عملية أمنية فلسطينية في الضفة: رسالة لإسرائيل وحماس

تمثل العملية التي نفذتها الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية قرب مخيم طولكرم الأربعاء، امتدادا لعمليات اعتقال طالت عددا من النشطاء ضمن الحركات المسلحة. وتسعى السلطة الفلسطينية إلى استعادة زمام المبادرة ضمن مناطق سيطرتها.
رام الله - نفذت أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية الأربعاء مداهمة أمنية لمخيم طولكرم أسفرت عن مقتل فلسطيني، في مسعى لاستعادة زمام المبادرة في الضفة الغربية التي باتت خارج سيطرتها الأمنية وتحت سطوة المسلحين الذين باتوا يستضعفونها.
ولاقت السلطة الفلسطينية خلال الأسابيع الماضية سيلا من الانتقادات الإسرائيلية التي تتهمها بالتقصير في القيام بواجباتها الأمنية في المناطق الخاضعة لسيطرتها أمام تعاظم سطوة الفصائل المسلحة.
ويرى محللون أن السلطة الفلسطينية وجهت من خلال العملية الأمنية رسائل سياسية إلى كل من إسرائيل والفصائل المسلحة المتحصنة خاصة داخل المخيمات، مفادها أنها تمسك بزمام المبادرة وليست متخاذلة كما تعتقد إسرائيل وليست ضعيفة كما تخال الفصائل.
ورغم أن سقوط قتلى يعد أمرا نادرا خلال الاشتباكات بين القوى الأمنية للسلطة الفلسطينية والفصائل المسلحة، إلا أن احتمال التصعيد ضد السلطة عقب الحادثة سيزيد من إضعاف السلطة الفلسطينية الباحثة عن استعادة موقعها المتراجع على الساحة الأمنية.
وقتل فلسطيني الأربعاء خلال مواجهات وقعت بين مسلحين فلسطينيين وأفراد من قوات الأمن الفلسطيني في مخيم طولكرم في شمال الضفة الغربية، في حين قالت الشرطة الفلسطينية إنها تحقق في ظروف مقتله.
السلطة الفلسطينية تريد أن ترد بقوة على أنشطة الفصائل في الضفة الغربية لإظهار أنها لا تزال قوية ولم تنته
ووقعت الحادثة حينما دخلت قوى أمنية فلسطينية إلى مخيم طولكرم، بهدف إزالة حواجز نصبها مسلحون في طرق المخيم، ووقع تبادل أطلاق نار بين المسلحين وأفراد الأمن الفلسطيني.
وقال متحدث باسم الشرطة الفلسطينية إن “مواطنا قتل بإطلاق نار داخل مخيم طولكرم وعليه باشرت الشرطة والأجهزة الأمنية إجراءات البحث والتحري في ظروف مقتله”.
وقالت مجموعات مسلحة في مخيم طولكرم في مقطع فيديو إن الأمن الفلسطيني أزال حواجز تمت إقامتها لصد مداهمات الجيش الإسرائيلي وأطلق النار على نشطاء ومواطنين.
وقال الناطق باسم الأجهزة الأمنية الفلسطينية اللواء طلال دويكات إن الأجهزة الأمنية أزالت “مواد خطرة وحواجز” من داخل مخيم طولكرم بناء على شكاوى من مؤسسات وأفراد.
وذكر دويكات، بحسب ما نقلت عنه وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية، أنه بعد إنهاء القوة الأمنية مهمتها قام بعض الشبان المسلحين بإطلاق النار أمام مبنى محافظة طولكرم، “الأمر الذي استدعى تدخل قوى الأمن لاتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة لضبط الحالة الأمنية، ومنع أي مظاهر لتهدد السلم الأهلي”.
وأكد دويكات أن “جهود المؤسسة الأمنية مستمرة في كل المحافظات لتوفير الأمن والأمان ومعالجة كل مظاهر الفوضى”.
وتحاول الأجهزة الأمنية الفلسطينية فرض سيطرتها في الآونة الأخيرة في مختلف الأراضي الفلسطينية، في ظل انتشار الأسلحة في صفوف الشباب، خصوصا في المخيمات.
وبالمقابل يتأهب شبان مسلحون في المخيمات الواقعة في شمال الضفة الغربية، خصوصا في أعقاب تكرار الاقتحامات الإسرائيلية لتلك المخيمات، مثلما وقع في مخيمات جنين وبلاطة وأيضا في مخيم طولكرم.
ومنذ أسابيع تتهم فصائل فلسطينية الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية بشن حملات مداهمة واعتقال في مدن ومخيمات تشهد هجمات ضد أهداف إسرائيلية في الضفة الغربية. وتقول السلطة الفلسطينية إنها تعمل على فرض سيادة القانون ومنع مظاهر الفوضى.
وتأتي الواقعة النادرة بعد مداهمات مكثفة ينفذها الجيش الإسرائيلي منذ أشهر في مناطق بالضفة الغربية، حيث زاد نشاط مسلحين فلسطينيين فيما يمثل تحديا للسلطة الفلسطينية المدعومة دوليا.
وقُتل المئات من الفلسطينيين، وأغلبهم من المسلحين، لكن من بينهم مدنيون أيضا، في مداهمات إسرائيلية منذ اندلاع أحدث موجة من العنف منذ أوائل 2022.
وفي ذات الفترة قتل العشرات من الإسرائيليين في عمليات إطلاق نار وطعن ودهس بالسيارات نفذها فلسطينيون. كما تزايدت وتيرة العنف من جانب المستوطنين الإسرائيليين ضد الفلسطينيين.
وفي أحدث واقعة، قال الجيش الإسرائيلي إن قواته أطلقت النار على فلسطيني على دراجة نارية قادها نحو القوات قرب مدينة الخليل الأربعاء، مما أسفر عن إصابة أحد الجنود.
ونددت حركتا حماس والجهاد بحادثة مقتل الشاب الفلسطيني. وقالت حماس، في بيان صحفي، إن “قتل أجهزة أمن السلطة الفلسطينية مواطنا فلسطينيا في طولكرم جريمة خطيرة تستوجب المحاسبة حفاظا على السلم الأهلي في مواجهة الاحتلال”.
ووصفت حماس الحادثة بأنها “جريمة تعكس المستوى الخطير الذي انحدر له التيار المتنفذ في السلطة”، مطالبة بضرورة محاسبة المتورطين فيها “حفاظا على السلم الأهلي والنسيج المجتمعي”.
وحملت الجهاد الإسلامي، في بيان صحفي، أجهزة السلطة الفلسطينية “المسؤولية التاريخية الكاملة عن الجريمة النكراء بإطلاق الرصاص على أبناء شعبنا وقتل وإصابة العديد منهم”.
واعتبرت الجهاد أن ما جرى في طولكرم “جريمة تتجاوز كل الخطوط، وتتنافى مع المبادئ والقيم الدينية والوطنية، وتتساوق مع الاحتلال المجرم في جرائمه وعدوانه”.
وتقول مصادر في رام الله إن السلطة الفلسطينية تريد أن ترد بقوة على أنشطة الفصائل في الضفة الغربية لإظهار أنها لا تزال قوية ولم تنته، كما يردد الكثير من الفلسطينيين ويلمح إلى ذلك المسؤولون الإسرائيليون.
وضغطت إسرائيل على الرئيس الفلسطيني محمود عباس لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد حركتي الجهاد وحماس اللتين تدعمان العمليات التي تستهدف إسرائيليين في مناطق الضفة وخاصة في المستوطنات.
وتشير المصادر الفلسطينية إلى أن الرئيس عباس يعمل على إقناع إسرائيل بأنه مازال موجودا وقادرا على ضبط الوضع، ولأجل ذلك تعتمد السلطة الفلسطينية على اعتقال النشطاء الذين لديهم علاقة بالخلايا التي استهدفت جنودا إسرائيليين أو مستوطنين، وهو ما سيضعها في مواجهة ليس فقط مع منتسبي حماس والجهاد وإنما أيضا مع عناصر حركة فتح وذراعها العسكرية كتائب الأقصى، وهم الذين باتوا يعتقدون أن أداء السلطة ضعيف وعاجزة عن الوقوف في وجه حكومة اليمين الإسرائيلي.
وتكمن مشكلة السلطة الفلسطينية التي أنشئت عام 1994 في افتقارها إلى الشرعية. فقد وعدت شعبها بأن الدبلوماسية وجهود التعاون مع إسرائيل من شأنهما أن تؤديا إلى إنهاء الاحتلال وتحسين مستوى معيشة الفلسطينيين. ولكن منذ الانتفاضة الثانية فقدَ هذا الوعد كل مصداقيته حيث تضاءلت فرص التوصل إلى اتفاق سلام، وطغى الصراع على العلاقات الفلسطينية – الإسرائيلية بدلا من التعاون.
ولا يعود ضعف شرعية السلطة الفلسطينية إلى فشل عملية السلام فحسب، بل يعزى أيضا إلى الطريقة المؤسفة التي حكمت بها السلطة وأدت إلى تراجع مكانتها تراجعا كبيرا.