مستشفى الملك سلمان قمة جبل الثلج: أين ذهبت 100 مليار دينار تونسي قروضًا ومِنحًا ومساعدات

دعوات إلى البحث في استعمال الأموال في الإنفاق الحكومي أو خارجه.
الخميس 2023/08/24
القيروان تنتظر بناء المستشفى

تونس – أثارت إقالة الرئيس قيس سعيد لوالي (محافظ) مدينة القيروان (وسط) بسبب تعطيل مشروع مستشفى الملك سلمان النقاش مجددا حول مصير الأموال التي حصلت عليها تونس بعد الثورة وتقدر بأكثر من 100 مليار دينار تونسي (حوالي 35 مليار دولار). وتُتَّهم الحكومات التي قادت تونس بعد 2011 بتبديد الأموال التي حصلت عليها البلاد في شكل قروض ومنح ومساعدات.

 ورغم أنه لا توجد تقارير مفصّلة عن مجالات صرف تلك الأموال فإن معظمها أنفق ضمن مسار إغراق القطاع الحكومي بالموظفين لاعتبارات حزبية ونقابية وضمن خطط شراء السلم الاجتماعي ومحاولات الحد من موجة الاحتجاج التي سادت البلاد في السنوات الأولى التي أعقبت الثورة.

حسين الديماسي: إن وجدت شبهات الفساد فوجب على القضاء إثباتها
حسين الديماسي: إن وجدت شبهات الفساد فوجب على القضاء إثباتها

ويضاف إلى ذلك الكثير من الغموض الذي يلف مصير الهبات والمساعدات الخارجية الموجهة إلى دعم أهداف الثورة والانتقال الديمقراطي. وكشف رئيس اللجنة المالية في البرلمان التونسي عصمان شوشان الثلاثاء أن حجم القروض والهبات التي تلقتها الدولة التونسية منذ بدء الانتقال السياسي عام 2011 حتى عام 2021 بلغ 113.3 مليار دينار تونسي ( الدولار = 3 دينارات)، بعضها تحوم حوله شبهات فساد.

وأضاف شوشان أن عملية جرد كشفت أن تونس تحصلت على 325 قرضا طيلة تلك المدة، أي إلى حين إعلان الرئيس سعيد التدابير الاستثنائية في يوليو 2021 وحل البرلمان وإقالة الحكومة. ومشروع المستشفى ليس إلا عينة من مشاريع تمت برمجتها لكنها لم تر النور، بالرغم من تدفق الكثير من الأموال الخارجية على البلاد تحت عناوين مختلفة من بينها تنفيذ مشاريع ذات قيمة.

وقال رئيس اللجنة المالية بالبرلمان في تصريح لإذاعة “جوهرة أف أم” الخاصة إن “هناك شبهات فساد تحوم حول مآل هذه القروض، منها تلك المتعلقة بالمشاريع المعطلة التي من بينها مشروع مستشفى الملك سلمان بمدينة القيروان رغم تخصيص الأموال اللازمة لهذا المشروع”.

وتحتاج حكومة أحمد الحشاني إلى اتخاذ خطوات عملية في مساعي الكشف عن مصير تلك الأموال، ومعرفة ما إذا كانت قد وُظّفت في التغطية على عجز الميزانية أم أن شكوك رئيس لجنة المالية في البرلمان مُحقّة، بالرغم من أن هذه الشكوك لم يتم البحث فيها. ويقول خبراء ومحللون إن المشكلة التي تعترض مساعي قيس سعيد لتحسين أداء الإدارة متعددة الوجوه ومركّبة وتجمع بين تبديد المال العام والتعطيلات البيروقراطية وضعف الرقابة الحكومية، وخاصة العنصر الأخير الذي يفسر غياب صورة واضحة عن استعمال تلك الأموال ومجالات إنفاقها.

ويقرّ هؤلاء بضرورة أن تعمل الحكومة، بالتنسيق مع القضاء، على تسريع البحث عن مآلات تلك الأموال، وما استعمل منها في الإنفاق الحكومي ولحسابات خاصة، ومن هي الجهات المستفيدة. وقال أستاذ الاقتصاد رضا الشكندالي إن “ملف القروض والهبات طرح من طرف رئاسة الجمهورية سابقا ولم تتم متابعته، لأنه لا توجد مقاييس فعلية لمعرفة ما إذا كانت تلك الأموال قد استعملت بطريقة صحيحة أم بطريقة غير صحيحة”.

رضا الشكندالي: لا توجد مقاييس فعلية لمعرفة طرق إنفاق تلك الأموال
رضا الشكندالي: لا توجد مقاييس فعلية لمعرفة طرق إنفاق تلك الأموال

وأضاف الشكندالي لـ”العرب” أن تلك “الأموال سُخّرت إما صوب النفقات الاستهلاكية أو صوب النفقات الإنتاجية لتمويل المشاريع وحسب طلب الحكومات المتعاقبة”، لافتا إلى أن القروض الخارجية “لا بدّ أن تمر عبر البنك المركزي التونسي، وأن المؤسسات الدولية تتابع مصير تلك الأموال”.

وأفاد وزير المالية السابق حسين الديماسي بأن “الأموال التي حصلت عليها تونس من القروض والهبات بعد 2011 تم إلحاقها بميزانية الدولة، وجزء كبير منها خصّص لمواجهة العجز في الميزانية”.

وقال في تصريح لـ”العرب” إن “الحديث عن شبهات الفساد بخصوص تلك الأموال فيه صبغة سياسية، ولكن إن وجدت هذه الشبهات فوجب على القضاء إثباتها (سرقات واستحواذات)”، لافتا إلى وجود سوء تصرّف في تلك الأموال التي أُنفق قسط منها في غير حقه. وبالتوازي مع إغراق ميزانية الدولة بعشرات الآلاف من الوظائف، سادت ظاهرة تبديد المال العام بشكل غير مدروس إما في زيادة الرواتب والمزايا لنصف مليون موظف حكومي، أو في الإنفاق الحكومي اليومي بدلا من تنفيذ مشاريع كبرى يستفيد منها الناس، خاصة ما تعلق بالخدمات الصحية مثل مستشفى الملك سلمان، أو بالطرقات السيارة وتجديد أسطول الحافلات والقطارات.

وكشفت التعطيلات التي حفت بمشروع مستشفى الملك سلمان أن هناك عراقيل تتعلق بطبيعة الإدارة نفسها، لاسيما أن الدراسات الخاصة بإنشاء المستشفى طالت أكثر من اللازم بالرغم من رصد الاعتمادات المخصصة له، وهو ما أشار إليه الرئيس سعيد في ديسمبر 2022 حين تحدث عن “تلاعب بدراسات مستشفى القيروان.. العبث وإهدار المال العام انتهيا وإنجاز المشروع سينطلق في مارس (2023)”.

لكن تم تجاوز هذا الموعد، ولم يتقدم المشروع كما يريده قيس سعيد، ما دفعه إلى إقالة الوالي. ومشروع مستشفى الملك سلمان في القيروان تم الإعلان عنه خلال زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى تونس سنة 2017.

ووقّعت تونس والسعودية حينئذ اتفاقية هبة لتمويل مشروع إنشاء وتجهيز مستشفى الملك سلمان بن عبدالعزيز الجامعي في ولاية (محافظة) القيروان بقيمة 85 مليون دولار.

وأقال الرئيس سعيد والي القيروان على خلفية تعطل إنجاز مستشفى الملك سلمان بتمويل من المملكة السعودية، حيث أعلنت السلطات البدء بإنجاز الدراسات الأولى للمشروع منذ عام 2017.

ويقول الرئيس سعيد، الذي حل أغلب الهيئات الدستورية التي تعود إلى الفترة السابقة لعام 2021 بدعوى مكافحة الفساد والفوضى في مؤسسات الدولة، إنه يريد تطهير الإدارة وتفكيك الكارتلات التي تسيطر عليها.

اقرأ أيضا:

1