الحرب تغذي ازدهار تجارة البضائع مجهولة المصدر في السودان

بعد أعمال النهب أسواق "دقلو" تعرض سلعا بأسعار زهيدة.
الأربعاء 2023/08/23
لا حسيب ولا رقيب

تحول السودان بسبب فوضى الحرب إلى ما يشبه سوقا كبيرة تزدهر فيها تجارة البضائع مجهولة المصدر، وسط مخاوف من أن تلتهم جزءا أكبر من الاقتصاد الرسمي المتداعي أصلا جراء سنوات من الأزمات وفي ظل توسع ظاهرة التهريب عبر الحدود.

المسيد (السودان) - تعيش الكثير من الأسواق السودانية البعيدة عن الرقابة هذه الفترة على وقع اكتساح آلاف السلع المسروقة والمنهوبة والمواد المهربة، والتي صارت أحد مظاهر النزاع العسكري بين الفرقاء.

ومنذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل الماضي، شهدت الأسواق الرسمية نقصا حادا في العديد من المنتجات الاستهلاكية، خصوصا الأغذية بسبب تضرر العديد من المصانع، قابله انتعاش في التجارة الموازية.

وفي سوق جديدة نشأت على جانبي الطريق الذي يربط بين الخرطوم ومدينة ود مدني جنوبا تعرض أجهزة تلفزيون جديدة بأثمان أقل من سعرها بأربع مرات على الأقل، حيث يقف الباعة لتسويق ما لديهم من سلع.

واللافت في هذا الأمر أنه لا أحد بإمكانه معرفة من أين تم جلب البضائع، لكن من المرجح أنها نتيجة نهب وسرقة، ولكي يشتري أي شخص ما يريد ما عليه سوى دفع المبلغ المتفق عليه دون السؤال عن مصدر البضاعة.

وعلى بعد 50 كيلومترًا جنوب العاصمة الخرطوم، حيث تتواصل المعارك بين الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، نشأت هذه السوق الجديدة التي تحمل اسم “دقلو”، على اسم القائد العسكري.

نصرالدين شلقامي: نواجه صعوبات في التصدي للسلع غير معلومة المنشأ
نصرالدين شلقامي: نواجه صعوبات في التصدي للسلع غير معلومة المنشأ

وتقع سوق “دقلو” شمال ولاية الجزيرة التي استقبلت معظم النازحين من الخرطوم التي فرّ منها ثلاثة ملايين شخص منذ بدء الحرب. ويفرش الباعة بضائعهم على الأرض، وتتكون من أجهزة كهربائية ومواد بناء وقطع غيار سيارات وأدوية ومواد غذائية، وغيرها من البضائع.

وقالت بائعة تعرض شاشات بأحجام مختلفة لوكالة فرانس برس، لم تذكر اسمها، إن “الشاشة بخمسين ألف جنيه سوداني (80 دولارا)”، بينما يبلغ سعرها في متاجر البيع نحو 230 ألف جنيه سوداني (حوالي 383  دولارا).

وكان من الواضح عدم دراية البائعة بأبعاد الشاشات أو مواصفاتها، حيث قالت باستنكار لأحد الزبائن حين سألها عن ذلك “ألا ترى بعينك؟".

ولا يحتاج العارف بمثل هذه التجارة إلى الكثير من التمحيص للتأكد من أنها ليست قانونية بالأساس. وقال مصدر أمني، فضل طلب عدم ذكر اسمه، لوكالة فرانس برس إن “البضائع المعروضة في هذه الأسواق مسروقة.. لاحظ مدى انخفاض أسعارها".

ويقول سكان من العاصمة إن أسواقا تحمل الاسم نفسه نشأت في الخرطوم وضواحيها، حيث يشكو الجميع من نهب ممتلكاتهم من محال أو منازل أو سيارات في ظل المعارك المستمرة.

وقال محمد حسن خليفة، أحد سكان مدينة بحري وهي ضاحية شمال الخرطوم، "لقد سُرقت جميع مقتنيات منزلي". كما أكد أحمد عبدالعال، وهو صاحب محل الأجهزة الكهربائية في وسط الخرطوم، "تم نهب معرضي ومخزني بالكامل".

وأعلن وكيل سيارات تويوتا في السودان الأسبوع الماضي عن سرقة أكثر من ألف سيارة جديدة من مخازن الشركة ومعارضها، وكذلك قطع الغيار.

وأدانت المنظمات الأممية ما تعرضت له مقارها ومخازنها من "أعمال نهب"، وكان برنامج الأغذية العالمي قد أعلن في يونيو الماضي تعرض مخازنه وأصوله للنهب في مدينة الأبيض عاصمة شمال كردفان.

وكانت قوات الدعم السريع قد أعلنت في يوليو الماضي بدء “حملة مكثّفة لمحاربة عمليات النهب والتخريب، خاصة عمليات سرقة السيارات المدنية".

◙ الأسعار في المتناول.. المعروض أمامكم
◙ الأسعار في المتناول.. المعروض أمامكم 

وفي سوق “دقلو” وقف بائع يعرض ثلاجات تحمل علامات تجارية مختلفة، وإثر سؤاله عن سعرها قال “الثلاجة سعرها 150 ألف جنيه (حوالي 250 دولارا)”. ويبلغ سعر هذه الثلاجة 450 ألف جنيه (880 دولارا) في المحال التجارية المرخصة.

وعلى الناحية الأخرى من السوق سأل أحد الزبائن بائعة عن مصدر بضاعتها فردت غاضبة “تريد أن تشتري أم تريد التحدث".

وأعاق الصراع التدفقات التجارية من وإلى البلد، الذي كان طيلة عقدين محاصرا بعقوبات أميركية قاسية، بسبب مركزية الإجراءات المصرفية والجمركية في الخرطوم.

ويعاني معظم السودانيين من التضخم المرتفع والانخفاض الحاد في قيمة العملة وتدهور مستويات المعيشة منذ سنوات طويلة. ويعتمد حوالي ثلث سكان السودان البالغ عددهم 46 مليون نسمة على المساعدات الإنسانية.

وفي يوليو الماضي أكد رئيس جهاز حماية المستهلك نصرالدين شلقامي أن الجهاز يواجه صعوبات في التصدي للمخاطر، التي قد تنجم عن استخدام بضائع مهرّبة ومجهولة المصدر يجري تداولها في الأسواق، بعد دخولها من دول الجوار.

◙ السودان بات يعج بمظاهر التجارة الموازية، وأبرز تجلياتها "سوق التهريب" الضخمة في مدينة كسلا شرق البلاد

ونقلت وكالة أنباء العالم العربي عنه قوله “من الضروري أن تطبق السلطات إجراءات صارمة لضبط حدود السودان مع الدول المجاورة، وخاصة من الحدود الغربية والشرقية لمنع دخول تلك المنتجات المهرّبة".

ولفت في هذا الصدد إلى محدودية الدور الذي تلعبه حاليا الأجهزة الرقابية مثل سلطات الجمارك وجهاز حماية المستهلك في بعض النقاط الحدودية.

وتعج البلاد اليوم بالأسواق الموازية، فهناك سوق كبيرة في مدينة كسلا شرق السودان تسمى “سوق التهريب”، الأمر الذي يكشف صعوبة مكافحة هذه الظاهرة التي تتسع كل يوم مع زيادة الاضطرابات.

ويتمتع السودان بحدود برية مفتوحة مع العديد من الدول فضلا عن الحدود البحرية، ويعتبر من أكثر الدول التي تنتشر فيها ظاهرة التهريب، سواء منه أو إليه، مما له أثر كبير على اقتصاده الذي يعاني من تراكم الأزمات.

ويقول المسؤولون إن السلع والبضائع المهربة، خصوصا الأجهزة الكهربائية التي تباع في السودان، تدخل البلاد دون شهادات منشأ، وإن هذه السوق لا تخضع لرقابة السلطات.

وأرجع شلقامي أسباب وجود مثل هذه الأسواق وانتشارها على نطاق واسع إلى الفوضى وغياب تطبيق القوانين والضوابط الرقابية التي تنظّم دخول البضائع إلى البلاد.

ويقدر البعض من المتابعين أن نحو 90 في المئة من الهواتف المحمولة المعروضة للبيع في العديد من الأسواق، على سبيل المثال، تأتي مهرّبة من إثيوبيا المجاورة.

ويؤكد هؤلاء أن سبب دخولها إلى البلد ذي الاقتصاد الهش، والبالغ حجمه 35 مليار دولار مع ديون تبلغ 55 مليار دولار، يعود إلى عدم التزام البعض من أفراد قوات الجمارك على الحدود الإثيوبية بتطبيق القوانين.

◙ سوق مفتوحة
◙ سوق مفتوحة.. لك أن تختار 

10