انتخابات الرئاسة تشرع في فرز الاصطفافات السياسية مبكرا في الجزائر

سجال متجدد يمهد لقبضة حديدية بين دعاة ولاية ثانية لتبون ورافضين لها.
الجمعة 2023/09/15
مساع لطمأنة الداعمين لطموح تبون في المرور إلى ولاية رئاسية ثانية

الجزائر - وجهت الرئاسة الجزائرية رسالة مبطنة إلى الواقفين خلف رسالة منظمة أرباب العمل الناقدة للوضعين الاقتصادي والاجتماعي، باللقاء الذي جمع الرئيس عبدالمجيد تبون مع وفد تنظيم مجلس التجديد الاقتصادي، للظهور في ثوب حليف السلطة الذي ستعتمد عليه في قادم الاستحقاقات وأهمها انتخابات الرئاسة بعد نحو عام.

وصرح رئيس مجلس التجديد الاقتصادي كمال مولى عقب خروجه من اللقاء بأن الثلاثية التي يقدسها المجلس هي “الوطن، الاقتصاد والشعب”، في رد مبطن على طلب رئيسة الكونفدرالية العامة للمؤسسات الجزائرية سعيدة نغزة، لعقد لقاء لثلاثية “الحكومة، أرباب العمل والشركاء الاجتماعيين” لمناقشة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.

ويبدو أن السلطة لم تترك المجال أمام أي وقت للخطاب الذي وجهته نغزة للرئيس تبون لكي يشيع محتواه لدى الشارع الجزائري، وسارعت لاستدعاء تنظيم أرباب العمل الموالي إلى قصر المرادية لتعزيز التحالف غير المعلن بينهما وطمأنة الداعمين لطموح الرئيس تبون في المرور إلى ولاية رئاسية ثانية.

ويسير السجال القائم بين تنظيم نغزة والدوائر المقربة من مؤسسة الرئاسة إلى الكشف عن الخلفيات الحقيقية للتلاسن الحاد بين الطرفين، فرغم أنه وظف الشأن الاقتصادي والاجتماعي عبر منصات وسائل الإعلام، فإنه أخرج إلى السطح الاصطفافات السياسية مبكرا بين الفواعل المؤثرة في المشهد الجزائري، حيث بدأت تتشكل معالم تيار رافض لاستمرار تبون في قصر المرادية، وبين داعمين لولاية رئاسية ثانية، رغم أن فاصل الوقت يبدو طويلا نسبيا.

ولتفادي الربط بين سجال نغزة والوكالة الرسمية للأنباء، وبين اللقاء الذي جمع مجلس التجديد الاقتصادي برئيس الجمهورية، ذكر بيان الرئاسة بأن “اللقاء تم بطلب منهم”، لكن حضور الوزير الأول ووزراء من الحكومة ومسؤولين في رئاسة الجمهورية يوحي بعكس ذلك، فلا يمكن أن يكون الطلب قد تم من طرف المجلس إلى رئيس الجمهورية، وفي نفس الوقت يتم توسيع اللقاء إلى كبار مسؤولي الدولة.

ولم يشر بيان الرئاسة أو التصريح المقتضب لرجل الأعمال مولى الذي يقود التنظيم المذكور، إلى تفاصيل اللقاء أو الملفات التي بحثها الطرفان، لكن مفردات الإطراء توحي بأن الطرفين التقيا من أجل تأكيد حلفهما، والرد أمام الرأي العام على ما أثاره التنظيم الآخر.

الرئيس تبون كان قد تفادى في تصريحات صحفية سابقة الكشف عن نواياه بشأن التقدم مجددا للانتخابات الرئاسية

وكان الرئيس تبون قد تفادى في تصريحات صحفية سابقة الكشف عن نواياه بشأن التقدم مجددا للانتخابات الرئاسية المنتظرة نهاية العام القادم، وشدد على أن “الأولوية الآن لتنفيذ التعهدات التي قطعتها للشعب الجزائري في برنامجي السياسي، أما البقية فلكل حادث حديث”، لكن دوائر مقربة منه تشير إلى أن الرجل يبحث عن ولاية ثانية بشغف.

ولم يتضح بعد موقف الأطراف المؤثرة في المشهد الجزائري، على غرار المؤسسة العسكرية، وجهاز الاستخبارات وما يعرف بالدولة العميقة، وبدرجة أقل الطبقة السياسية والأهلية، لكن متابعين للشأن المحلي اعتبروا خطاب رئيسة تنظيم أرباب العمل نغزة رسالة تترجم موقف جناح متنفّذ يرفض التجديد لتبون، حتى ولو كان ظاهره مآخذ وانشغالات اقتصادية واجتماعية.

وعبرت الرئاسة في أكثر من مناسبة عمّا سمّاه الرئيس تبون بـ”مؤامرات” و”مناورات” تستهدف تأليب الشارع على السلطات العمومية عبر إثارة قضايا اقتصادية واجتماعية، كالتلاعب بوفرة مواد أساسية في الأسواق أو زيادة الأسعار فوق طاقة المستهلك الجزائري، الأمر الذي لا يبعد فرضية تلغيم مسار تبون السياسي للحيلولة دون التجديد له.

وأظهرت نغزة في رسالة صوتية وجهتها إلى مدير وكالة الأنباء الجزائرية سمير فايد، وذكرت فيها مدير الإعلام في رئاسة الجمهورية كمال سيدي سعيد، استقواء بنخبة عسكرية عاملة، وقالت “لا أخشى أي أحد، ولا أشباه الرجال.. ما دام معي رجال على رؤوسهم قبعات”، في إشارة إلى البزة العسكرية، وهو ما يوحي بأن المرأة تستند إلى ضباط فاعلين أو نخبة عسكرية تدفع بها إلى المواجهة مع جناح الرئاسة.

ونددت المتحدثة في رسالتها الصوتية بما وصفته بـ”التواطؤ في اعتماد تنظيمات أرباب العمل”، واتهمت دوائر لم تسمّها باعتماد مجلس التجديد الاقتصادي الذي اعتبرته وريث الفساد ونهب المال العام الموروث عن حقبة الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة.

وشددت على أن تنظيمها (الكونفدرالية العامة للمؤسسات الجزائرية) “شرعي ومعترف به لدى الهيئات الإقليمية والدولية، وهو الذي حارب الفساد ونهب المال العام، لما كان رموزه في أوج قوتهم، وأن العصابة هي التي غيرت جلدها واسمها من منتدى رؤساء المؤسسات بقيادة رجل الأعمال المسجون علي حداد، إلى مجلس التجديد بقيادة كمال مولى”.

ووجهت نغزة عبارات تهديد ووعيد لمدير الوكالة الرسمية، بسبب البرقية التي ردت على خطابها الموجه لرئيس الجمهورية، وهو تصعيد يفتح المجال أمام جولات سجال أخرى، تمهد لقبضة حديدية بين جناح لا يريد للرئيس تبون تحقيق طموحه السياسي، وبين آخر لا يرى نفسه إلا داخل ولاية رئاسية ثانية.

4