ارتفاع تكاليف العودة المدرسية يزيد من إثقال كاهل الأسر التونسية

اعتبر خبراء أن غلاء تكاليف العودة المدرسية، في ظل تدهور القدرة الشرائية لأغلب التونسيين، بات فعليا إحدى الضرورات الضاغطة على الأسر بالتزامن مع قلة الدعم الحكومي ووسط بروز انتهازية من قبل المدارس الخاصة لإثقال كاهل الناس بالمصاريف الإضافية.
تونس - يسيطر القلق على معظم العائلات التونسية مع بدء العام الدراسي، بسبب الصعوبات الاقتصادية التي تثقل ميزانياتها الضعيفة في ظل غلاء المعيشة، وهي مقدمة على شراء مستلزمات أبنائها التي تضاعفت أسعارها بشكل كبير في غضون سنوات قليلة.
وتؤكد أوساط اقتصادية أنه لم يعد بإمكان أغلب الأسر توفير مستلزماتها نظرا لاختلال التوازن بين مداخيلها والغلاء بعدما تخطى التضخم عتبة التسعة في المئة، مما أدى إلى عجزها عن مواكبة ارتفاع التكاليف المعيشية اليومية.
ومع بدء انتظام نحو 2.3 مليون طالب وطالبة على مقاعدهم في مختلف المدارس، استأنفت المدراس الحكومية والخاصة دوامها اعتبارا من يوم الجمعة الماضي، وبدأ معه هاجس التفكير في مواجهة النفقات والتقشف قدر الإمكان في توفير المستلزمات المدرسية.
ويتردد في إحدى مكتبات العاصمة التونسية السؤال “هل يوجد كرّاس مدعّم؟” لأكثر من مرة من قبل الأهالي الذين يبحثون عن هذا الصنف ليخففوا من عبء مصاريف اقتناء اللوازم المدرسية في بلد يواجه أزمة اقتصادية غير مسبوقة.
وتتزامن العودة المدرسية هذا العام مع زيادة في أسعار المواد الاستهلاكية لم تشهدها البلاد سلفا.
وتقلّب جميلة ساسي (40 عاما) وهي أم لطفلين في المستوى الابتدائي وتعمل موظفة في شركة خاصة، بين المحفظات المعروضة في المكتبة بحثا عن واحدة يكون ثمنها مناسبا لميزانيتها، لكن دون جدوى.
وتقول لوكالة فرانس برس وملامح الحيرة بادية على وجهها “كان القرار مع زوجي أن نلغي مصاريف العطلة الصيفية والاصطياف وأن نخصصها لشراء مستلزمات العودة المدرسية (…) وكما تشاهدون الأسعار نار”.
وتنتظر ساسي دورها للوقوف في صف طويل لاقتناء كراس مدعم وتقول “الظاهر أنه يجب التوجه إلى السوق الموازية لأجد الأسعار التي أبحث عنها”.
وتطرح السلطات التونسية نوعية من الكراسات يطلق عليها اسم “الصنف المدعم” وتباع بأقل من دينارين (حوالي 0.6 دولار) مقارنة بسعر الكراسات ذات الجودة العالية التي يناهز سعرها ثلاثة أضعاف المدعمة وغالبا ما تشتريها العائلات ذات الدخل الضعيف.
وفي خضم ذلك لم يعد معظم الأولياء قادرين على سداد كلفة دراسة أبنائهم في المدارس الخاصة لارتفاع أسعارها، لكن منهم من يتحمل على مضض هذه الوضع لأسباب ترتبط بالعمل أو لظروف اجتماعية قاهرة.
واضطر إسماعيل بن إدريس (41 عاما)، وهو مهندس كمبيوتر، إلى نقل ابنه من مدرسة خاصة إلى أخرى حكومية لأنه “لم يعد قادرا على دفع 4 آلاف دينار (حوالي 1270 دولارا) كمصاريف طوال العام”.
وتمثل العودة المدرسية بالنسبة إلى العديد من العائلات “كابوسا” بعد تواصل “المواسم الاستهلاكية” من مناسبات الأعياد والعطلة الصيفية وصولا إلى العودة المدرسية، ويضطر العديد من الأولياء إلى الاستدانة لمواجهة ارتفاع الأسعار.
ويقول رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك لطفي الرياحي “سجلنا ارتفاعا ما بين 15 و18 في المئة في كلفة مستلزمات العودة المدرسية مقارنة بالسنة الماضية”.
وفي ركن آخر من المكتبة يقف بلقاسم الطرابلسي مع زوجته بين رفوف الكتب والأقلام علّه يجد بدوره أسعارا لا تثقل كاهل جيبه.
ويقول الطرابلسي (50 عاما) وهو أب لأربعة أطفال “بالنسبة إلي ارتفعت الأسعار بين 20 و30 في المئة مقارنة بالسنة الماضية والكراس المدعم مفقود لا يوجد.. العودة المدرسية تتطلب جيوبا مليئة بالنقود”.
ويضيف “نبحث عن كل المواد المدعمة، الكرّاس والسميد والزيت، وكل ما هو مدعّم من الدولة مفقود”.
وادخر الطرابلسي مالا خلال فصل الصيف ويعوّل على المساعدة المالية التي تقدمها له شركة النقل الحكومية حيث يعمل ليستطيع تلبية حاجيات أطفاله، لأنه هو مصدر الدخل الوحيد في العائلة.
وبينما يقلب فاتورة مقتنياته الطويلة يلخص هذا الأب الوضع بالتساؤل “ماذا بقي للمواطن من خيار؟ إنه يختنق”.
وبدورها تؤكد المشرفة على المكتبة فاتن المناعي أن العملاء أصبحوا يطلبون “أكثر فأكثر تقسيط الدفع لأن الراتب لم يعد يكفيهم”.
وعلى سبيل المثال وكمؤشر على تراجع القدرة الشرائية، تبين أن “الكراس المدعم كان مخصصا فقط لمن دخلهم ضعيف لكن اليوم حتى أصحاب الدخل المتوسط يطلبون الكراس المدعم”.
ويبلغ معدل الرواتب وفقا لتقديرات منظمات غير حكومية في تونس نحو 300 دولار في بلد تجاوز عدد الأشخاص تحت خط الفقر فيه الأربعة ملايين من أصل نحو 12 مليون نسمة.
والتعليم الحكومي في تونس مجاني لكل الفئات، وأقرّت الحكومة للموسم الدراسي الحالي أمام تضخم التكاليف زيادة المساعدة المالية التي تشمل حوالي 500 ألف تلميذ من أبناء العائلات محدودة الدخل من 50 إلى 100 دينار (16 إلى 32 دولارا).
وأظهرت بيانات تقرير نشره المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بعنوان “إنفاق المجتمع على التعليم: بين وهم المجانية وإرهاق الإنفاق العائلي” أن أسعار المواد المدرسية شهدت ارتفاعا بنحو 48 في المئة من العام 2021 وصولا إلى 2023.
وأكدت المنظمة في تقريرها أن “إنفاق المجتمع والعائلة أساسا على التعليم والذي ما انفك يتطور من سنة إلى أخرى، يرهق العائلات التونسية ماديا خاصة المتوسطة ومحدودة الدخل والتي تعاني في الأصل من ارتفاع التضخم”.
وتواجه تونس أزمة اقتصادية غير مسبوقة، فقد بلغت نسبة التضخم 9.3 في المئة، وسجلت نسبة نمو اقتصادي ضعيفة لا تتجاوز 0.6 في المئة وفقا لآخر الإحصاءات الرسمية، فضلا عن أن العديد من المواد الاستهلاكية الأساسية أصبحت مفقودة من السوق.
ولذلك يخوض هذا البلد مفاوضات متعثرة مع صندوق النقد الدولي لنيل قرض جديد بقيمة ملياري دولار لسد عجز موازنته المالية.
ويقدر خبراء اقتصاد أن البلاد لم تعد تتمكن من تأمين العملة الصعبة الكافية لتوريد السلع لأسواقها الداخلية وينتج عن ذلك نقص أمام تزايد الطلب.
ويعتبر الخبير الاقتصادي عزالدين سعيدان أن العودة المدرسية “صعبة”، مشيرا إلى “اللوازم المدرسية التي تنفجر أسعارها، فضلا عن المدارس الخاصة التي ارتفعت أسعارها كذلك” مع نهاية عطلة فصل الصيف التي غالبا ما تتزامن مع وصول فواتير استهلاك الطاقة.
ويرى الخبير أن ذلك سيعزز “الاستياء” لدى التونسيين بسبب تكرر نقص المواد.