البرلمان الكويتي: الأسئلة بلا إجابات بدل الاستجوابات

الكويت – شهد دور الانعقاد الأول للبرلمان الكويتي انقلابا في العلاقة بين النواب والحكومة، حيث أصبحت الأسئلة بديلا عن الاستجوابات التي كانت تلزم رئيس الحكومة والوزراء بالإجابة عن تساؤلات النواب. إلا أن القضايا الخلافية التي تناولتها بعض تلك الأسئلة توحي من جديد بأن عمر البرلمان الحالي سيكون قصيرا كسابقه.
وجرت العادة على أن يجري التهرب من الاستجوابات باستقالة الوزير المعني أو استقالة الحكومة نفسها، ومن ثم حل البرلمان. ولتلافي هذا السيناريو المكرر انقلبت آية الاستجوابات إلى أسئلة. وفي حين أن الاستجوابات ملزمة، فإن الإجابة عن أسئلة النواب ليست ملزمة، وهو ما يشجع الحكومة على تجاهلها إلى حد بعيد.
وتشير إحصاءات دور الانعقاد الأول من الفصل التشريعي السابع عشر لمجلس الأمة إلى أن النواب وجهوا 782 سؤالا بشأن قضايا مختلفة، إلا أن وزراء الحكومة ردوا على 11 في المئة فقط من هذه الأسئلة.
النواب وجهوا 782 سؤالا بشأن قضايا مختلفة، إلا أن وزراء الحكومة ردوا على 11 في المئة فقط من هذه الأسئلة
ويبلغ عدد أعضاء مجلس الأمة 50 نائبا، وهو ما يعني أن كل واحد من النواب وجه ما يزيد عن 15 سؤالا. وفي حين يرى النواب أن ذلك يشكل جزءا طبيعيا من مسؤولياتهم حيال القضايا التي تشغل اهتمامهم وحياة مواطني البلاد، فإن المسؤولين الحكوميين يرون أن عدد الأسئلة فاق ما يمكن للحكومة أن تجيب عنه، وأن كثرتها صارت تعيق متابعة الوزارات لأعمالها.
ويقول نواب تم تجاهل أسئلتهم إنهم قد يضطرون إلى التراجع عن الاكتفاء بالأسئلة، إذا لم يعد من الممكن الحصول على إجابات بشأنها.
ووفقا لشبكة الدستور فإن اليومين الماضيين اللذين سبقا عطلة المجلس شهدا تقدم النواب بنحو 186 سؤالاً من جانب 27 نائباً، كانت من نصيب رئيس الوزراء الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح وجميع الوزراء. وركزت معظم الأسئلة على ملفات تتعلق بالحالة المالية للدولة وهيئة الاستثمار وإدارة الاحتياطي العام واحتياطي الأجيال القادمة، وخطط الحكومة في إحلال المواطنين الكويتيين محل الجنسيات الأخرى في مختلف الجهات والهيئات (التكويت)، فضلاً عن قضايا أخرى مالية وإدارية.
وهناك قضايا خلافية تناولتها بعض أسئلة النواب، من قبيل الرسالة التي وجهها النائب مرزوق الغانم إلى رئيس الحكومة حول موضوع الفساد في وزارة الدفاع، قال فيها “عندما طالبت بتشكيل لجنة برلمانية للتحقق من كل الشبهات التي دارت حول هذا الموضوع قمت أنت وحكومتك بوأد الطلب بمساعدة نواب أحمد الفهد في البرلمان. وماذا كانت النتيجة الآن؟ نحن اليوم أمام فضيحة دولية مست بسمعة الكويت وأهلها رغم أن أهل الكويت بريئون من تلك التصرفات، وعليه فإن أمامك فرصة أخيرة باتخاذ إجراء واضح تجاه من أساء لسمعة الكويت وأهلها”.
وأضاف الغانم “إذا لم تتخذ الإجراء الذي يحفظ سمعة الكويت وينهي هذا الملف المشبوه، فسأتخذ الإجراء الذي يبرئ أهل الكويت من هذه الأفعال ولن أحنث بقسمي في ما يتعلق بالحفاظ على سمعة الكويت ومكانتها بمساندة كل الغيورين على اسم الكويت”.
وكان الغانم وجّه سؤالا الأسبوع الماضي إلى رئيس الحكومة قال في مقدمته إن الزميل العضو حسن جوهر تحدث ضمن مقابلة تلفزيونية في إحدى القنوات المحلية ومنشورة على موقع يوتيوب بتاريخ 11 – 9 – 2022 عن معلومات بالغة الأهمية والخطورة تتعلق بتحويل وزراء -منهم وزراء حاليون- أموالا عامة إلى حساباتهم الشخصية. وذكر أن لديه ملفا بمبالغ مالية تقدر بأكثر من 150 مليون دينار كويتي من المصروفات السرية ودخلت في حسابات شخصيات ومسؤولين، وأن بحوزته مستندات ووثائق سُلمت إلى رئيس مجلس الوزراء. و”حيث إن الواقعة على هذا النحو تشكل جريمة مال عام”، فقد طلب المرزوق معرفة الإجراءات التي تم اتخاذها حيال هذه القضية ومن هم الوزراء المعنيون بها، وكم هي قيمة المبالغ التي قاموا بتحويلها إلى حساباتهم الشخصية.
ويقول مراقبون إن هذه واحدة فقط من القضايا التي يمكن أن تؤدي إلى تفجّر الخلافات بين الحكومة ومجلس الأمة، لتؤدي بالتالي إلى انهيار التسوية القائمة على تحاشي الاستجوابات.
وإضافة إلى المرزوق كان من أبرز النواب الذين تقدموا بعشرات الأسئلة محمد هايف وجنان بوشهري وفهد المسعود وحمدان العازمي وفلاح الهاجري وشعيب شعبان وسعود العصفور وحمد العليان وهاني شمس وداود معرفي وحمد المدلج ومهند الساير وبدر الملا وعبدالله الأنبعي وسعد الخنفور ومهلهل المضف ومحمد الرقيب وعبدالعزيز الصقعبي وحسن جوهر، وعادل الدمخي وبدر النشمي ومحمد الحويلة وأحمد لاري وعبدالله جاسم المضف وخالد الفوزان وأسامة الزيد.
واستفسر النواب عن إجراءات الحكومة والخطوات التي اتخذتها تجاه قضايا تهم معيشة المواطن والحفاظ على المال العام، إضافة إلى تطورات التحقيقات في شبهات تعدٍّ على المال العام.
ويقول مراقبون إن التساؤلات التي يطرحها النواب لن تختفي من الوجود، طالما بقيت بلا أجوبة مقنعة، أو لم تقدم للقضايا المتعلقة بها معالجات تضمن إصلاحها. وهو ما يعني أن سياسة التجاهل التي تعتمدها حكومة أحمد النواف لن تقدم لها أي فائدة تتعدى كسب القليل من الوقت، قبل أن تعود الأسئلة لتنهال عليها من جديد، أو تتحول إلى خصام حكومي – نيابي آخر.
ويرى بعض النواب أن تجاهل الأسئلة إذا كان ينطوي على رغبة في إخفاء بعض الحقائق فإنه سلوك خطير، يمكن أن يهدد العلاقات القائمة على الثقة، لاسيما وأن الحكومة في حاجة إلى أن تثبت أنها تتبع سياسات أكثر احتراما لمعايير الشفافية، وأن تلتزم بمكافحة مظاهر الفساد داخل المؤسسات الحكومية، والتي غالبا ما تتخذ طابعا مواربا من قبيل الحصول على امتيازات غير مستحقة أو غير خاضعة لمعايير دقيقة.