النزعة الحمائية تهدد التجارة العالمية الحرة

أولويات أخرى لدى القوى العظمى التي اضطلعت ببناء نظام التجارة الحرة طيلة سنوات ما يضع معظم اقتصادات الأسواق الصاعدة والنامية في موقف صعب.
الاثنين 2023/09/11
تراجع المبادلات بين القوى الكبرى أكبر مؤشر

واشنطن - تعطي تحذيرات المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية نغوزي أوكونغو إيويالا من العواقب السلبية للتراجع عن التجارة العالمية الحرة، دليلا على أن النزعة الحمائية المغلفة بطابع الحروب التجارية والتوترات الجيوسياسية باتت أحد معرقات النمو.

وتعرض الاقتصاد العالمي لهزّة كبيرة خلال السنوات الثلاث الماضية، والذي شهد الإغلاق الكبير وتوقف الإمدادات بسبب مخاوف انتشار كورونا، ثم جاءت الحرب في أوكرانيا مما ألقى بتصنيفات ائتمانية سلبية على الحكومات والشركات حول العالم.

وقالت أوكونغو إيويالا في مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية إن العواقب قد لا تكون واضحة في البداية مع عودة الأنشطة الصناعية في بعض الدول “لكن مع مرور الزمن سيتم الشعور بفقدان المنافسة بسبب ارتفاع الأسعار والتكاليف”.

وبعد عقود من التجارة العالمية المتنامية والعولمة بدأت تظهر بوادر في الوقت الراهن على بزوغ حركة مضادة تتمثل عواملها الأساسية في التوترات الجيوسياسية بين الولايات المتحدة والصين، بالإضافة إلى تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية.

وباتت لدى القوى العظمى التي اضطلعت ببناء نظام التجارة الحرة طيلة سنوات خلت وضمان استمراريته، أولويات أخرى، وهو ما يضع معظم اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية في موقف صعب.

نغوزي أوكونغو إيويالا: ليس صائبا أن يتم الإنتاج في مكان واحد ويعتمد عليه الجميع
نغوزي أوكونغو إيويالا: ليس صائبا أن يتم الإنتاج في مكان واحد ويعتمد عليه الجميع

وتعكف الولايات المتحدة والصين على تغيير النظام، مما يجعل البلدان الأخرى تنحاز إلى جانب دون الآخر في ظل تنامي المنافسة الجغرافية الإستراتيجية.

ويُعتبر التراجع الأخير في الصادرات والواردات الصينية مع الولايات المتحدة بمثابة مؤشرات على هذا التطور.

وثمة مثال على إعادة التفكير في سلاسل التوريد العالمية، يتضح من خلال المحاولات الرامية إلى إعادة المزيد من مراكز إنتاج الرقائق مرة أخرى إلى الولايات المتحدة وغرب أوروبا.

ويتضمن هذا المنحى المقلق هدفا يتمحور حول تقليص مخاطر قطع هذه السلاسل في ضوء التوترات مع الصين حول تايوان، حيث يأتي من هناك جزء كبير من أشباه الموصلات بالإضافة إلى جميع الرقائق الحديثة تقريبا.

وقالت أوكونغو إيويالا إن “من المحتم” في مثل هذه المواقف أن تتم إعادة تحويل سلاسل التوريد، مشيرة إلى أنه ليس من الصواب أن يتم إنتاج منتج بنسبة 90 في المئة في مكان واحد وأن يعتمد الجميع على هذا.

وأضافت "يجب أن نقلل التركيز في بعض الأماكن لكننا لا نريد أن نرى تغييرا في السلوك الاستثماري يُظهر أن التجارة لم تعد مترابطة بشكل وثيق".

وتعتقد الاقتصادية النيجيرية أنه في حال تحولت الاستثمارات وتعطلت سلاسل التوريد لن يكون من السهل إصلاح هذا، لكنها تأمل في ألا تؤدي التوترات الراهنة إلى تراجعات في التجارة بين الدول الكبيرة أو بين تكتلات الدول.

وأكدت أن هذا الأمر سيجعل الاقتصاد العالمي أقل مقاومة للأزمات، مشيرة إلى أن إثيوبيا تعتمد على سبيل المثال على القمح الوارد من أوكرانيا لكنها سرعان ما أوجدت البديل من الولايات المتحدة.

أما الأرجنتين عندما انقطعت التوريدات بسبب الهجوم الروسي في العام الماضي، فقالت "فوجئنا بشكل إيجابي من إثبات التجارة قدرتها على المقاومة".

وتبدو الاضطرابات الحالية في سلاسل التوريد “فرصة لدمج دول تم استبعادها سابقا”، وأوضحت أوكونغو إيويالا أن نقل القدرات التصنيعية حاليا من الصين أدى إلى ذهاب هذه القدرات في الغالب إلى الهند أو فيتنام أو إندونيسيا.

ومع ذلك تساءلت لماذا لا تنتقل هذه القدرات أيضا إلى بنغلاديش أو كمبوديا أو لاوس أو السنغال أو رواندا أو جنوب أفريقيا “عندئذ سنشهد نوعا آخر من العولمة يختلف عن العولمة التي رأيناها حتى الآن”.

وفي يونيو الماضي، أصدرت منظمة التجارة العالمية تقريرا حول أهمية حماية الانفتاح والاحتوائية في النظام التجاري متعدد الأطراف.

وأشار معدو التقرير إلى أن الانفتاح التجاري على عكس قيام جميع البلدان بحماية منتجيها ومنتجاتها، هو أفضل وسيلة للتخفيف من التكلفة الباهظة والمتنامية للحرب الروسية – الأوكرانية.

نايري وودز: الأولويات الجديدة للدول القوية تعني عالما أقل يقينا للدول النامية
نايري وودز: الأولويات الجديدة للدول القوية تعني عالما أقل يقينا للدول النامية

ويؤكد التقرير أن التجارة العالمية واصلت نموها العام الماضي رغم الحرب، على غرار التجارة في سلاسل الإمداد العالمية، التي سجلت نموا قدره 4 في المئة على أساس سنوي.

وتنبأ الخبراء من مؤلفي مجلة نيتشر في البداية بارتفاع أسعار الغذاء ووقوع الملايين في براثن الجوع بسبب الحرب، ولكن الأسواق العالمية نجحت بالفعل في الحفاظ على استقرار الأسعار خلال أزمة كوفيد.

وقالت نايري وودز، عميدة كلية بلافاتنيك للدراسات الحكومية بجامعة أكسفورد، في مقالة نُشرت على المنصة الإلكترونية لصندوق النقد الدولي قبل ثلاثة أشهر، “ربما يكون عدم الانحياز هو أفضل إستراتيجية للدول الأخرى ليس فقط لحماية مصالحها، وإنما لكبح القوى العظمى أيضا”.

وأكدت أن المشكلة الرئيسية الماثلة أمام الجميع تكمن في تحول القوى العظمى عن نظام التجارة الحرة الذي أنشأته، وإعادة ترتيب أولوياتها في ضوء المخاوف إزاء الأمن العالمي وتصاعد المطالب السياسية والاقتصادية المحلية.

وبالنسبة لاقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، فقد أصبح لهذه الأولويات دور متزايد في إعادة تشكيل النظام التجاري العالمي.

وترى وودز أن الأولويات الجديدة للدول القوية تعني عالما أقل يقينا إلى حد كبير بالنسبة للدول الأصغر والاقتصادات النامية.

وتعتقد أن الظروف الناشئة حاليا قد تؤدي إلى انقسام الاقتصاد العالمي إلى كتلتين متنافستين، حيث تتضح التداعيات في دراسة صدرت مؤخرا عن منظمة التجارة العالمية التي تتوقع تراجعا كبيرا في مستويات الرفاه.

والخشية الأكبر هي أن يستيقظ العالم بعد فوات الأوان على حقيقة تتمثل في انخفاضات تراكمية في مستوى الدخل الحقيقي تصل إلى نحو 12 في المئة ببعض المناطق، ويبلغ التراجع ذروته في المناطق الأقل دخلا.

10