غربة الشعراء

في أحد مستشفيات أبوظبي، أعلن في الأول من سبتمبر 2023 عن وفاة الشاعر الكبير كريم العراقي الذي ترك وراءه رصيدا ثريا من القصائد والأغاني والمسرحيات والأعمال الفنية والأدبية الموجهة للأطفال، بوّأه ليحتل مكانة مهمة في سجّل المؤثرين الأساسيين في تشكيل وجدان الملايين من العرب منذ سنوات مضت وإلى ما يشاء الله من عقود وربما قرون قادمة.
عاش كريم تجربة الغربة منذ بداية تسعينات القرن الماضي، وقد عرفته عندما أقام في تونس مدة من الزمن قبل أن تتعدد محطات تنقلّه بين عمّان وبيروت والقاهرة والدار البيضاء ودبي وأبوظبي وصولا إلى دولة السويد، حيث ضم اسمه إلى قائمة لا تنتهي من الشعراء الذين دفعتهم أقدارهم وأفكارهم وظروف الحياة واستبداد الحكام إلى السفر والعيش والموت بعيدا عن العراق.
في أبريل الماضي توفي الشاعر كاظم السعدي في مدينة أربيل بكردستان التي لجأ إليها بعد أن وجد نفسه بلا مأوى في العاصمة بغداد، وفي مايو 2022 لفظ الشاعر مظفر النواب أنفاسه الأخيرة في مستشفى الشارقة التعليمي بدولة الإمارات.
قبل ذلك، توفي الشاعر الكبير سعدي يوسف يوم 13 يونيو 2021 في العاصمة البريطانية لندن، وفي الشهر الموالي، غيب الموت الشاعرة لميعة عباس عمارة في الولايات المتحدة عن عمر ناهز 92 عاما، بعد أن عاشت غربة الزمان والمكان في منفاها الاختياري بعيدة عن وطنها وقومها وعبق التاريخ والحضارة في بلاد الرافدين.
في نوفمبر 2015 أعلن عن وفاة الشاعر المقيم في عمّان منذ سنوات عبدالرزاق عبدالواحد عن عمر ناهز الـ85 عاما، بعد تردي حالته الصحية في أحد مستشفيات باريس.
وفي يونيو 2007 توفيت الشاعرة نازك الملائكة في القاهرة عن عمر ناهز الـ84 عاما بعد معاناة طويلة مع المرض، وفي أكتوبر من ذات العام، غيَّب الموت الشاعر سركون بولص عن عمر ناهز 63 عاما بعد صراع مع المرض في أحد مستشفيات العاصمة الألمانية برلين.
وفي أغسطس 1999 أعلن عن رحيل الشاعر عبدالوهاب البياتي في العاصمة السورية دمشق، وهو القائل "نحن من منفى إلى منفى ومن باب لباب، نذوي كما تذوي الزنابق في التراب، فقراء، يا وطني نموت وقطارنا أبدا يفوت…".
وفي دمشق كذلك، توفي الشاعر محمد مهدي الجواهري يوم 27 يوليو 1997 دون أن يوصي بدفنه في بلده، فووري التراب في مقبرة الغرباء بالعاصمة السورية، وكتب على قبره "يرقد هنا بعيدًا عن دجلة الخير"، في إشارة إلى قصيدته "حييت سفحك عن بعد فحييني / يا دجلة الخير، يا أم البساتين".
وأما الشاعر بلند الحيدري فقد توفي في لندن يوم 6 أغسطس 1996 على إثر عملية جراحية على القلب لم تكلل بالنجاح، وحتى الشاعر بدر شاكر السياب فإنه لفظ أنفاسه الأخيرة يوم 24 ديسمبر 1964 بالمستشفى الأميري في الكويت.
كأن الشاعر الفلسطيني محمود درويش يقول "الشعر يولد في العراق، فكن عراقيا لتصبح شاعرا يا صاحبي"، ويبدو أن شروط الشعر عند العراقيين أن يعيش صاحبه غريبا وأن يموت غريبا في انتظار يوم لا يجد فيه الشاعر العراقي نفسه مجبرا على مغادرة وطنه بسبب رأي أو موقف أو عقيدة أو بحثا عن مساحة للحرية والانطلاق.