بوادر توتر بين الأمم المتحدة والسلطات شرق ليبيا

بنغازي (ليبيا) - بدأت ملامح توتر بين الأمم المتحدة والسلطات شرق ليبيا تظهر بعد أن حمّلت أطراف أممية مسؤولية كارثة إعصار دانيال للانقسام السياسي والصراع الدائر في البلاد منذ سنوات، وهو ما ردت عليه السلطات بمنع فريق أممي من دخول المدينة الثلاثاء بعد إخراج الصحافيين منها.
وقالت الناطقة باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية نجوى مكي إن السلطات الليبية رفضت دخول فريق تابع للمنظمة الدولية كان من المقرر أن يتوجه إلى مدينة درنة، الثلاثاء، للمساعدة في مواجهة آثار أسوأ كارثة طبيعية على الإطلاق في البلاد.
وقالت نجوى مكي "يمكننا أن نؤكد أن فرق البحث والإنقاذ والطوارئ الطبية وزملاء من الأمم المتحدة ممن هم بداخل درنة بالفعل يواصلون العمل.. لكنّ فريقا من الأمم المتحدة كان من المقرر أن يذهب إلى درنة من بنغازي اليوم لكن لم يسمح له بذلك”، مطالبة السلطات الليبية “بالسماح بوصول الفرق دون عراقيل”. وما يزيد من توتر العلاقات بين الطرفين مطالبة سكان درنة خلال احتجاجات اندلعت الاثنين بتدخل أممي لمراقبة جهود إعادة الإعمار.
والثلاثاء اعتبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس أن مدينة درنة التي اجتاحتها الفيضانات الأسبوع الماضي “تمثل صورة حزينة لحالة العالم، حيث يعم طوفان عدم المساواة والظلم”، مشيرا إلى أن الموتى في ليبيا كانوا ضحايا سنوات من الصراع.
وقال في مؤتمر صحفي بمقر الأمم المتحدة في نيويورك "مدينة درنة تمثل صورة حزينة لحالة عالمنا، حيث يعم طوفان عدم المساواة والظلم، وعدم القدرة على مواجهة التحديات". وأضاف غوتيريس "سدا درنة انهارا بعد سنوات من الحرب والإهمال، ولا تزال الأمواج تجرف الجثث إلى الشاطئ”، وذلك بعدما "فقد الآلاف أرواحهم في درنة جراء فيضانات غير مسبوقة".
ولفت أمين الأمم المتحدة إلى أن "الموتى في ليبيا كانوا ضحايا سنوات من الصراع، والقادة الذين فشلوا في إيجاد طريق للسلام"، في إشارة إلى استمرار الانسداد وتعثر العملية السياسية بين الأطراف المحلية الفاعلة، والتي ترعاها الأمم المتحدة. وكانت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة، أعلنت الخميس، أنه كان من الممكن تفادي سقوط معظم الضحايا جراء الفيضانات المدمرة التي خلفت الآلاف من القتلى والمفقودين في شرق ليبيا.
وقال الأمين العام للمنظمة بيتيري تالاس خلال مؤتمر صحفي في جنيف “كان بالإمكان إصدار إنذارات تمهيدا لإجلاء السكان، وكنا تفادينا معظم الخسائر البشرية”، مشيرا إلى قلة التنظيم في ظل الفوضى المخيمة في البلاد. وأضرم متظاهرون غاضبون من فشل السلطات في حماية مدينتهم من السيول، النيران في منزل عميد بلدية درنة. وقالت الإدارة المسؤولة عن شرق ليبيا إنها أوقفت عميد البلدية عن العمل وأقالت جميع أعضاء المجلس البلدي لدرنة، بعد أن طالب المتظاهرون الغاضبون بمعاقبة المسؤولين الذين تركوا السكان يتعرضون للأذى.
وكانت مظاهرة الاثنين أول تعبير علني عن السخط الجماعي منذ انهيار سدين في درنة بسبب هبوب عاصفة في العاشر من سبتمبر، مما أدى إلى إطلاق سيل من المياه اجتاح وسط المدينة. واحتشد المتظاهرون الاثنين في الساحة المقابلة لمسجد الصحابة الذي يتميز بقبة ذهبية، تعد أحد معالم درنة، ورددوا شعارات. ولوح البعض بالأعلام من فوق سطح المسجد. وفي وقت لاحق من المساء، أحرقوا منزل عميد البلدية عبدالمنعم الغيثي. وقالت الحكومة التي تدير شرق ليبيا إنه تم إيقاف الغيثي عن العمل وإقالة جميع أعضاء المجلس البلدي لدرنة وإحالتهم إلى التحقيق. وبعد مرور أسبوع على الكارثة، لا تزال مساحات واسعة من مدينة درنة يسودها خراب موحل تجوبه الكلاب الضالة. وما زالت الأسر تبحث عن جثث المفقودين تحت الركام.
ويقول السكان الغاضبون إنه كان من الممكن منع وقوع الكارثة. ويعترف المسؤولون بوجود تعاقد لإصلاح السدود بعد عام 2007 لكنه لم يكتمل قط، وعزوا ذلك إلى انعدام الأمن في المنطقة. وأصبحت ليبيا دولة فاشلة على مدى أكثر من عقد مع عدم وجود حكومة تمارس صلاحياتها على مستوى البلاد منذ الإطاحة بمعمر القذافي في عام 2011.
قوات شرق ليبيا (الجيش الوطني الليبي) التي تسيطر على الشرق فرضت هيمنتها على درنة منذ عام 2019. وقبل ذلك ولعدة سنوات، سيطرت على المنطقة جماعات متشددة منها أفرع محلية لتنظيمي الدولة الإسلامية والقاعدة.
ووجه المتظاهرون انتقادات لرئيس البرلمان المتمركز في الشرق عقيلة صالح، والذي وصف السيول بأنها كارثة طبيعية لم يكن من الممكن تجنبها. وردد المحتجون هتافات تطالب بإسقاط صالح. وطالب منصور، وهو طالب مشارك في الاحتجاج، بإجراء تحقيق عاجل في انهيار السدين وهو ما تسبب في “جعلنا نفقد الآلاف من شعبنا العزيز".
وقال طه مفتاح (39 عاما) إن الاحتجاج يحمل رسالة مفادها أن "الحكومات فشلت في إدارة الأزمة"، مضيفا أن البرلمان هو المسؤول على وجه الخصوص. ولم يتم بعد تحديد العدد النهائي للقتلى، إذ لا يزال الآلاف في عداد المفقودين. ويعلن المسؤولون أعدادا متفاوتة للقتلى بشكل كبير، فيما أكدت منظمة الصحة العالمية وفاة 3922 شخصا.
اقرأ أيضا:
• أوامر للصحافيين بمغادرة درنة على وقع احتجاجات شعبية غاضبة
• عيون اللصوص على أموال جبر الضرر في شرق ليبيا