الشركات الحكومية تغذي فورة الإنفاق الخليجي على الصفقات الدولية

50 مليار دولار حجم الصفقات التي أبرمتها هذه الكيانات في 2023.
السبت 2023/09/02
مجرد واجهة لمفاجآت استثمارية أكبر!

تركز دول الخليج العربي على توجيه المزيد من الصفقات الدولية عبر الشركات المدعومة من الدولة بدلا من صناديقها السيادية، حيث تسعى لتنويع اقتصاداتها وكسب المزيد من الثقل العالمي، في تحول استباقي لكسب رهان الريادة العالمية في الاستثمار.

دبي - شاركت الشركات التي تديرها حكومات الخليج العربي والتي يحظى الكثير منها بدعم صناديق الثروة في صفقات بقيمة 50 مليار دولار على الأقل هذا العام إلى جانب مليارات من الدولارات من الاستثمارات السيادية.

وشملت الاستثمارات قطاعات مختلفة على رأسها الاتصالات ومشاريع الطاقة المتجددة وأيضا الألعاب الإلكترونية والتكنولوجيا المالية وغيرها.

ومع استمرار فورة الاستثمار العالمية لصناديق الثروة، فمن المرجح أن يتم تنفيذ المزيد من الصفقات الإستراتيجية عبر أكبر الشركات في المنطقة مثل مصدر للطاقة النظيفة في أبوظبي ومجموعة الإمارات للاتصالات وشركة معادن السعودية.

واشترت شركة بيور هيلث المملوكة بحصة أغلبية لشركة أبوظبي القابضة (أي.دي.كيو) هذا الأسبوع واحدا من أكبر مشغلي المستشفيات المستقلة في المملكة المتحدة في صفقة بقيمة 1.2 مليار دولار.

التحول إلى الخارج يسلط الضوء على كيفية سعي حكومات المنطقة لتحقيق طموحاتها وسط فرص توسع محدودة في الداخل

كما استحوذت شركة تأجير الطائرات السعودية أفيليس على أعمال تمويل الطيران التابعة لشركة ستاندرد تشارترد مقابل 3.6 مليار دولار.

ويسلط التحول في عقد الصفقات الضوء على كيفية سعي حكومات الخليج لتحقيق طموحاتها الدولية الضخمة، مع إنشاء شركات عالمية كبرى وسط فرص توسع محدودة في الداخل.

وتتوافق هذه الجهود مع خطط أوسع لجذب الاستثمار والتكنولوجيا، فضلا عن بناء صناعات وقدرات تصنيعية جديدة. وتحاكي هذه الإستراتيجية مثال بلدان مثل كوريا الجنوبية، حيث أصبحت شركات مثل سامسونغ للإلكترونيات أسماء مألوفة.

وقال حمزة جيراش الرئيس المشارك للخدمات المصرفية في الشرق الأوسط وأفريقيا في سيتي غروب لوكالة بلومبرغ “يتم تمكين الشركات في المنطقة، وخاصة في السعودية والإمارات، من قبل داعميها السياديين للخروج والسعي إلى معاملات تحويلية”.

وأضاف “هذا هو أكبر تحول نشهده عندما يتعلق الأمر بإبرام الصفقات في الشرق الأوسط، وهو ظهور هذه الشركات التي تسعى للنمو في الخارج وتحرص على التوسع من خلال عمليات الاستحواذ.”

نقطة التحول

حمزة جيراش: أكبر تحول هو جعل هذه الكيانات تتوسع من خلال الاستحواذات
حمزة جيراش: أكبر تحول هو جعل هذه الكيانات تتوسع من خلال الاستحواذات

خلال العام الماضي، تحول العديد من صانعي الصفقات في العالم إلى صناديق الثروة الخليجية التي تسيطر بشكل جماعي على ما لا يقل عن 3 تريليونات دولار من الأصول لتكون مصدرًا رئيسيًا للتمويل مع تراجع الآخرين.

وارتفع معدل إبرام الصفقات في الشرق الأوسط بنسبة 39 في المئة العام الماضي، مدفوعاً بالصناديق السيادية والشركات في المنطقة، وفقا لتقرير صادر عن شركة باين آند كو ويقارن ذلك مع تراجع بنسبة 12 في المئة في نشاط الاندماج والاستحواذ العالمي.

ويقضي المصرفيون في وول ستريت الآن المزيد من الوقت في بناء العلاقات مع بعض الشركات الكبرى في منطقة الخليج بدلاً من تركيز كل جهودهم على صناديق الثروة.

وقامت العديد من هذه الشركات مؤخرًا بتعيين فرق إدارية جديدة تتمتع بعقد الصفقات وعلاقات المستثمرين والخبرة المالية لتنفيذ عمليات الاستحواذ.

وحتى الآن، شملت عمليات الاستحواذ التي قامت بها الصناديق السيادية في الشرق الأوسط إلى حد كبير حيازات الأقلية.

وتسمح الصفقات التي تجريها الشركات المدعومة من الدولة للشركات بالحصول على حصص مسيطرة واكتساب المزيد من النفوذ في الأعمال التجارية من خلال مقاعد مجلس الإدارة وحقوق التصويت.

وتتعاون بعض الشركات مثل أدنوك أيضا مع شركاء دوليين لإنجاز الصفقات.

وقال آندي كيرنز المدير الإداري ورئيس أسواق رأس المال في الشرق الأوسط وأفريقيا في شركة هوليهان لوكي “يحتل المستثمرون في الشرق الأوسط الصدارة بشكل متزايد في عمليات البيع الدولية”.

المصرفيون في وول ستريت يقضون الآن المزيد من الوقت في بناء العلاقات مع بعض الشركات الكبرى في منطقة الخليج بدلاً من تركيز كل جهودهم على صناديق الثروة

وفي الوقت نفسه، تراقب الأطراف الدولية الكيانات من الشرق الأوسط كشركاء جذابين في المزيد من المواقف.

وفي أبوظبي التي تدير نحو 1.5 تريليون دولار من الثروات السيادية وتعد موطناً لصناديق مثل هيئة أبوظبي للاستثمار وشركة مبادلة للاستثمار، فإن التوسع الدولي مدفوع بطموح الحكومة لتحقيق الريادة العالمية في مجال الاستثمار.

ويسلط العرض الذي نظر فيه بنك أبوظبي الأول والذي يرأسه الشيخ طحنون بن زايد لشراء بنك ستاندرد تشارترد البريطاني في وقت سابق من هذا العام الضوء على حجم طموحات الشركات في المنطقة والدول الغنية التي تدعمها.

واستكشفت الكيانات المرتبطة به أيضا العروض المحتملة لشراء بنك الاستثمار الصغير لازارد وفرع بنك وادي السيليكون في المملكة المتحدة بعد انهياره، مما أظهر تطلعات أبوظبي إلى لعب دور أكبر على الساحة المالية الدولية.

وفي أبريل الماضي، تعاونت مبادلة مع شركة الذكاء الاصطناعي في أبوظبي جي42 للاستحواذ على سلسلة عيادات غسيل الكلى الأوروبية التابعة لمجموعة بريدجوينت بي.أل.سي ديافيروم.

وكان الكيان الذي يسيطر عليه أيضًا جزءًا من صفقة مع الملياردير المصرفي خايمي جيلينسكي للاستحواذ على أكبر شركة لتصنيع المواد الغذائية في كولومبيا غروبو نوتريسا.

التركيز على الطاقة

آندي كيرنز: مستثمرو المنطقة يتصدرون بشكل متزايد عمليات البيع الدولية
آندي كيرنز: مستثمرو المنطقة يتصدرون بشكل متزايد عمليات البيع الدولية

تستخدم العديد من الشركات التي تديرها حكومات الخليج مجموعات كبيرة من رأس المال لإنجاز الصفقات بما في ذلك المتعلقة بقطاع الطاقة.

وأفادت بلومبرغ أن أدنوك تستعد لزيادة عرضها غير الرسمي لمجموعة الكيماويات الألمانية كوفيسترو أي.جي إلى نحو 11.6 مليار يورو (12.7 مليار دولار) من عرض سابق بقيمة 11 مليار يورو.

وتبحث شركة الطاقة العملاقة المملوكة لحكومة أبوظبي عن صفقات للتنافس بشكل أفضل مع وحدة سابك للكيميائيات التابعة لشركة أرامكو السعودية، ولتطوير عمليات الشركة في مجال الصناعات التحويلية والطاقة المتجددة.

وتجري أدنوك كذلك محادثات منفصلة مع شركة أو.أم.في النمساوية بشأن اندماج محتمل لشركتين تدعمهما بروج بي.أل.سي وبورياليس لتشكيل شركة للمواد الكيميائية والبلاستيك تبلغ قيمتها أكثر من 30 مليار دولار.

وفي الوقت نفسه، تسعى شركة الاتصالات إي آند الإماراتية، التي تبلغ قيمتها 60 مليار دولار، لاتباع إستراتيجية توسع طموحة بعد أن أصبحت أكبر مساهم في مجموعة فودافون البريطانية للاتصالات.

وتم تفويض إي آند من قبل حكومة أبوظبي لاقتناص الصفقات المهمة، وعينت المدير التنفيذي السابق لمورغان ستانلي إيليا كيكوف رئيسًا لعمليات الاندماج والاستحواذ.

شركة الطاقة العملاقة المملوكة لحكومة أبوظبي تبحث عن صفقات للتنافس بشكل أفضل مع وحدة سابك للكيميائيات التابعة لشركة أرامكو السعودية

ووافقت الشركة مؤخرًا على دفع نحو 2.15 مليار يورو مقابل الحصول على حصة مسيطرة في بعض أصول مجموعة مجموعة بي.بي.أف في أوروبا الشرقية.

كما تتوسع الشركات المملوكة للدولة في السعودية. وقامت أس.تي.سي في أبريل الماضي بأول دخول لها إلى أوروبا عندما وافقت على شراء محفظة أصول الأبراج من المجموعة المتحدة مقابل 1.22 مليار يورو.

كما بذلت الرياض جهودًا لنشر ثروتها الهائلة في صناعة التعدين العالمية في يوليو الماضي، عندما وافق صندوق الاستثمارات العامة ومعادن على شراء حصة في وحدة المعادن الأساسية التابعة لشركة فال.

ويقوم صندوق الثروة السعودي بتمويل الشركات في الوقت الذي يتعمق فيه أكبر اقتصاد عربي في قطاعات من الرياضة والسياحة من خلال سلسلة من عمليات الاستحواذ رفيعة المستوى.

ويستخدم الصندوق ذراعه سافي للألعاب، التي أسسها مطلع 2022 لإنفاق المليارات لشراء منظم بطولات الرياضات الإلكترونية إي.أس.أل وناشر الألعاب غير الرسمية سكوبولي وحصة في شركة نورديك امبرسر، مما يترك بصمته في صناعة ألعاب الفيديو.

تدارك العثرات

ميليسا فوربس ميراندا: ثمة بصمة من حيث القدرة على اكتشاف فرص السوق المربحة
ميليسا فوربس ميراندا: ثمة بصمة من حيث القدرة على اكتشاف فرص السوق المربحة

تنظر دول المنطقة إلى وضع أسس جديدة لتدارك عثراتها الاستثمارية حيث كانت في محاولات التوسع الدولية الأخرى أقل نجاحا.

وقالت ميليسا فوربس ميراندا المحامية والشريكة في مجال الاندماج والاستحواذ في ستيفنسون هاروود ومقرها دبي “أصبحت فرق عقد الصفقات أكثر تطورا بكثير مع تاريخ مؤسسين مثير للإعجاب”.

وأضافت “ثمة بصمة من حيث القدرة على اكتشاف فرص السوق المربحة عبر مختلف القطاعات والمناطق الجغرافية”.

ورجحت ميراندا أن يزداد تأثير الشركات المدعومة من صناديق الثروة السيادية في عقد الصفقات العالمية بشكل كبير خلال العقد المقبل وما بعده.

وكان البنك الأهلي السعودي المملوك بنسبة 37 في المئة لصندوق الثروة يعتزم استخدام استثماره في كريدي سويس لتوسيع أعماله في إدارة الثروات والخدمات المصرفية الاستثمارية داخل السعودية وعلى مستوى العالم.

لكن تعليقات رئيس مجلس الإدارة السابق للبنك الأهلي عمار الخضري على سلسلة من الأحداث للبنك السويسري أدت إلى انهياره.

وفي أبوظبي، انسحبت شركة الإمارات ستيل أركان المدعومة من الدولة في يوليو الماضي من استثمار محتمل في ذراع الصلب لشركة تسينكروب أي.جي رغم اتباعها طرقًا لتوسيع أعمالها مع شركاء مختلفين كجزء مما سمّته “إستراتيجية النمو الطموحة”.

ومع ذلك، فإن مثل هذه التجارب لا تردع طموحات أكبر الشركات في المنطقة، إذ تسعى شركة مصدر الإماراتية لاستقطاب شركات الطاقة في أماكن مثل الولايات المتحدة وأوروبا ومشاريع طاقة الرياح البحرية في آسيا، حيث تسعى لمضاعفة عملياتها هذا العقد.

ومع سعي أدنوك لشراء شركة براسكيم البرازيلية بالشراكة مع شركة أبولو غلوبال مانجمنت مقابل حوالي 7.6 مليار دولار وصفقة بقيمة ملياري دولار مع شركة بي.بي.بي.أل.سي لشراء شركة نيوميد الإسرائيلية، فمن المتوقع عقد المزيد من الصفقات الضخمة.

11