تونس تحصي الثمن الباهظ للجفاف على قطاع الزراعة

18 مليون دولار قيمة التعويضات التي سيمنحها صندوق الجوائح للمتضررين من الحرائق وقلة الأمطار.
السبت 2023/09/16
انتظرها تنضج واقطفها

استيقظ المزارعون في تونس على حجم الخسائر التي خلفتها موجة الجفاف على القطاع بعد أن انعكست آثارها الثقيلة مباشرة على أعمالهم، وسط محاولات مضنية من الجهات المعنية للتدخل بغية تخفيف وطأة المشاكل على المنتجين لمواصلة نشاطهم.

تونس - تسببت موجة الجفاف والحرائق التي شهدتها مساحات زراعية واسعة في تونس هذا العام في أضرار كبيرة مست عددا كبيرا من صغار مزارعي الحبوب والأشجار المثمرة ومربي النحل، وفقدان مزارعين منازلهم وموارد رزقهم.

وأكد مسؤولون نقابيون وعدد من المزارعين أن موسم هذا العام كان كارثيا. واعتبروا أن عدم تلقيهم أي دعم أو منحة أو أي شكل من التعويضات من السلطات عن الخسائر التي تكبدوها ينبئ بأزمة إنتاجية واقتصادية حادة للموسم الزراعي القادم.

وشهدت تونس خلال يوليو الماضي موجة حر تجاوزت فيها درجات الحرارة 50 درجة في بعض الولايات (المحافظات). وبحسب المرصد التونسي للمياه، توسعت خارطة العطش في تونس نتيجة قلة تساقط الأمطار واهتراء البنية التحتية للسدود.

وعانت البلاد شحا في المياه وتراجعا في احتياطيات السدود جراء التغيرات المناخية وسنوات الجفاف الثلاث الماضية، في ظل ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض معدلات الأمطار.

طارق المخزومي: التعويضات ليست كبيرة لكنها تسهم في تخفيف الأزمة
طارق المخزومي: التعويضات ليست كبيرة لكنها تسهم في تخفيف الأزمة

ووفقا لبيانات الإدارة العامة للحماية المدنية، تم تسجيل 50 حريقا للغابات منذ بداية يوليو وحتى العاشر من أغسطس 2023، طالت 1777 هكتارا، مقابل تسجيل 92 حريقا سنة 2022 أتت على 3166 هكتارا بمقارنة سنوية.

وحددت السلطات المساحات المتضررة من الحرائق بنحو 900 هكتار من الأراضي في الشمال الغربي خلال يوليو الماضي، وشملت مدن طبرقة وملولة من ولاية جندوبة شمال غرب البلاد، كما مس الجفاف مساحات زراعية واسعة بكامل تونس.

وعبر الهادي بوزيدي مهندس زراعي وصاحب أرض زراعية مساحتها 19 هكتارا من الأشجار المثمرة بمنطقة قعفور من ولاية سليانة عن الأزمة الحالية، قائلا “هذه السنة وقعت كارثة، والخسائر لا تحصى ولا تعد”.

وأضاف للأناضول “عدد كبير من الأشجار في أرضي تضررت بسبب الجفاف ونقص مياه الري، فقد تعرضت حوالي 1500 شجرة خوخ و400 شجرة مشمش وحوالي 500 شجرة قوارص للإتلاف”.

وقدر أنيس الفرشيشي مهندس زراعي بمنطقة مجاز الباب بولاية باجة نسبة الضرر في أرضه بنحو 90 في المئة نتيجة الجفاف ونقص الأمطار.

وقال إنه “رغم كلفة الإنتاج العالية التي تكبدها خلال الموسم (حراثة وأسمدة وأدوية)، لكن لا يوجد محصول ولا حصاد للحبوب نظرا لغياب الأمطار إلى حدود شهر مارس”. وتابع “هذه السنة كان تأثير الجفاف أكبر من الحرائق في منطقتنا”.

ويؤكد المكتب التنفيذي بالاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري (نقابة المزارعين) أن تأثيرات الجفاف خلال هذا الموسم كانت كبيرة، وأكثر حدة من السنوات الثلاث الماضية.

وقال طارق المخزومي عضو المكتب إن “أضرار الجفاف ونقص المياه انعكست بشكل لافت على الزراعات الكبرى، خاصة في الولايات التسع المنتجة للحبوب”، وهي باجة وجندوبة والكاف وسليانة ونابل والقيروان وبنزرت ومنوبة وبن عروس.

وزارة الفلاحة أقرت زيادة استثنائية بنحو 3.3 دولار للقنطار من الحبوب كمنحة تشجيعية خاصة بموسم 2023

وبلغت “محاصيل الحبوب لهذا الموسم نحو 3 ملايين قنطار، وهذا غير كاف بالمرة”، بحسب المخزومي. وبالنسبة إلى الأضرار الناجمة عن الحرائق، أشار إلى أنها طالت هذه السنة مئات الهكتارات من الغابات وأتلفت الأشجار المثمرة والمراعي.

ويتابع اتحاد الزراعة عمل صندوق الجوائح الطبيعية لصرف التعويضات بعد تقييم الأضرار منذ مايو الماضي عبر معاينات ميدانية قام بها خبراء شركات التأمين.

وأوضح المخزومي أن السلطات وعدت بأن يتم صرف التعويضات للمزارعين، الذين قاموا بالتأمين على المحاصيل ضمن الصندوق قبل انطلاق الموسم المقبل في ديسمبر القادم، وأما بالنسبة إلى الذين لم يقوموا بالتأمين فسيكون من الصعب أن يحصلوا على تعويض.

وتبلغ قيمة التعويضات بحسب تقديرات مسؤولين حكوميين 54 مليون دينار (18 مليون دولار)، وستشمل عددا كبيرا من المزارعين، لكن المخزومي لم يحدد العدد. وقال “للأسف هناك عدد كبير منهم مازالوا غير مقبلين على التأمين في الصندوق”.

واعتبر أن “التعويضات لن تكون كبيرة إلا أنها قد تساهم في تخفيف وطأة الأزمة التي يمر بها المزارعون هذا العام”.

ولاحظ عمر الغزواني عضو سابق باتحاد المزارعين المحلي بجندوبة أن الجفاف هذا العام كانت له تأثيرات قياسية، وستكون له تبعات كبيرة مستقبلا.

وأكد أن المحاصيل سواء من الزراعات الكبرى أو الزراعات العلفية أو الأشجار المثمرة، تعرضت إما إلى التلف أو لم تثمر، وهذا ما يكبد المزارعين خسائر مالية كبيرة وصعوبات في سداد القروض.

Thumbnail

وأوضح الغزواني أن تمويل الموسم الزراعي يكون غالبا في شكل قروض يحصل عليها المزارع من البنوك أو الجمعيات الفلاحية، وفي حال لم يقم بتسديد ما عليه من ديون فلا يمكنه الحصول على قروض جديدة لتمويل الموسم اللاحق.

وشدد على أن المزارع في حاجة إلى دعم الدولة، لكنه أشار إلى أن “صندوق الجوائح غير كاف، نظرا إلى أن التعويضات التي يرصدها ستشمل فقط المنخرطين في الصندوق ونسبتهم لا تتجاوز 5 في المئة من إجمالي العاملين بالقطاع”.

وفي مطلع يونيو الماضي، أقرت وزارة الفلاحة حزمة إجراءات لفائدة مزارعي الحبوب. وقالت في بيان آنذاك إنه “سيتم تمكين المتضررين من الجفاف والمنخرطين في صندوق الجوائح من مستحقاتهم قبل انطلاق موسم البذر المقبل”.

وكانت الوزارة قد أقرت زيادة استثنائية بعشرة دنانير (3.3 دولار) للقنطار الواحد، كمنحة تشجيعية خاصة بموسم 2023 لتجميع مختلف أنواع الحبوب، مع توفير كميات كافية من البذور للموسم المقبل.

وشددت على أن “هذه الإجراءات تأتي في إطار العمل على التخفيف من التأثيرات المناخية الصعبة المرتبطة بشح الأمطار في مناطق الإنتاج خلال هذا الموسم والاستعدادات لموسم الزراعات الكبرى”.

10