استئناف مفاوضات سد النهضة الإثيوبي في القاهرة

القاهرة - حظيت الجولة الجديدة من المفاوضات بين مصر وإثيوبيا والسودان حول سد النهضة باهتمام خاص من المراقبين، حيث جاء الإعلان عنها بعد توقف استمر نحو ثلاث سنوات، وبمشاركة غير متوقعة لوفد سوداني، وفي ظل ملامح إيجابية بنجاح وساطة إمارتية رفيعة في تحريك بعض الجوانب الفنية المهمة.
وانطلقت في القاهرة، الأحد، جولة من المحادثات بمشاركة وفود من الدول الثلاث، على أمل تحريك المياه الراكدة في أزمة تسببت في حرب كلامية بين القاهرة وأديس أبابا جراء التباين في الرؤى وعدم التوصل إلى اتفاق ملزم حول السد الإثيوبي.
وكشفت مصادر مصرية لـ”العرب” أن اللقاءات الفنية التي بدأت في القاهرة بين الوفود الثلاثة تستمد زخمها من بيان صدر عقب لقاء الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مع رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد في القاهرة، على هامش قمة دول جوار السودان في الثالث عشر من يوليو الماضي، وهو اللقاء الذي منح مهلة مدتها أربعة أشهر للتوصل إلى تفاهمات تلبي تطلعات القيادتين.
وأوضحت المصادر ذاتها أن مشاركة وفد سوداني في المفاوضات تمثل أهمية كبيرة، على الرغم من أن بيان القاهرة المشترك بين مصر وإثيوبيا اقتصر عليهما فقط، لافتة إلى أن هذه المشاركة توحي بإمكانية كبيرة لتحقيق اختراق هذه المرة، ما يجعل من مشاركة الوفد السوداني الرمزية تمثل ضرورة فنية وقانونية.
وربط مراقبون لهذا الملف بين استئناف محادثات سد النهضة في القاهرة، وبين زيارة مهمة قام بها رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى إثيوبيا مؤخرا، حيث ناقش مع آبي أحمد ملف مفاوضات سد النهضة.
وقالت وكالة أنباء الإمارات “وام” في حينه إن الشيخ محمد بن زايد رحب بـ”الخطوة الإيجابية الخاصة بالاتفاق بين مصر وإثيوبيا على انطلاق مفاوضات للتوصل إلى تسوية بشأن ملف سد النهضة”، معربا عن “تمنياته بأن تصل هذه المفاوضات إلى حل مرضي لجميع الأطراف وبما يعزز التعاون بينها ويدعم الاستقرار في المنطقة”.
وأشار المراقبون إلى أن عقد اجتماعات فجأة في القاهرة، بحضور السودان، يؤكد أن هناك مشاورات جادة تمت منذ التوقيع على البيان المصري – الإثيوبي، أذابت جانبا من الهوة بين الطرفين، وبدأت كل دولة تتعامل مع الملف برؤية أكثر مرونة بما يحقق المصالح المشتركة والتخلي عن المعادلة “الصفرية”؛ حصول كل طرف على كل شيء وخسارة الآخر كل شيء، وهي صيغة أرخت بظلال سلبية على المفاوضات الفترة الماضية.
ولا تزال هناك تفاصيل فنية بحاجة إلى المزيد من المباحثات لتحاشي العودة إلى نقطة الصفر مرة أخرى، وهو ما تعمل على تجاوزه اللجان الفنية التي اجتمعت في القاهرة، الأحد، وجاءت بعد أسابيع من ترتيبات بين القاهرة وأديس أبابا على أمل أن تحرز تقدما ملموسا خلال الفترة التي حددها البيان المشترك وتنتهي منتصف أكتوبر المقبل.
وأكد وزير الموارد المائية والري المصري هاني سويلم أهمية التوصل إلى اتفاق قانوني مُلزم بشأن قواعد ملء وتشغيل سد النهضة يراعي مصالح وشواغل الدول الثلاث.
وشدد على أهمية التوقف عن القيام بخطوات أحادية، وأن استمرار ملء وتشغيل السد في غياب اتفاق إنما هو انتهاك لاتفاق إعلان المبادئ الموقع في مارس عام 2015 بالخرطوم.
وجاء استئناف المفاوضات بين الدول الثلاث بعد اقتراب إثيوبيا من إتمام الملء الرابع لسد النهضة بنجاح، وأن القاعدة الفنية التي تم التفاوض عليها قد تغيرت عما كانت عليه سابقا، وعلى القاهرة والخرطوم أن تراعيا الأمر الواقع الذي وصلت إليه أديس أبابا كي يتسنى التفاهم سريعا، فمراعاة المشهد الجديد يمكن أن يزيل الكثير من العقبات الفنية والقانونية التي وقفت حائلا أمام التوصل إلى اتفاق مقبول.
وأشار وزير الري المصري إلى أن بلاده تستمر في بذل أقصى الجهود لنجاح العملية التفاوضية، ولدى القاهرة إيمان بوجود العديد من الحلول الفنية والقانونية التي تتيح تلبية مصالح الدول الثلاث والتوصل إلى الاتفاق المنشود.
عقد اجتماعات بحضور السودان يؤكد أن هناك مشاورات جادة تمت منذ التوقيع على البيان المصري – الإثيوبي، أذابت جانبا من الهوة بين الطرفين
وقال أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة عباس شراقي على صفحته على فيسبوك “باقي أيام قليلة على انتهاء التخزين الرابع في سد النهضة.. وأظهرت إحدى الصور الحقلية النادرة في الفترة الأخيرة من موقع السد مستوى البحيرة أمامه والممر الأوسط، والمتبقي عدة أمتار للوصول إلى منسوب الممر الأوسط الذي يتضح أنه حوالي 620 – 621 مترا فوق سطح البحر، ولم يصل إلى 625 الحد الأقصى للتوقعات”.
وأوضح أن أديس أبابا سوف تنتهى قريبا من التخزين عند عبور المياه أعلى الممر الأوسط قبل نهاية أغسطس الجاري بتخزين حوالي 19 مليار متر مكعب تضاف إلى 17 مليارا إجمالي التخزينات السابقة ليصبح حجم البحيرة 36 مليار متر مكعب.
وتنزع هذه المعطيات واحدة من الأوراق التفاوضية وهي أن إثيوبيا قامت بأربع مرات للملء من دون تعاون أو تنسيق مع كل من مصر والسودان ولم تضر بمصالحهما المائية، أو على الأقل لم تسبب لهما خسائر فادحة، بما يقلل من تواتر الحديث عن أضرار بالغة سوف يسببها السد الإثيوبي للبلدين في أي محادثات.
وتتخذ أديس أبابا هذه المسألة كدليل على حسن نواياها في المفاوضات وسحب ورقة من أيدي القاهرة درجت على توظيفها لإحراج إثيوبيا، كما أن هذه النتيجة تصلح للبناء عليها في المحادثات الجارية لتغليب لغة المصالح على اللجوء إلى ثوابت تاريخية تريد أديس أبابا عدم الرجوع إليها.
وباتت القاهرة أمام مفترق طريق، إما أن تقبل التفاوض على أساس المصالح وتتجنب أكبر قدر من الخسائر أو تتمسك بموقفها الصارم وتواجه مصيرا غامضا بعد إخفاقها في الحصول على مواقف إقليمية ودولية داعمة لها.
وينطوي استئناف المفاوضات الفنية في القاهرة على إشارة ضمنية تقول إن الحكومة المصرية قبلت العودة إلى المحادثات على قاعدة المصالح وليس الثوابت.