تحديات شاقة أمام ليبيا لفك عقدة ترميم نظامها المالي

البنك المركزي تحت اختبار حقيقي لمعالجة قضايا سعر الدينار والمقاصة بين البنوك وطباعة العملة.
السبت 2023/08/26
انتبه.. عاين رصيد حسابك قبل السحب

تجمع أوساط اقتصادية أن ليبيا لا تملك ترف إضاعة الوقت بشأن الإسراع في ترميم نظامها المالي بعد توحيد البنك المركزي لإحياء الفرص الضائعة في العديد من المجالات جراء سنوات من الانقسامات، وتهيئة بيئة أعمال محفزة للمستثمرين وتحسين معيشة المواطنين.

طرابلس - تتزايد قناعة الخبراء من أن النظام المالي الليبي يشكو من ثغرات كثيرة يتوجب إصلاحها، مردها تأثيرات الحرب ورفض النافذين أيّ مساع لإعادة بناء قدرات اقتصاد البلد النفطي العضو في أوبك.

ويحتاج النظام المالي عقب الاتفاق على توحيد مصرف ليبيا المركزي إلى إصلاح عميق حتى يكون منسجما مع الظروف الراهنة لأن توفير التمويل للشركات والمستثمرين سيحرّك خيوطا كثيرة، منها الاستهلاك وتنمية التجارة وتحصيل عوائد إضافية لخزينة الدولة.

وانعكس انقسام العديد من المؤسسات السيادية على الوضع الاقتصادي في البلد الذي يعاني من صراعات مسلحة وسياسية منذ الإطاحة بحكم نظام معمر القذافي في عام 2011.

وأحد أهم تلك المؤسسات التي أضرت بالاقتصاد نجد المركزي، فقد انقسم في 2014، إذ تولى شخصان منصب المحافظ، أحدهما مارس مهامه من العاصمة طرابلس غربا والثاني في البيضاء شرقا.

وأدت تلك الحالة إلى إضعاف السيطرة على السياسة النقدية الموحدة وأداء الإشراف على القطاع المصرفي، الذي يضم 38 بنكا وفق بيانات اتحاد المصارف العربية، بصورة كاملة.

خالد الدلفاق: ثمة العديد من الملفات الآن يجب إعادة النظر فيها سريعا
خالد الدلفاق: ثمة العديد من الملفات الآن يجب إعادة النظر فيها سريعا

وعلى مدار تسع سنوات قام كل شق من البنك المركزي بطباعة النقود لتعويض النقص في السيولة دون تنسيق وفي غياب ضوابط شاملة لسياسة المالية العامة.

وهذا الوضع جعل البنوك في معظم الأحيان تغلق أبوابها أمام الليبيين لشح السيولة. وكذلك، بسبب الصراع السياسي والحرب تجمّدت كافة المبادرات والأنشطة في القطاع المالي بشكل كامل، في ما عدا الأنشطة المصرفية.

كما توقف عمل سوق الأوراق المالية (البورصة) مع قلة عمليات التداول العامة، بينما لا تزال أشكال التمويل الأخرى، كالتأجير المالي والتأمين، في أولى خطواتها وقد لا ترى النور حتى قبل سنوات من الآن.

ونظرا إلى تخلّف القطاع المالي الليبي وغرقه في متاهة من المشكلات العميقة، التي هددت أسس استمراريته في دعم بناء اقتصاد البلد، تعاني المشاريع الاستثمارية وأنشطة الأعمال الصغيرة والمتوسطة وكذلك السكان عادة نقصا في الخدمات.

كما أن توفير ظروف الحوكمة والشفافية المالية ظلت بعيدة عن أولويات الفرقاء الليبيين الذين اتفقوا على وضع حد للصراع السياسي بإجراء انتخابات لم تتم إقامتها حتى الآن.

واعتبر خبراء أن إعادة توحيد المركزي ستكون لها نتائج إيجابية تمس حياة المواطن منها توفر السيولة النقدية في البنوك وجوانب أخرى تخص الاقتصاد المحلي.

لكن الضرر الذي أصاب الاقتصاد جراء انقسام المركزي، الذي يحوز احتياطات تبلغ 82 مليار دولار تقريبا، يحتاج إلى خطوات عملية لمعالجة تلك التشوهات، ولا تكفي خطوة إعلان إعادة التوحيد فقط.

السنوسي إسماعيل: معالجة تشوهات الاقتصاد وتدهور معيشة الناس أولوية
السنوسي إسماعيل: معالجة تشوهات الاقتصاد وتدهور معيشة الناس أولوية

وقال الخبير الاقتصادي خالد الدلفاق للأناضول إن “توحيد المركزي له تداعيات مهمة على الاقتصاد الليبي، وخاصة بشأن إعادة النظر في سعر صرف الدولار مقابل الدينار”.

وليس ذلك فحسب، بل يتعلق الأمر بفتح المقاصة بين بنوك شرق البلاد وغربها، بالإضافة إلى توفر السيولة النقدية في كل البنوك التجارية في جميع مناطق ليبيا.

ويرى الدلفاق، وهو أستاذ اقتصاد سابق في جامعة مصراتة، أنه “بعد إعلان توحيد المركزي توجد خطوات أخرى يجب النظر إليها”.

وأهم تلك الخطوات إعادة تشكيل مجلس إدارة البنك حسب قانون 2005 والنظر في كل القرارات السابقة ومعالجة مشكلة الدين العام المحلي في الشرق والغرب.

وبحسب البنك المركزي يبلغ حجم الدين العام للبلاد حوالي 155 مليار دينار (32.5 مليار دولار)، ويرى البعض أنه في حدود آمنة، إذ لا يمثل أكثر من 76.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي البالغ نحو 202 مليار دينار (41.9 مليار دولار).

ويعتقد الدلفاق أن معالجة الآثار الاقتصادية التي سببها هذا الانقسام تحتاج لاتخاذ قرارات سريعة في ملفات كثيرة أهمها التضخم والمقاصة وتوفير السيولة عن طريق إعادة الثقة بين المواطن والمصارف التجارية.

ورأى أن إعلان إعادة توحيد المركزي بهذه الطريقة السريعة المفاجئة ودون تحضيرات واجتماعات يبدو من التجارب السابقة أنه توحيد سياسي بامتياز، لأنه لم يتم وفقا لقانون المصارف أو الآليات الصحيحة عبر السلطة التشريعية.

وكان البنك الدولي قد عرض على ليبيا مطلع 2019 إستراتيجية متكاملة تركز على محاور أساسية أهمها استعادة الخدمات الأساسية وتعزيز قدرات الحكومة لإدارة الأموال العامة والعمل على إعادة هيكلة النظام المالي والمصرفي.

وقبل الحرب، لم يكن النظام المالي متطورا بما فيه الكفاية نتيجة لامبالاة السلطات النقدية في عهد معمر القذافي بسبب إدمان البلد على ريع النفط.

Thumbnail

ولكن الأزمة التي تفجّرت إثر إسقاطه كشفت قمة جبل مشكلاته المزمنة وأظهرت ضعف دوره وتجلت أكثر مع العجز في توحيد البنك المركزي بشكل كامل حتى الآن.

وقال المحلل السنوسي إسماعيل إن “إعلان توحيد البنك خطوة إيجابية في سبيل معالجة تشوهات الاقتصاد وتدهور معيشة المواطنين نتيجة أسباب عديدة من أهمها عدم وجود سياسة مالية موحدة بسبب الانقسام الحكومي ولا سياسة نقدية موحدة”.

ومنذ مطلع العام الماضي، توجد في ليبيا حكومتان إحداهما كلفها مجلس النواب، والأخرى معترف بها من الأمم المتحدة وهي حكومة الوحدة الوطنية، برئاسة عبدالحميد الدبيبة، الذي يرفض تسليم السلطة إلا لحكومة جديدة يكلفها برلمان منتخب.

وأضاف إسماعيل للأناضول “هناك تفاؤل بإمكانية توحيد كافة مؤسسات الدولة بعد بداية توحيد أهم المؤسسات السيادية والمتمثلة في المركزي”، واستبعد أن يكون القرار سياسيا.

وأكد أن المركزي سيقع تحت اختبار حقيقي حينما يبدأ مجلس إدارته في مناقشة فتح المقاصة بين مصارف شرق البلاد وغربها وكيفية معالجة موضوع طباعة العملة في روسيا واعتمادها من عدمه أو الاكتفاء بالارتباط القديم للعملة الليبية بالنظام المصرفي البريطاني.

وقال “ما حصل هو إعلان توحيد مالي وليس سياسيا، فالأطراف قد تنتهج نهج تقاسم الكعكة بمعنى تقاسم الإيرادات مع الحفاظ على الواقع السياسي مع حكومتين تتقاسمان الميزانية بينهما في ظل استمرار هشاشة السلطة التشريعية وضعف السلطة الرقابية”.

وحذر من استمرار صرف ميزانيات الحكومتين لأنه يسهم في ازدياد تقليص احتياطيات النقد الأجنبي، خاصة إذا حدث هبوط مفاجئ لأسعار النفط، فالاقتصاد الليبي الريعي المشوه لا يمكنه الصمود أمام استنزاف المالية العامة بسبب الإنفاق المتزايد المصحوب بالفساد.

10