مكتب تمثيلي روسي في الجزائر يدير العلاقات بسرية البيت الواحد

لندن – تنظر أوساط إقليمية ودولية بتوجس إلى سعي روسيا لإنشاء مكتب تمثيلي في الجزائر، وهو ما يعني أن موسكو ستكون ممثلة بكل إداراتها في البلاد، وأن المكتب سيكون بمثابة إدارة روسية في العاصمة الجزائرية تمر من خلالها العلاقات بين الطرفين بسرية البيت الواحد.
وتعتقد هذه الأوساط أن إنشاء هذا المكتب أخطر من بناء قاعدة عسكرية روسية في البلد، حيث ستصبح كل إدارة روسية حاضرة بمكتب تمثيلها في الجزائر وكل المراسلات ستتم بشكل داخلي مع الجزائريين.
وسيكون المكتب بمثابة قاعدة عمل إدارية متكاملة توفر السرية والتجهيز المشترك للملفات والصفقات والعمل الاستخباري وتنسيق السياسات الاقتصادية المتعلقة بالنفط والغاز وأسعارهما.
وتحرص موسكو على إقناع الجزائريين بفكرة أهمية هذا المكتب لأنه سيشكل لها نقلة نوعية باعتبار موقعه الجغرافي القريب من أوروبا والمطل على أفريقيا منطقة العمل المهمة بالنسبة إلى روسيا الآن.
وكانت للاتحاد السوفييتي مكاتب تمثيلية مشابهة في دول حلف وارسو السابق، ويبدو أن روسيا حريصة على استعادة هذه التجربة في الدول الأفريقية؛ إذ سبق أن افتتحت أيضا مكتبا في أفريقيا الوسطى حيث ينتشر مرتزقة فاغنر الروس.
المكتب نقلة نوعية لموسكو باعتبار موقعه القريب من أوروبا والمطل على أفريقيا منطقة العمل المهمة لروسيا
وأعلنت وكالة التعاون الخارجي الروسية (البيت الروسي) عن توصل الطرفين الروسي والجزائري إلى فتح مكتب للهيئة، ليكون بذلك مركزا متقدما جديدا للروس في أكبر الدول الأفريقية، وأحد مخرجات اتفاق الشراكة الإستراتيجية المعمقة الذي أُبرم في منتصف شهر يونيو الماضي في العاصمة موسكو، من طرف الرئيسين فلاديمير بوتين وعبدالمجيد تبون.
وبادر مسؤولون روس إلى الكشف من طرف واحد عن الاتفاق الجديد، بينما مازال الجزائريون ملتزمين الصمت إلى حد الآن، ويبدو أن المفاوضات في هذا الشأن قد قطعت أشواطا كبيرة وقد بوشرت منذ زيارة تبون التي شكلت منعرجا حاسما في تاريخ العلاقات الثنائية والإقليمية.
ويشكل الاتفاق الجديد خطوة لافتة في تاريخ العلاقات بين البلدين، لأن الجزائر تعد بمثابة المركز المتقدم للروس في شمال أفريقيا وعموم القارة السمراء، فبواسطة مكتب “البيت الروسي” تتم رعاية وتأطير التمدد الروسي الإستراتيجي والاستخباري في المنطقة، الأمر الذي يعتبر إعلانا عن مرحلة جديدة من التغلغل الروسي.
وكشف نائب رئيس الوكالة بافيل شيفتسوف في تصريحات لـ”سبوتنيك” الروسية أن “الجزائر أبدت استعدادها لاستضافة المكتب التمثيلي”، وهو التصريح الذي اعتمدت عليه مختلف التقارير المتداولة الأحد.
وقال المسؤول الروسي” نجري حاليا محادثات نشطة بشأن هذه المسألة مع الجزائر، إنها البلد الذي نهتم بفتح مكتب تمثيلي فيه، والجزائر لديها موقف إيجابي من الخطوة، وأبدت استعدادها الكامل لتأسيسه”.
ووكالة التعاون الخارجي الروسية هي جهاز يعمل بالتعاون مع جهاز المخابرات، الأمر الذي يعكس أهميتها في صناعة الأمن الإستراتيجي والجيوسياسي للروس، عبر المنظومة الاستخبارية التي تحصل عليها من مختلف المكاتب والنقاط، لتكون جاهزة بين أيدي الرئيس الروسي.
وتفيد معلومات متداولة بأن “البيت الروسي” جهاز تنتسب إليه أعداد معتبرة من الجواسيس والعملاء، وهو يفوق بشريا وكالة المخابرات الخارجية الروسية بنحو ست مرات، حيث يملك خلايا ومكاتب في مختلف ربوع العالم، أين يتم جمع المعلومات وتحليلها وتقديم تقاريرها إلى القيادة السياسية في البلاد.
المكتب سيكون بمثابة قاعدة عمل إدارية متكاملة توفر السرية والتجهيز المشترك للملفات والصفقات والعمل الاستخباري وتنسيق السياسات الاقتصادية المتعلقة بالنفط والغاز
وجاء هذا الإعلان متزامنا مع التطورات المتسارعة في منطقة الساحل الصحراوي، والانقلاب العسكري القائم في دولة النيجر.
ويبدو أن الروس -من خلال الشراكة مع الجزائر- بصدد البحث عن مكتسبات ومفاتيح إستراتيجية قوية تجسد التغلغل الروسي في المنطقة وفي عموم القارة السمراء، وذلك بالتوازي مع التمدد الملاحظ عبر نشاط مسلحي فاغنر الذين حققوا انتشارا أفقيا داخل القارة الأفريقية ربط بين شرقها وغربها، مما سيشكل صدمة للقوى الإقليمية والدولية الباحثة عن موطئ قدم داخلها، على غرار الصين والولايات المتحدة وتركيا.
وأثناء زيارة الرئيس الجزائري إلى روسيا في منتصف شهر يونيو الماضي لم يتم الإفصاح عن طبيعة الاتفاقيات المبرمة بين البلدين، ولا عن محتوى التعاون الإستراتيجي المعمق، لكن يبدو أن مكتب “البيت الروسي” في الجزائر سيكون أحد المكاسب المحققة للروس الباحثين عن توسيع رقعة الصراع مع الغرب خارج محيط أوكرانيا، على أمل إنهاك تركيز واهتمام الغرب ونقل التهديدات إلى جوار الخاصرة الجنوبية للقارة الأوروبية.
وخلال تلك الزيارة أجرى تبون وبوتين محادثات في موسكو، ووقعا إعلانا مشتركا يحدد عددا من مجالات التعاون الثنائي بين البلدين، وتضمنت حزمة الوثائق إعلانا حول تعزيز التعاون الإستراتيجي بين روسيا والجزائر، والذي قال بوتين إنه “سيفتح مرحلة جديدة أكثر تقدما في العلاقات الثنائية بين البلدين”.
وآنذاك تعهد الرئيسان في الإعلان بـ”تطوير التعاون الإستراتيجي، وتكثيف الاتصالات المباشرة بين مؤسساتهما المالية والمصرفية الوطنية، وتعزيز التعاون الهادف إلى زيادة الاعتماد على العملات الوطنية في التجارة، وخلق قنوات مصرفية للمعاملات الآمنة والمستقلة عبر الحدود”.