تناقضات البرهان الأفريقية تكشف تذبذب حساباته السياسية

مساعي إيغاد والاتحاد الأفريقي لحل الأزمة السودانية تصطدم بمخاوف الجيش.
السبت 2023/09/09
ماذا تغير لينقلب البرهان على إيغاد

الخرطوم – يعتقد قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان أن تجميد جهود الوساطة الإقليمية والدولية لوقف الحرب في بلاده يمثل مكسبا سياسيا له، لأنه يعتبر العودة إلى طاولة المفاوضات ليست في صالحه، ويحاول عرقلة كل محاولة خارجية تسعى إلى تفكيك بعض العقد التي خلفتها الحرب مع قوات الدعم السريع.

وانتفضت وزارة الخارجية السودانية يومي الخميس والجمعة ضد تحركات حثيثة تقوم بها دوائر أفريقية مهتمة بوضع حد للحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع.

وردت على بيان توضيحي من الاتحاد الأفريقي حول لقائه مسؤولا رفيعا في قوات الدعم السريع (المستشار السياسي يوسف عزت) ووصفت البيان بـ”المتردي”.

وقالت إن “هذا السقوط من أحد كبار موظفي مكتب رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي يحتاج إلى مراجعة شاملة. ولن يكون غريبا أن تتسم قرارات بعض مكتب رئيس المفوضية بازدواج المعايير وخدمة أجندة”.

وأكد الاتحاد الأفريقي في بيانه أن مقاربته في السودان تتلخص في أنه يلتقي بمختلف الأطراف المدنية والعسكرية والاجتماعية، من أجل “التشاور معها وتشجيعها على السير بشجاعة وتبصر وحكمة صوب إيقاف الاقتتال المدمر للسودان والانخراط في مسلسل سياسي عبر حوار وطني جامع لا إقصاء فيه”.

وأصاب التوتر وزارة الخارجية السودانية عندما بدأت اللجنة الرباعية المنبثقة عن قمة الهيئة الحكومية لتنمية دول شرق أفريقيا (إيغاد)، والمعنية بإنهاء القتال ومعالجة الأزمة، نشاطا جديدا وعادت إلى بث هواجسها حيال رئاسة كينيا لهذه اللجنة، مع أن البرهان كان قد تحادث هاتفيا مع رئيسها وليام روتو قبل أيام.

ولوّحت في بيان لها الخميس بإمكانية إعادة النظر في جدوى الاستمرار في عضوية إيغاد، إنْ لم تتم الاستجابة لطلب تغيير كينيا، واستمدّ التلويح جديته من تنصل البرهان من أي عملية سياسية تقود إلى تسليم الجيش السلطة لحكومة مدنية.

وعاودت ورقة رفض رئاسة كينيا الظهور مرة أخرى بعد أسابيع من رفض سابق دون تقديم مبررات سوى أن نيروبي تقف موقفا محايدا وتستضيف قوى وأحزابا وشخصيات سودانية من مشارب مختلفة وتجري حوارات معها، ما ينعكس سلبا على موقف الجيش، ويوحي بأن كينيا تريد حلا عادلا للأزمة يضع الأمور في نصابها، ويعيد الأمن والاستقرار إلى السودان.

وقال الرئيس الكيني وليام روتو الثلاثاء إنه تحادث هاتفيّا مع البرهان، واتضح أنه “تراجع عن اتهام كينيا بالانحياز إلى طرف في الصراع”، وهو مستعد لانخراط إيغاد مع آخرين، بما في ذلك مصر ودول الجوار والسعودية وأميركا، في التنسيق بين مختلف المبادرات للوصول إلى حل.

قائد الجيش يثير الشكوك حول الاتحاد الأفريقي وإيغاد لقطع الطريق على أي دور سياسي يقومان به انطلاقا من حيادهما

ولم تعلق الخارجية السودانية على تصريحات الرئيس الكيني التي كشف فيها عمق التناقض الذي ظهر عليه البرهان، كما لم تلفت النظر آنذاك إلى أنها لم تتخل عن تحفظاتها، ثم أعادت تكرار طلب سحب الرئاسة من كينيا، ما يشي بأن أولويات البرهان يتم ترتيبها حسب معطيات كل مرحلة، ولا يهم ما يكتنفها من ازدواجية فاضحة.

ويقول مراقبون إن قائد الجيش يريد إثارة شكوك كبيرة حول الاتحاد الأفريقي وإيغاد لقطع الطريق على أي دور سياسي يمكن أن يقوما به انطلاقا من حيادهما وتراكم خبراتهما، ويستشعر أن هذه الصيغة لن تكون مريحة له وقد تصب في صالح خصمه قائد الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) الذي يحتفظ بعلاقات جيدة مع غالبية الدول الأفريقية، ولا يمانع في التجاوب مع أي وساطة تضع حدا للحرب.

ويضيف هؤلاء المراقبون أن زيارة البرهان إلى جوبا قبل أيام لم تفلح في استمالة رئيس جنوب السودان سيلفاكير ميارديت إلى صفه، حيث تمسك بآلية إيغاد وفقا لما ارتضاه قادة الدول الأربع المخول لهم القيام بدور وساطة بين الطرفين المتصارعين.

واتهم بيان الخارجية السودانية نيروبي بالانحياز إلى قوات الدعم السريع، واستضافة قيادات تطاردها عقوبات دولية، في إشارة إلى زيارة يقوم بها إلى كينيا الرجل الثاني في الدعم السريع عبدالرحيم دقلو، الذي فرضت عليه الإدارة الأميركية عقوبات في المدة الأخيرة.

وخلا بيان أصدرته إيغاد عقب اجتماع عقدته الأربعاء في نيروبي اللجنة الرباعية، المكونة من كينيا وإثيوبيا وجيبوتي وجنوب السودان، من أي إشارة إلى حكومة السودان أو التشاور معها والحصول على موافقتها في الخطوات التي تنوي الهيئة اتخاذها بخصوص الأزمة السودانية، ما اعتبرته وزارة الخارجية “انتقاصا واضحا ومرفوضا لسيادة السودان”.

وبدأ قائد الجيش يعيد حساباته السياسية عقب خروجه من الخرطوم واتخاذ بورتسودان مقرا له وقيامه بجولات خارجية، معتقدا أنه تحرر من حصار قوات الدعم السريع على مدار نحو خمسة أشهر، وبات قادرا على عقد لقاءات مع مسؤولين كبار.

ويتصور البرهان أن فرض عقوبات على قيادات في الدعم السريع سيعزز موقفه السياسي، بينما قللت تفسيرات أميركية من ذلك وحصرت الخطوة في الشق المعنوي، معتبرة أنها لا تعني أن كبار الجنرالات بعيدون عن سلاح العقوبات، فالانتهاكات التي تحدثت عنها تقارير أممية وأميركية في إقليم دارفور لا تستثني عناصر في الجيش السوداني.

وفي ظل استمرار الجمود الذي يخيم على الوساطة السعودية – الأميركية وتعثر منبر جدة التفاوضي يمكن أن تشهد جهود اللجنة الرباعية زخما في الفترة المقبلة، تستعيد من خلاله إيغاد جوانب من الدور السياسي الحيوي الذي قامت به بعد سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير، وأسهم في توقيع وثيقة دستورية بين المؤسسة العسكرية وقوى مدنية، كانت قاعدة اعتمدتها إدارة المرحلة الانتقالية قبل انقلاب البرهان عليها.

وتحفظ بيان الخارجية السودانية على موقف إيغاد بسبب أنها تتعامل مع الجيش وقوات الدعم السريع على قدم المساواة، متجاهلا أن هذا موقف تتبناه غالبية القوى الإقليمية والدولية في الحرب الجارية بين الطرفين، ولم تنجح تحركاته في حضها على تبني موقف منحاز إلى البرهان، كي لا تفقد صدقيتها في السعي لتسوية الأزمة.

وتصطدم جهود الاتحاد الأفريقي وإيغاد بتخوف قادة الجيش من أن يؤدي تحركهما إلى بلورة رؤية تلقى توافقا من عدة جهات، ما يجبر البرهان ورفاقه على الاعتراف بفشل مخططهم في الاستحواذ على السلطة وانهيار عملية تمهيد الطريق لعودة فلول البشير.

1