل: برنامج تطوير منظومة سوق المال الذي بلغت نسبة الإنجاز فيه 25 في المئة، ومشروع محطة الخيران – المرحلة الأولى الذي بلغت نسبة الإنجاز فيه 40 في المئة، ومشروع محطة الزور الشمالية وبلغت نسبة الإنجاز فيه 40 في المئة، ومشروع المناطق الاقتصادية الذي بلغت نسبة الإنجاز فيه 54 في المئة، ومشروع تزويد وتمديد كيبلات أرضية جهد 300 ك. ف في منطقة الصباح الطبية وبلغت نسبة الإنجاز فيه 20 في المئة.
أما المشاريع المقدرة للسنوات بين 2025 و2027، فهناك العشرات منها تبلغ نسب الإنجاز فيها معدلات أدنى، إلى حد أن بعضها لا تتجاوز نسبة الإنجاز فيه 3 في المئة.
ويقول مراقبون إن الصين ليست هي العصا السحرية التي يمكنها أن تنجز ما تعطل أو تعثر، طالما أن أعمال التطوير المعماري والبينية التحية لم تترافق مع الإصلاحات التي تحد من الهدر والفساد والتباطؤ في إنجاز ما هو واجب. فالتعويل على توفر الأموال، سواء من جانب الكويت أو المساهمات من جانب الصين، شيء، ووضع الإطار التنظيمي والقانوني لإدخال المشاريع المعطلة في إطار التنمية شيء آخر، وهو مما يتطلب تعاونا وتجاوبا متبادلا بين الحكومة والبرلمان.