اتحاد الشغل يستشعر تراجع نفوذه في تونس

سامي الطاهري: هناك حملة لضرب سمعة المنظمة.
الجمعة 2023/09/15
شعبية متراجعة

تونس - استشعرت قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية في البلاد) تراجع نفوذ المنظمة في البلاد، بعد أن دأبت على لعب أدوار سياسية مهمة في أزمات سابقة على غرار قيادة الحوار الوطني في 2013، حيث اعتبرت أن المنظمة أصبحت مستهدفة من قبل السلطة التي تسعى لضرب سمعتها.

ويرى مراقبون أنه بعد إجراءات 25 يوليو 2021، وضعت السلطة اتحاد الشغل في دائرة تحرك ضيقة تقتصر على الدور الاجتماعي والنقابي مع تحجيم دوره السياسي، خلافا للدور الذي كان يلعبه في عهد الحكومات السابقة.

وعلى عكس السنوات الماضية، أصبحت تحركات المنظمة النقابية محدودة، بعد أن كانت تفرض على الحكومات تقديم التنازلات والقبول بشروطها، على غرار المطالبة بزيادة الرواتب أو إقرار علاوات للموظفين.

وأكّد الأمين العام المساعد لاتّحاد الشغل سامي الطاهري أنّ السلطة بصدد معاقبة المنظّمة الشغيلة، وأنّها “أعدمت وأوقفت كلّ علاقة مع الاتحاد”.

منذر ثابت: سامي الطاهري يفتعل الأزمة وهناك تهميش لاتحاد الشغل
منذر ثابت: سامي الطاهري يفتعل الأزمة وهناك تهميش لاتحاد الشغل

وقال في تصريح لإذاعة محلية “لو اكتفينا ببيان 26 يوليو 2021، لكنّا اليوم مبجّلين مكرّمين، ونُمنح القيمة والمكانة ذاتها التي تُعطى لأنصار المسار الذين يقومون بانتهاك أعراض النقابيين.. وبعضهم مقربون من بعض الوزراء ومن الحكومة”.

وتابع “ثمة حملة على اتحاد الشغل واضحة بالعين المجردة، والغاية منها ضرب سمعة المنظمة حتى يفقد الشعب ثقته بها، ولمواصلة ما قامت به النهضة منذ 2011”.

وأضاف “هذه السلطة لا تختلف عن غيرها، وهي سلطة تؤمن بالتمكين وبإضعاف الطرف الآخر”.

ودأبت الحكومات التونسية المتعاقبة منذ 2011 على إعطاء مساحة للتدخل السياسي لاتحاد الشغل ضمن مقاربة تقول إنها تشاركية لتقاسم الأعباء والنتائج. لكنها، حسب مراقبين، مهادنة وخشية من الثقل الاجتماعي للمنظمة الشغيلة القادرة على تحريك قطاعات واسعة تفرمل العمل الحكومي ما لم تتم الاستجابة لمطالبها أو اقتراحاتها. وتمثل الإضرابات القطاعية ومن ثم الإضراب العام أحد أهم الأسلحة التي تشهرها المنظمة الشغيلة في وجه الحكومات.

ويجمع متابعون للشأن التونسي على أن قدرات الاتحاد الذاتية والشعبية تراجعت، فخلال العشرية الماضية كانت المنظمة النقابية الأكثر تمثيلا في البلاد أشبه بحزب سياسي كبير، وأشرف الاتحاد على الحوار الوطني في 2013 الذي أفضى إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة مهدي جمعة، ومنذ ذلك الوقت كان حاضرا في التفاهمات التي تسبق أو تلي تشكيل أيّ حكومة، لكن الآن تغير المناخ السياسي وقطع الرئيس قيس سعيّد منذ إعلانه التدابير الاستثنائية في 25 يوليو 2021 مع تلك المقاربة، مشددا على أن دور المنظمة الشغيلة لا يتعدى العمل النقابي.

وأفاد المحلل السياسي منذر ثابت أن “الاتحاد تقليديا هو قيادة مسيّسة ومؤدجلة، كما أنها قريبة من تيارات اليسار العربي القومي، وهو يدفع اليوم ثمن هذا الدور السياسي لأنه حمّل نفسه أن يكون طرفا تحكيميا في الساحة، واتضح هذا الدور في 2013 غداة الاغتيالات السياسية ومكنه من الحصول على جائزة نوبل”.

على عكس السنوات الماضية، أصبحت تحركات المنظمة النقابية محدودة، بعد أن كانت تفرض على الحكومات تقديم التنازلات والقبول بشروطها

وأضاف لـ”العرب” أن “الأمر الآن مختلف مع سعيّد، لأن الرئيس قام بمراجعة كل الأمور في مسألة الحريات والأحزاب التي تمكنت من السلطة بعد 2011، واتحاد الشغل قطع مع منظومة ما قبل 25 يوليو وناصر المسار، لكنه لم يجد نفسه مع شريك يعترف بالدور التحكيمي للمنظمة ومرجع يتم اللجوء إليه أثناء الأزمات”.

وأردف ثابت “قيادة المنظمة لم تستوعب هذا الاختلاف ولم تفهم أن الرجل يتعامل مع مراكز القوى كمعطى طبيعي”، قائلا “أعتقد أن سامي الطاهري يفتعل الأزمة، حيث لا توجد أزمة بل توجد حالة تهميش للاتحاد من قبل السلطة، على الرغم من كونه منظمة ذات بعد اجتماعي ونقابي”.

وحملت الخطابات الأخيرة للأمين العام المنظمة نورالدين الطبوبي محاولات للبحث عن دور سياسي مفقود في المشهد بعد إجراءات الرئيس سعيّد في الخامس والعشرين من يوليو 2021، حيث عبر الطبوبي عن ضرورة اللجوء إلى الحوار لحل الأزمات العالقة بالبلاد، وفي مقدمتها أزمة نقابات التعليم ووزارة التربية التي اتخذت شكل صراع ذي صبغة سياسية بالوكالة بين اتحاد الشغل ورئاسة الجمهورية.

ودخل الاتحاد في معركة ليّ ذراع مع السلطة من خلال رفض قبول الحكومة السابقة التي كانت تقودها نجلاء بودن بشروط يطرحها صندوق النقد الدولي في مفاوضات متعثرة للموافقة على برنامج تمويل بنحو 1.9 مليار دولار تحتاجه تونس بشدة في مواجهة أزمة مالية طاحنة.

وأدت مبادرة الحوار التي دعا إليها اتحاد الشغل إلى توتر بين المنظمة النقابية والرئيس التونسي إثر التصعيد الذي أبدته المركزية النقابية بهدف دفع السلطة إلى الاعتراف بها شريكا سياسيا لرسم خارطة الطريق للمرحلة المقبلة، وهو ما يرفضه سعيّد ويرى فيه مساسا بشرعية مسار الخامس والعشرين من يوليو.

4