بوادر انفراج أزمة انقطاع الكهرباء في ليبيا

العاصمة طرابلس تستعيد البعض من بريقها مع استقرار الإمدادات.
الاثنين 2023/09/04
لا ينقصكم سوى جهاز تلفزيون وتكتمل متعة الإنارة!

يستبشر الليبيون بانفراج أزمة الكهرباء مع نجاح السلطات في طرابلس باجتياز أشهر الصيف دون تسجيل حالات انقطاع التيار عن السكان أو المحلات، الأمر الذي يعطي بارقة أمل في انتهاء معاناة المستهلكين في حال لم تعكر الخلافات آفاق تأمين الإمدادات.

طرابلس - تبدد يأس الليبيين قليلا بشأن قدرة السلطات على الالتزام بكبح العجز المتفاقم في توفير إمدادات الكهرباء مع تخطي عقبة الانقطاعات، التي كانت سائدة خلال أكثر من عقد لاسيما في الأشهر الأكثر حرارة خلال العام.

وللمرة الأولى منذ زمن بعيد، عاش الليبيون موسم صيف من دون انقطاعات مزمنة في التيار الكهربائي كما كانت الحال في السنوات السابقة، وأعادوا اكتشاف عاصمتهم طرابلس وحدائقها العامة المضاءة ليلا بفضل استقرار الشبكة بعد عقد من الاضطرابات.

ويساهم الاستقرار في الشبكة الكهربائية، الذي يشكل العنوان الرئيسي في برنامج "عودة الحياة" الذي أقرته حكومة عبدالحميد الدبيبة، في إعادة البريق إلى طرابلس الملقبة بـ"عروس البحر المتوسط" بسبب واجهتها البحرية التي كانت تطلى سابقا بالكلس.

وعادة ما واجه الليبيون معضلة تطل برأسها مع كل صيف منذ 2011 تتمثل في تقلص إمدادات الكهرباء مع تصاعد التحذيرات في كل مرة من أن المحطات ستتوقف وستتعرض للضرر ما لم تحصل الشركة الحكومية على شحنات الغاز المتعاقد عليها لتشغيلها.

وكانت الأزمات المتواصلة للكهرباء بسبب الشبكة المتداعية والمتضررة من الاشتباكات بين الفصائل المسلحة وعمليات النهب، جزءا لا يتجزأ من يوميات الليبيين منذ سقوط نظام الزعيم السابق معمر القذافي.

الشركة العامة للكهرباء ظلت طيلة عشر سنوات تقنن التيار خلال ذروة الاستهلاك شتاء وصيفا
◙ الشركة العامة للكهرباء ظلت طيلة عشر سنوات تقنن التيار خلال ذروة الاستهلاك شتاء وصيفا

وبعدما حكم القذافي البلد النفطي، الذي يحوز على أكبر احتياطات من الوقود الأحفوري في أفريقيا، لأكثر من أربعة عقود، ترك وراءه بنى تحتية متقادمة واقتصادا يعتمد بشكل مفرط على النفط ويدا عاملة غير مؤهلة جدا.

وللمحافظة على الشبكة، كانت الشركة العامة للكهرباء الحكومية تلجأ في السنوات العشر الأخيرة إلى تقنين التيار لفترات خلال ذروة الاستهلاك صيفا وشتاء.

لكن مع تعيين إدارة جديدة في الشركة خلال يوليو 2022 وإقرار خطة إعادة هيكلة لها ترافقت مع هدوء نسبي بعد اشتباكات استمرت لسنين، تحسنت التغذية الكهربائية بوضوح.

وما دعّم هذا الاتجاه هو مباشرة شركات أجنبية اطمأنت على ما يبدو إلى الوضع في ليبيا، مجددا مشاريع علقت على مدى سنوات.

وتعثرت مشاريع العديد من الشركات الأجنبية، بينها كورية وألمانية، لإنشاء محطات كهرباء جديدة بالبلاد، كان تم التعاقد عليها قبل العام 2011، وتتخطى قيمة إنتاجها 4 آلاف ميغاواط.

وفي نوفمبر 2018، توصلت السلطات الليبية إلى اتفاق مع مجموعة إيني النفطية الإيطالية، لدعم مشاريع الكهرباء في البلاد.

وكانت مجموعة سيمنز الألمانية قد فازت في ديسمبر 2017، بصفقة بناء محطتين للكهرباء تعملان بالغاز في ليبيا.

وحتى العام الماضي، كان الانقطاع يستمر أحيانا لعشرين ساعة متواصلة في العاصمة طرابلس، فيما الوضع لا يحتمل من دون مكيفات هواء مع تجاوز الحرارة صيفا الأربعين درجة مئوية.

واضطر السكان إلى التكيف مع ذلك، فقد استثمر كثيرون في بطاريات تكلف بضع عشرات من الدولارات، وتسمح بتشغيل جهاز التلفزيون أو مصباح أو مصباحين ووصلة إنترنت بسيطة.

أما ميسورو الحال منهم فقد اشتروا مولدات كهرباء قوية، لكنها تتسبب بضجيج مزعج وبتلوث وتستهلك الكثير من الوقود قد تصل كلفته إلى الآلاف من الدولارات.

وكان الكثير من الجزارين ومتاجر الحلويات والمثلجات يواجهون صعوبة في احترام سلسلة التبريد، كما عانى أصحاب ورشات النجارة وتصليح السيارات والحدادة من صعوبات توفيق أعمالهم.

◙ انقطاعات مزمنة في التيار الكهربائي رغم كثرة المولدات
◙ انقطاعات مزمنة في التيار الكهربائي رغم كثرة المولدات 

ويقول مؤيد الزياني، صاحب محل لحوم، لوكالة فرانس برس "الحمد لله، الوضع في تحسن ويلاحظ ذلك الزبائن (..) فحتى مع وجود مولد، يضعف أداؤه وتضعف الثلاجات وتفسد اللحوم إذا استمر تشغيله أكثر من عشر ساعات".

وتؤكد حنان الميلادي، التي تبيع عبر الإنترنت حلويات لحفلات الزواج والأعياد، أن "السنوات الماضية كانت صعبة للغاية بالنسبة للمواطن ولي شخصيا".

واستطردت "لقد كانت كارثة بمعنى الكلمة خاصة مع انقطاع الكهرباء وطرح الأحمال من قبل شركة الكهرباء لحماية الشبكة".

وتضيف الميلادي وهي أرملة تعيل ثلاثة أطفال وتبلغ 43 عاما "تصوروا ما يحدث عندما تنقطع الكهرباء وعندي طلبية لم أكملها بعد! والأصعب أننا لا نعرف متى تنقطع الكهرباء ومتى تعود".

وتستورد ليبيا الطاقة من مصر بحدود 75 ميغاواط، ويوجد اتفاق مع تونس للتزود بنحو 100 ميغاواط، إضافة إلى وجود وحدتين تم تركيبهما غرب طرابلس قبل سنوات تنتجان كهرباء في حدود 60 ميغاواط.

وتعلن الشركة العامة للكهرباء المملوكة للدولة بانتظام عن تجهيزات جديدة في محطات توليد الكهرباء في البلاد البالغ عددها حوالي عشرين.

◙ كلفة الكهرباء بالبلاد الأدنى في المنطقة إذ تبلغ سنتا أميركيا واحدا للكيلواط/ساعة للأفراد و4 سنتات للمحلات

لكن هذا الأمر لم يحل خلال موجة القيظ في يوليو الماضي دون سماع هدير المولدات مجددا في المدينة إثر أعطال متفرقة ومشاكل تتعلق بالحرارة المرتفعة.

ومنذ توقف الاقتتال في عام 2020 وتشكيل حكومة انتقالية خلال عام 2021 في طرابلس، انكبت البلاد البالغ عدد سكانها سبعة ملايين نسمة والغنية بالمحروقات، على ورشة إعادة البناء.

ويقول محمد رحومي، المنسق الإعلامي في مجموعة للحلويات، "من الواضح أن الاستقرار الإداري للشركة (العامة للكهرباء) أثر على استقرار الشبكة وأيضا الاستقرار الأمني خلال هذه السنة".

وأوضح أن كل هذه العوامل لها دور في استقرار الشبكة الكهربائية. لكن للمواطنين أيضا دورا يؤدوه وهو تقليل الاستهلاك ودفع الفواتير.

وتعتبر كلفة الكهرباء في ليبيا من الأدنى في المنطقة وتبلغ 0.05 دينار (سنتا أميركيا واحدا) للكيلواط/ساعة للأفراد و0.2 دينار (4 سنتات) للمحلات.

وبسبب توقف انقطاع الكهرباء شهد كورنيش طرابلس خلال ليالي أغسطس الماضي ازدحاما كبيرا للسيارات والناس يذكر بأيام خلت كانت فيها الحياة تدب على مدار اليوم دون توقف.

ويؤكد عبدالمالك فتح الله، وهو نادل في وسط المدينة يبلغ الثالثة والأربعين، أن جهود الحكومة الحالية (الدبيبة) واضحة وملموسة.

ولكنه قال إنه بسبب “كل ما عشناه في السنوات الماضية لا يزال المواطن يترقب خوفا من أن يحدث شيء في أي وقت، لأن الوضع لا يزال غير مستقر من الناحية الأمنية".

ويضيف “من الممكن جدا أن تندلع اشتباكات بين المجموعات المسلحة في أي وقت، وفي كل مرة تحدث اشتباكات تتضرر ممتلكات المواطنين وأيضا محطات الكهرباء وبنيتها التحتية بسبب القصف العشوائي".

وحصلت اشتباكات كهذه في منتصف أغسطس الماضي وكانت الأخطر بين المجموعات المسلحة منذ سنة في طرابلس، وأسفرت عن سقوط 15 قتيلا و146 جريحا.

10