استمرار السجناء في إضرابهم عن الطعام يمثل تحديا للحكومة البحرينية

لا تزال قضية السجناء المضربين في سجن جو بالبحرين تثير تفاعلا واسعا، لاسيما مع رفض المضربين فك احتجاجهم، على الرغم مما أبدته السلطات من استعدادات لتقديم حزمة من الامتيازات. ويتمسك النزلاء بتنفيذ شروطهم كاملة، الأمر الذي يثير التساؤل: كيف ستتصرف الحكومة حيال هذا الوضع؟
المنامة - رفض سجناء مضربون عن الطعام في البحرين الامتيازات الإضافية التي قدمتها الحكومة وقرّروا تمديد احتجاجهم، الأمر الذي يشكل تحديا كبيرا للقيادة البحرينية، لاسيما في ظل تسليط منظمات حقوقية دولية الضوء على هذه القضية المتفاعلة.
ويشكل الإضراب الذي انطلق مطلع أغسطس الماضي أكبر تحرك احتجاجي في المملكة منذ سنوات، بعد أن نجحت السلطات البحرينية في احتواء موجة احتجاجات عنيفة في الشارع، بفضل مساعدة المملكة العربية السعودية.
وكانت السعودية على امتداد تاريخها حساسة للغاية تجاه الاضطرابات السياسية في البحرين لاسيما مع وجود قاعدة شيعية واسعة، وسبق وأن اتهمت الرياض سابقا منافستها طهران بإثارة تلك الاضطرابات.
وتقول جماعات حقوقية وعائلات السجناء إن نحو 800 سجين يضربون عن الطعام في سجن جو بالعاصمة المنامة بسبب ما يصفونها بالأوضاع القاسية هناك، وقالت الخميس إن السجناء رفضوا الامتيازات التي قدمتها الحكومة.
وأوضح سيد الوداعي مدير معهد البحرين للحقوق والديمقراطية “بناء على المحادثات مع السجناء بعد بيان وزارة الداخلية، من الواضح أن الإضراب عن الطعام سيستمر إلى أن تأخذ الحكومة مطالبهم على محمل الجد ونية حسنة”.
وقال الوداعي إن السجناء يطالبون بإنهاء عزل بعض المحكومين، وزيادة فترة التعرض لأشعة الشمس، وإقامة الصلاة في جماعة وتعديل ضوابط الزيارة والحصول على المزيد من الرعاية الطبية والتعليم.
وكانت الحكومة البحرينية أعلنت في وقت سابق عن استعدادها للالتزام بتنفيذ جملة من المطالب للنزلاء، لكنها لم تشر إلى أحد الشروط المتعلقة بإنهاء عزل محكومين، حيث أنها رفضت مرارا المزاعم بوضع سجناء في حبس انفرادي، وتؤكد أن الجميع سواسية في السجن.
كما أن لها احترازات على مطلب إقامة صلاة الجماعة بأعداد كبيرة، حيث أنه لا يتوافق مع معايير الأمن والسلامة التي يخضع لها سجن جو، ذلك أن عدد المصلين سيتطلب إجراءات أمنية خاصة للحفاظ على الأمن ومنع حدوث فوضى.
وقالت وزارة الداخلية الاثنين إنها تعتزم مضاعفة الوقت الذي يقضيه النزلاء يوميا في الهواء الطلق إلى ساعتين وزيادة مدة الزيارات العائلية ومراجعة معدلات المكالمات الهاتفية بعدما بدأ الإضراب عن الطعام في السابع من أغسطس.
وجاء البيان في أعقاب اجتماع لوزير الداخلية البحريني الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة برئيس المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان علي الدرازي ورئيسة مفوضية حقوق السجناء والمحتجزين والأمينة العامة للتظلمات غادة حبيب.
وتمت خلال الاجتماع مناقشة الخدمات الصحية المقدمة للسجناء من قبل المستشفيات الحكومية، ومراجعة نظام الزيارات وتطويره، وزيادة تعرفة الاتصال حيث أن هناك تنسيقا جاريا مع شركة الاتصالات لمراجعة هذا الأمر.
وأشاد الشيخ راشد بن عبدالله خلال اللقاء بالتعاون بين وزارة الداخلية ووزارة التربية والتعليم بشأن تقديم البرامج والخدمات التعليمية للسجناء، وتسهيل استكمال النزلاء لدراساتهم في كافة المراحل التعليمية، حيث تم التنسيق مع مجلس التعليم العالي لتسجيل 180 نزيلا في برامج الدراسات العليا في مختلف التخصصات لهذا العام.
وأكد وزير الداخلية البحريني أن نجاح برامج العقوبات البديلة والسجون المفتوحة أمر يساعد على زيادة النزلاء المستفيدين من تلك البرامج في المرحلة القادمة، وفقا لما يقدم من توصيات من الإدارة العامة للإصلاح والتأهيل.
ويعكس التحرك الحكومي في البحرين حجم القلق من استمرار السجناء في إضرابهم، خصوصا وأن المعارضة في الخارج تعمل على توظيفه بشكل يؤدي إلى ضرب صورة المملكة، وقد نجحت نسبيا في ذلك وهو ما يظهر في تصاعد أصوات دول حليفة للمنامة مثل الولايات المتحدة تنتقد أوضاع السجون في المملكة.
وأعربت الولايات المتحدة عن قلقها بشأن الوضع في سجون البحرين. وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية فيدانت باتل للصحافيين “نحن على علم ونشعر بالقلق إزاء التقارير المتعلقة بهذا الإضراب عن الطعام”.
وأضاف أن وزير الخارجية أنتوني بلينكن “أعرب عن قلقه بشأن بعض هذه التقارير” خلال اجتماع عقده مع نظيره البحريني عبداللطيف الزياني في 20 يوليو الماضي.
وحث باتل “البحرين على مواصلة إحراز تقدم في إصلاحات القضاء الجنائي وضمان احترام معايير حقوق الإنسان”.
وتنفي السلطات في البحرين ما يروّج عن استهداف المعارضة السياسية وتقول إنها تحمي الأمن القومي وتحاكم مرتكبي الجرائم وفقا للقانون الدولي، ورفضت الانتقادات الموجهة لسير المحاكمات وظروف الاحتجاز لبعض النشطاء.
وتشكك الحكومة في انضمام 800 سجين إلى الإضراب عن الطعام، وقالت الإدارة العامة للإصلاح والتأهيل في بيان أرسل عبر البريد الإلكتروني إلى رويترز إن عدد السجناء الذين أعلنوا إضرابهم عن الطعام “يبلغ 121 ولم يتجاوز أبدا في أيّ مرحلة 124”.
والبحرين هي المملكة الوحيدة في الخليج التي واجهت اضطرابات خطيرة خلال احتجاجات الربيع العربي واستمرت المظاهرات بأعداد أقل حتى عام 2013.
ومنذ ذلك الحين، حلت البحرين جماعات المعارضة الرئيسية التي تتهمها بخدمة أجندة إيرانية وحاكمت العديد من النشطاء فيما فر الكثيرون منهم إلى الخارج.
الحكومة البحرينية تعلن عن استعدادها للالتزام بتنفيذ جملة من المطالب للنزلاء، لكنها لم تشر إلى أحد الشروط المتعلقة بإنهاء عزل محكومين
وقالت الناشطة البحرينية في مجال حقوق الإنسان مريم الخواجة إن والدها عبدالهادي، وهو معارض بارز، نُقل إلى العناية الفائقة مرتين بعدما بدأ الإضراب عن الطعام وحُرم من كشف طبيب متخصص في أمراض القلب لعلاج حالته.
وذكرت أسرة أحمد جعفر، وهو سجين آخر، في بيان أنه وضع في الحبس الانفرادي بعدما بدأ الإضراب عن الطعام ونُقل إلى المستشفى في 27 أغسطس.
لكن الإدارة العامة للإصلاح والتأهيل أكدت أنها توفر للسجناء المشاركين في الإضراب إمكانية إجراء فحوصات طبية بشكل يومي.
وأضافت الإدارة التابعة للحكومة “لم يكن أيّ من السجناء المشاركين في الاحتجاج في حاجة إلى رعاية حرجة أو دخول المستشفى. وأيّ ادعاءات بغير ذلك كاذبة”.
وقالت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان إنها مستعدة لتقييم أوضاع السجون في البحرين وتقديم المشورة للسلطات بما يتماشى مع المعايير الدولية.
وفي السنوات الأخيرة نفّذت المملكة “إصلاحات واسعة النطاق في مجال العدالة الجنائية، بما في ذلك برنامج الأحكام البديلة وأحكام جديدة لقضاء الأحداث ومبادرة السجون المفتوحة”، بحسب الإدارة العامة للإصلاح والتأهيل، لكن منظمات حقوقية تعتبر أن ما تحقق على أهميته يبقى غير كاف.