العلاقات الكويتية - العراقية.. لا تسوية ولا مفاوضات، احتجاجات فقط

بغداد - استعاضت الحكومتان الكويتية والعراقية عن إجراء اتصالات رفيعة المستوى لإيجاد سبيل لتسوية الخلاف حول حقوق الملاحة في "خور عبدالله"، فاكتفت الأولى بإرسال مذكرة احتجاج، والثانية بتلقيها من دون التزامات بأي حلول.
ولفت انتباه المراقبين أن الحكومة الكويتية انتظرت نحو أسبوعين قبل أن ترد على القرار الذي أصدرته المحكمة الاتحادية العليا في بغداد ببطلان اتفاقية تقاسم الممر المائي بين شبه جزيرة الفاو العراقية وجزيرة بوبيان الكويتية، مما يشير إلى أن حكومة الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح لم تعرف كيف تتعامل مع هذا الملف.
وهو ما يفسر سبب اقتصار الاتصالات بين الطرفين حول هذه المسألة على اتصال هاتفي واحد بين وزيري خارجية البلدين. وكانت المحكمة الاتحادية في بغداد أبطلت في الرابع من سبتمبر الجاري الاتفاقية التي صادق عليها البلدان في العام 2013 تنفيذا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 833 لعام 1993 الذي ينص على تقاسم مياه الخور بالمناصفة بين البلدين.
وقالت المحكمة في بيان إنها "تستند في الحكم بعدم دستورية قانون 2013 للتصديق على الاتفاقية في شأن تنظيم الملاحة في خور عبدالله إلى أحكام المادة (61/ رابعاً) من دستور العراق لعام 2005، إذ لا يمكن إعمال نص قانوني مخالف للدستور، رغم سريان ذلك النص لتعطل آليات تطبيقه". وتتطلب تلك المادة أن تتم المصادقة على الاتفاق بأغلبية الثلثين في مجلس النواب العراقي، وهو ما لم يحصل.
وعلى هذا الأساس، فإن إبطال الاتفاقية لا يعدو كونه مسألة ذات طبيعة تقنية لا تستوجب أن تثير نزاعا بين البلدين، ولا حتى تبادل رسائل احتجاج، لأن تقاسم مياه الممر المائي لا جدال فيه بالنسبة إلى الحكومتين، ولأن هناك قرارا دوليا يدعمه مما يجعل العراق عاجزا عن مخالفته.
وبالنظر إلى هذه الحقيقة، فإن التواصل بين الحكومتين هو أفضل السبل التي يمكنها أن تتيح للحكومة الكويتية معرفة الطريق الذي سوف تسلكه بغداد لتنفيذ القرار والاتفاقية، لاسيما وأن الكرة في ملعب العراق، وأنه لا سجال حول مشروعية التقسيم.
وكان مساعد وزير الخارجية الكويتي لشؤون الوطن العربي السفير أحمد عبدالرحمن البكر سلّم سفير العراق لدى الكويت المنهل الصافي مذكرة احتجاج على ما ذكر في حيثيات الحكم الصادر عن المحكمة الاتحادية العليا في العراق، حول الاتفاقية المبرمة بين حكومتي الكويت والعراق. كما استقبل وزير الخارجية الكويتي الشيخ سالم عبدالله الجابر الصباح، الجمعة، السفير العراقي، وبحث الجانبان "العلاقات الثنائية التي تجمع البلدين الشقيقين، وخاصة ما يتعلق بحكم المحكمة الاتحادية العليا العراقية حول الاتفاقية".
ويقول مراقبون إن ظروف عدم الاستقرار السياسي في العراق هي التي تقف حائلا دون المصادقة على المعاهدة، إذ يكاد يكون من العسير للغاية الحصول على أصوات ثلثي أعضاء البرلمان التي تطلبها المحكمة الاتحادية العليا للمصادقة على شأن يتعلق بترسيم الحدود. إلا أن ذلك لا يعني أن العلاقات بين البلدين الجارين يمكن أن تتأثر سلبا، وذلك طالما أن المصادقة إجراء شكلي إلى حد بعيد.
وتتجسد الصعوبة في العراق في حقيقة أن مواضيع ترسيم الحدود تشكل فرصة للتيارات السياسية المختلفة للتناحر سعيا للظهور بمظهر الحريص على مصالح العراق. وكان عضو مجلس النواب العراقي عارف الحمامي قال إن "الإجراءات التي ينبغي اتخاذها، على الحكومة اتخاذها عقب صدور قرار المحكمة الاتحادية، وهو العمل على إزالة جميع الآثار المترتبة على تنفيذ اتفاقية خور عبدالله خلال السنوات العشر الأخيرة، أي منذ إقرارها عام 2013 وحتى الحكم بعدم دستوريتها عام 2023".
◙ إبطال الاتفاقية لا يعدو كونه مسألة ذات طبيعة تقنية لا تستوجب أن تثير نزاعا بين البلدين، ولا حتى تبادل رسائل احتجاج
وكانت وزارة النقل العراقية طلبت من وزارة الخارجية تقديم طعن بالقرار الصادر من قبل مجلس الأمن، إلا أن وزارة الخارجية أكدت عدم إمكانية إعادة النظر في قرار المجلس أو الطعن فيه أمام محكمة العدل الدولية، على اعتبار أن مجلس الأمن هو أعلى سلطة من المحكمة.
ويشير هذا الواقع إلى أن إرسال رسائل الاحتجاج لا يقدم خدمة فعلية للطرفين، طالما أنهما ملتزمان بقرار مجلس الأمن، وطالما أن الحكومة العراقية لم تقدم أي إشارات توحي بأنها تعتزم إبطال الاتفاقية.
وكان الاتصال الرسمي الوحيد بين البلدين هو المحادثات الهاتفية التي أجراها وزير الخارجية الكويتي مع نظيره العراقي فؤاد حسين في اليوم التالي لصدور قرار المحكمة. وتقول مصادر الخارجية العراقية إن حسين أكد لنظيره الكويتي بأن العراق يحترم التزاماته الدولية، وأنه لا مبرر للقلق إزاء المعضلة التقنية التي تتطلب مصادقة ثلثي أعضاء البرلمان على اتفاقية ترسم الحدود بين البلدين. ويرى المراقبون أن هذا الاتصال، حتى وإن لم تتبعه مشاورات على مستوى أعلى، فإنه يغني الكويت عن الحاجة إلى إرسال مذكرة احتجاج.