طهران وبغداد تتفقان على نزع سلاح القوى الكردية الإيرانية المعارضة في انتظار موقف أربيل

التزم الحزب الديمقراطي الكردستاني الصمت حيال إعلان إيران عن اتفاق جرى مع بغداد بشأن نزع أسلحة القوى الكردية الإيرانية المعارضة والتي تتخذ من كردستان معقلا لها منذ عقود، الأمر الذي يثير الكثير من الشكوك بشأن موقف الحزب الذي يقود السلطة في الإقليم الواقع في شمال العراق.
طهران - أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية الاثنين أن إيران والعراق توصلا إلى اتفاق لنزع سلاح “الجماعات الإرهابية المسلحة” في إقليم كردستان ونقلها إلى أماكن أخرى الشهر المقبل، مشددة على أن طهران لن تقبل تمديد المهلة المحددة.
ويثير إعلان الخارجية الإيرانية نقاط استفهام كبرى بشأن ما إذا كانت بغداد نسقت الأمر مسبقا مع القيادة السياسية في إقليم كردستان الذي يحظى بحكم ذاتي في شمال العراق، وهل ستقوم فعلا الحكومة الكردية التي يقودها الحزب الديمقراطي الكردستاني بالاشتراك مع الاتحاد الوطني، بإجبار جماعات المعارضة الكردية الإيرانية على تسليم أسلحتها ونقل عناصرها إلى أماكن أخرى.
وقال متحدث الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني في تصريحات للصحافيين، إن “الحكومة العراقية التزمت بنزع سلاح الجماعات الإرهابية الانفصالية المسلحة”.
وأضاف أن “بموجب الاتفاق سيجري إجلاء المجموعات من الثكنات العسكرية ونقلها إلى المعسكرات كما خططت الحكومة العراقية بحلول التاسع عشر من سبتمبر”، دون أن يحدد المكان الذي ستُنقل إليه.
وأكد المتحدث الإيراني أن “الأمن مهم بالنسبة لإيران ونحن ملتزمون بترسيخه، وبعد الموعد النهائي، إذا لم يتم تنفيذ الاتفاق فسوف نقوم بمسؤولياتنا في إطار الحفاظ على أمن إيران”.
وقصفت إيران في السنوات الماضية عدة مرات مقرات فصائل من المعارضة الكردية الإيرانية المتواجدة منذ عقود في شمال العراق.
وتعد طهران هذه المجموعات منظمات “إرهابية”، واتهمتها بتهريب أسلحة إلى أراضيها انطلاقا من العراق وبأنها شجعت حركة الاحتجاج التي هزت إيران بعد وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في السادس عشر من سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.
وفي يناير الماضي، اتهمت إيران الجماعات الكردية المسلحة شمال العراق بتنفيذ هجوم تم إحباطه على منشأة عسكرية في مدينة أصفهان وسط البلاد.
وفي ذلك الوقت، قالت وكالة “نور نيوز” التابعة لأعلى هيئة أمنية إيرانية، إن المسيّرات الصغيرة والمتفجرات المستخدمة في الهجوم تم تهريبها إلى إيران من شمال العراق “بأمر من وكالة استخبارات أجنبية”، في إشارة ضمنية إلى جهاز المخابرات الإسرائيلي “الموساد”.
وجاء الحادث بعد أقل من شهرين على قيام الحرس الثوري الإيراني بهجمات صاروخية وطائرات مسيرة ضد أهداف مسلحة شمال العراق، ما أسفر عن مقتل 13 شخصا على الأقل.
وفي مارس الماضي زار مدير الأمن الإيراني آنذاك علي شمخاني العراق وأجرى محادثات مع مسرور بارزاني، رئيس حكومة إقليم كردستان العراق، حيث برز أمن الحدود في مناقشاتهما، وخلال الزيارة، وقّع الجانبان مذكرة تفاهم حول أمن الحدود.
إعلان الخارجية الإيرانية يثير نقاط استفهام كبرى بشأن ما إذا كانت بغداد نسقت الأمر مسبقا مع القيادة السياسية في إقليم كردستان
وأكدت الحكومة العراقية ما أعلنته الخارجية الإيرانية. وقال المتحدث باسم الحكومة باسم العوادي في بيان إن “العراق وقع اتفاقا مع إيران ينص على منع تسلل المسلحين وتسليم المطلوبين ونزع السلاح وإزالة المعسكرات، وقد نفذ التزامه”.
وأضاف العوادي أن “أهم مبادئ السياسة الخارجية هو أن لا يكون العراق طرفا في الإضرار بجيرانه”. وأشار إلى أن “السيادة العراقية تقتضي تفاهمات أمنية لحماية حدود العراق من أي اعتداء”.
وكشف مستشار أمني لرئيس الوزراء العراقي رفض نشر اسمه أن طهران طالبت بنقل الجماعات المعارضة الإيرانية إلى مخيمات اللاجئين.
وفي مقابل الإعلان الإيراني والتأكيد العراقي التزم الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يقوده مسعود بارزاني الصمت، فيما أكد الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يتزعمه بافل طالباني أنه لا علم له بنص الاتفاق.
قال القيادي في الاتحاد الوطني غياث سورجي “باعتبار أن المناطق التي تتواجد بها الأحزاب الكردية المعارضة هي مناطق نفوذ الاتحاد الوطني فإنه لم يتم تبليغنا بطرد الجماعات الإيرانية، كما أن وجود هذه الأحزاب هي باتفاق رعته الأمم المتحدة، وبالتالي يجب أن يؤخذ رأيها”.
وأضاف سورجي أنه “حتى الآن لم تنسحب الأحزاب الإيرانية أو تغيّر مواقعها، ولكن لا أستبعد أن تغيّر أماكنها وتنسحب لمناطق بعيدة عن الشريط الحدودي مع إيران”.

ويرى مراقبون أن صمت الحزب الديمقراطي يشي بالكثير لجهة أنه على علم بنص الاتفاق وربما منح موافقته لهذه الخطوة في سياق مساعيه لفك الخناق المالي الذي تضربه بغداد بإيعاز من طهران.
وتماطل بغداد في منح حكومة كردستان التي يرأسها مسرور بارزاني الحصة الشهرية المتفق عليها من الموازنة الاتحادية التي أقرها برلمان العراق منذ أكثر من شهرين، وتربط بغداد الأمر بجوانب لوجستية لكن مراقبين يقولون إن للأمر علاقة بدوافع سياسية في علاقة بابتزاز الإقليم في ملفات حيوية.
ويشير المراقبون إلى أن وجود عناصر الجماعات الإيرانية المعارضة في المناطق الخاضعة لسيطرة الاتحاد الوطني من شأنه أن يشكل واعزا إضافيا للحزب الديمقراطي لتحميل الاتحاد مسؤولية ما يحصل مع تلك الجماعات.
ويلفت هؤلاء إلى أن ما يعزز الرأي القائل بوجود علم مسبق وحتى موافقة من الحزب الديمقراطي حالة السيولة الإيجابية التي شهدتها العلاقة بين طهران وأربيل في الفترة الأخيرة، والتي ترجمها تبادل الوفود التجارية، وتأكيد الجانبين على وجود توجه لتعزيز التعاون الاقتصادي.
ويقول المراقبون إن الاتحاد الوطني سيجد نفسه الآن أمام فكي كماشة، فمن جهة لا يريد أن يغضب إيران التي يرتبط معها بعلاقات جيدة، ومن جهة ثانية فإن إجبار الجماعات المعارضة الإيرانية على تسليم أسلحتها ونقلها إلى معسكرات تحت أعين ميليشيات إيران في العراق، أمر سيتسبب له في غضب شعبي هو في غنى عنه، فضلا عن الأزمات التي يعيشها مع غريمه “الديمقراطي”.