تصعيد نقابة الصحافيين في تونس ضد السلطة السياسية يثير شكوكا حول خلفياته

وجه نقيب الصحافيين في تونس محمد ياسين الجلاصي انتقادات حادة للسلطة التي اتهمها بوضع اليد على الإعلام العمومي، ويثير الهجوم من حيث توقيته تساؤلات حول ما إذا كانت للأمر علاقة باقتراب موعد المؤتمر السادس للنقابة والثامن والعشرين للمهنة.
تونس - عادت نقابة الصحافيين التونسيين إلى توجيه سهام نقدها إلى السلطة السياسية، متهمة إياها بـ“وضع اليد” على قطاع الإعلام العمومي واعتماد سياسة “التضييق الممنهج”.
ويعتقد البعض أن تصعيد النقابة، بعد فترة هدوء نسبي، لا يخلو من حسابات متداخلة، بعضها في علاقة باقتراب موعد انعقاد المؤتمر السادس للنقابة الشهر المقبل، حيث يسعى المكتب التنفيذي الحالي إلى التغطية على “إخفاقاته” من خلال التصويب على السلطة القائمة.
وهناك حالة من التململ في أوساط الصحافيين في تونس تجاه النقابة التي يرون أنها ركزت على الصراع السياسي مع السلطة، مهملة باقي الملفات الملحة ومنها الأوضاع المهنية والاجتماعية داخل المؤسسات الإعلامية لاسيما الخاصة.
ويقول متابعون إنه لا يمكن الحديث عن حريات فيما يعاني معظم الصحافيين من ظروف صعبة، فضلا عن تعرض العديد منهم للطرد والتسريح، وهناك من يبقى بدون راتب لأشهر، لكن النقابة تتمسك بخطاب كلاسيكي عن الحريات.
وقال النقيب محمد ياسين الجلاصي في مؤتمر صحفي “هناك حالات رقابة ممنهجة لوضع اليد على وسائل الإعلام، خاصة العمومية“.
وأضاف الجلاصي أنه تم “تسجيل حالات رقابة في مؤسسات التلفزيون الحكومي ووكالة الأنباء الحكومية وصحيفة لابراس“. كذلك نددت النقابة بالملاحقات القضائية التي تطال صحافيين لغايات “سياسية“.
وكانت محكمة الاستئناف قضت بالسجن خمس سنوات في حق مراسل المحطة الإذاعية الخاصة “موزاييك أف أم” لكشفه معلومات حول عملية أمنية. وأوضح الجلاصي أن “هذه أقسى عقوبة يتم تسجيلها على الإطلاق ضد صحافي” منذ ثورة 2011.
ويرى صحافيون استطلعت “العرب” آراءهم أنه بالرغم من أن تصريحات الجلاصي تمس أحد التحديات التي تواجه قطاع الإعلام في تونس، فإن هناك تجاهلا لملفات أخرى لا تقل أهمية، لافتين إلى أن الاستمرار في تبني مواقف تصعيدية لن يزيد الوضع إلا تأزيما.
ويشير الصحافيون إلى أن على النقابة أن تخرج من حلقة التنديد والشجب، وأن تكون قوة اقتراح، وهو ما يفتقده المكتب التنفيذي الحالي.
ويوجه المكتب الحالي لنقابة الصحافيين انتقادات مستمرة للرئيس التونسي قيس سعيّد منذ الأشهر الأولى من إعلان مسار الخامس والعشرين من يوليو 2021، الأمر الذي جعل العلاقة بين الطرفين تشهد حالة من القطيعة، ما أثر على فرص فتح حوار صريح بات ملحا حول أوضاع الصحافيين.
وينظر قيس سعيد إلى نقابة الصحافيين على أنها جزء من منظومة مضادة تستهدفه، ويقول محللون تونسيون إن هذا الاعتقاد سائد، ويحتوي على وجهة نظر تبدو مفهومة من قبل كثيرين.
ويلفت هؤلاء إلى أن تصعيد النقابة عادة ما يترافق مع تصعيد للاتحاد العام التونسي للشغل، معتبرين أن تكرر الأمر يثير المزيد من المخاوف من حالة تبعية للمنظمة الشغيلة وحساباتها على الرغم من استقلالية المؤسستين.
وجاءت تصريحات الجلاصي بعد يومين من تصعيد بدأه الاتحاد العام التونسي للشغل، عقب فترة هدوء، حيث هدد أمينه العام نورالدين الطبوبي بالدخول في “تحركات نضالية دفاعا عن الحق النقابي وعن الحقّ في التفاوض حول المطالب المشروعة للشغالين العمال”.
وقال الطبوبي إن اتحاد الشغل لن يتخلى عن دوره الوطني والسياسي في ظل وجود أطراف، لم يسمّها، تسعى إلى سحب البساط من تحب أقدام المنظمة.
ورأى المحلل السياسي نبيل الرابحي أن “نقيب الصحافيين مقيد بأجندة سياسية معينة، ويصرح في التلفزة الوطنية التونسية كمرفق عمومي ثم يقول في إذاعات خاصة عكس ذلك، وعلى الصحافيين إنقاذ ما تبقى من النقابة”.
وأضاف الرابحي في تصريحات لـ”العرب” أن “التصعيد الأخير ضد السلطة السياسية يبدو مرتبطا باقتراب موعد المؤتمر العام”.
ونفى رمزي أفضال، عضو النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، أن يكون تصعيد النقابة مرتبطا بأي حسابات أو بالمؤتمر المقبل، قائلا “إن وضع الصحافة في تونس يشهد تدهورا خطيرا”.
وأضاف أفضال في تصريحات لـ”العرب”، “اليوم هناك تعنت من السلطة المركزية والجهوية وتراجع كبير في حرية الصحافة فضلا عن التهديدات التي يتعرض لها الصحافيون (آخرها الحكم الصادر بحق خليفة القاسمي الصحافي في إذاعة موزاييك الخاصة)”.
وأوضح أن “واقع الصحافة لا يطاق على غرار وضعية المؤسسات الإعلامية المصادرة (إذاعة شمس الخاصة ودار الصباح)”.
واستطرد قائلا “لن نسكت عن هذا الواقع في القطاع والنقاشات مازالت متواصلة، فضلا عن لقاءات مع مختلف الفاعلين للضغط من أجل المحافظة على هذا المكسب”.
واعتبر عضو النقابة أنه “يوجد إقصاء ممنهج لأصوات المعارضة في المرفق العمومي”، مجددا التأكيد على أن “هذا التصعيد لا علاقة له بالمؤتمر الذي هو سيد نفسه لاختيار مكتب تنفيذي”.
وأعلنت النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين في وقت سابق من الأسبوع الجاري عن عقد المؤتمر السادس للنقابة والثامن والعشرين للمهنة يومي السادس والسابع من أكتوبر المقبل في العاصمة تونس.
وأفادت نقابة الصحافيين، في بلاغ لها، بأن فتح باب الترشح لعضوية المكتب التنفيذي ينطلق يوم 6 سبتمبر الجاري ويتواصل إلى غاية الـ21 من الشهر نفسه. وبخصوص شروط الترشح أوضحت أنه يترشح لعضوية المكتب التنفيذي للنقابة كل عضو حامل لخمسة انخراطات متتالية كعضو عامل، آخرها انخراط سنة المؤتمر (كما ينص على ذلك القانون الأساسي للنقابة).