شغور منصب وزير الاتصال لا يعطل قبضة السلطة على الإعلام في الجزائر

الإعلام الجزائري يستمر في التماهي مع توجهات السلطة بنفس الوتيرة والولاء.
السبت 2023/08/19
مهمة الإعلام الجزائري تمرير الرسائل

الجزائر - يستمر الإعلام الجزائري في التماهي مع توجهات السلطة بنفس الوتيرة والولاء، رغم شغور منصب وزير الاتصال منذ شهرين، الأمر الذي يوحي بأن القطاع يدار من خارج الوزارة، وليس لها أي دور فيه إلا الوصاية الشكلية، ولذلك لم تتأثر الحكومة بعدم وجود الوزير.

ويستمر شغور منصب وزير الاتصال في الحكومة الجزائرية رغم مرور نحو شهرين على إقالة الوزير محمد بوسليماني، في أعقاب الحادثة التي ورطت السلطة في أزمة دبلوماسية مع دولة الإمارات العربية المتحدة.

ولا تزال وتيرة الإعلام الجزائري بشقيه الحكومي والخاص، تسير بشكل عادي، حيث اجتمع الرئيس عبدالمجيد تبون بثلة من الصحافيين في لقاء دوري دأب على تنظيمه منذ وصوله إلى قصر المرادية نهاية العام 2019، ومرر الرسائل التي يريدها للرأي العام الداخلي والخارجي.

مكانة وزير الاتصال في الحكومات المتعاقبة، تعكس في واقع الأمر النظرة التي توليها السلطة السياسية للقطاع

ويرى متابعون للشأن الجزائري أن رغم تولي الأمينة العامة للوزارة فوزية بن دالي ملء الفراغ الشكلي الذي خلفته إقالة الوزير بوسليماني، إلا أن الوزارة المذكورة تبقى آخر هيئة حكومية يمكن أن تؤثر في إدارة الشأن الإعلامي للبلاد، فكل القرارات والمهام المفصلية تتخذ في دوائر أخرى أكثر نفوذا وتأثيرا.

ويشير المتابعون إلى أن مكانة وزير الإعلام في الحكومات الجزائرية المتعاقبة، تعكس في واقع الأمر النظرة التي توليها السلطة للقطاع، والنمط السياسي الشمولي المنتهج خاصة خلال السنوات الأخيرة، وهو ما ينعكس على صورة الإعلام المحلي، ويترجم وضعية الحريات السياسية والإعلامية بالبلاد، حيث تنفرد دوائر غير معلنة في مؤسستي الرئاسة والاستعلامات بإدارة الشأن الإعلامي، في حين تكتفي الوزارة بدور شكلي.

ويضيف هؤلاء أن وزير الاتصال يبقى بمثابة الفزاعة الكهربائية التي تحترق في الوقت المناسب من أجل حماية باقي المنظومة، وهو ما وقع مع وزير الإعلام السابق بوسليماني، الذي أعلن عن إقالته في منتصف الليل، ولم ينتظر أصحاب القرار إلى غاية ساعات الصباح، لأن الرسالة كانت تكمن في سرعة القرار وليست في مضمونه.

وتجزم مصادر مطلعة بأن إبعاد الوزير كان بغرض احتواء ورطة دبلوماسية لم يكن المتسبب فيها، وإنما أوعز إليه للقيام بها، غير أن تعدد دوائر القرار السياسي والدبلوماسي انتهى إلى التضحية بالوزير مقابل الإبقاء على شعرة معاوية مع الإمارات.

وحتى الوزير الذي يكون قد طُلب منه الإسراع بتسريب الخبر على أي منصة إعلامية، وانفرد بنشره موقع قناة النهار الخاصة، حول ما سمي بـ”لجوء السلطات العليا للبلاد إلى طرد سفير دولة الإمارات العربية المتحدة، رفقة عدد من الدبلوماسيين الإماراتيين بعد تفكيك شبكة تجسس لصالح إسرائيل”، لم يكن ليجرؤ على تسريب المعلومة للقناة من أجل النشر، لو لم يتلق إيحاءات من طرف جناح قوي داخل السلطة.

لكن سطوة الجناح المعتدل داخل السلطة، سرعان ما استعاد المبادرة وكان قرار طرد الوزير أول خطوة له لتأكيد الجزاء الرسمي على الخطأ وتجنب أزمة مع الإمارات، ثم أوعز لوزارة الخارجية بإصدار بيان يشدد على حصريتها في القرار الدبلوماسي، ومع ذلك غادر الوزير ولم يحدث أي شيء للقناة التي استمرت بشكل عادي.

ومنذ قدومه إلى قصر المرادية نهاية العام 2019، أرسى الرئيس تبون تقليدا سياسيا جديدا، يتمثل في إقالة الوزراء بشكل فردي ومعزول وخارج الحركات والتعديلات الحكومية، وإسناد مهامهم لزملاء لهم أو لكادر من الوزارة، وفي أحسن الحالات ينال بعض المبعدين مبررا من مفردتين في بيان مقتضب، فحواهما “خطأ جسيم”، دون أي توضيحات أخرى عن طبيعة الخطأ أو الجزاء المنتظر، أما الآخرون فلا يحصلون حتى على شرف المفردتين.

وزير الاتصال يبقى الفزاعة الكهربائية التي تحترق في الوقت المناسب من أجل حماية باقي المنظومة، وهو ما وقع مع وزير الإعلام السابق بوسليماني

وينزع عارفون بالشأن الجزائري إلى فرضية تفكير السلطة في الاستغناء عن وزارة الاتصال، تمهيدا لتحرير القطاع من أي قراءة لمرور شهرين على قرار إبعاد وزير الاتصال، ويربطون المسألة بتجاذب الأجنحة حول الشخصية التي تشغل المنصب.

وتبقى القرارات الأساسية في القطاع، المتصلة باعتماد العناوين الصحفية، والدعم المالي للمؤسسات الإعلامية، في يد دوائر مؤثرة في رئاسة الجمهورية وجهاز الاستعلامات والجيش، بينما تكتفي الوزارة بالمعاملات الإدارية اليومية، وتتمسك السلطة ببقاء الوزارة لتحميلها مسؤولية الأخطاء المحتملة وإبعاد الأنظار عن الدوائر الحقيقية لصناعة القرار الإعلامي.

وظل الوزير بوسليماني يشكل الحلقة الأضعف في حكومة أيمن بن عبدالرحمن، ورشح للتغيير في التعديل الماضي، إلا أنه فاجأ الرأي العام والمهتمين بالبقاء في منصبه، رغم الزلات التي وقع فيها، خاصة لما كان محل ابتزاز وسخرية من طرف ما يعرف بـ”المراهق النصاب” (يعقوب بلحساني)، الذي اتصل به وبمدير التلفزيون الحكومي ووبخهما بعدما قدم لهما نفسه على أنه مدير الاستعلامات الداخلية.

وتعود أول وآخر محاولة للاستغناء عن وزارة الاتصال في الجزائر إلى مطلع تسعينات القرن الماضي، لما حاول رئيس الحكومة آنذاك إلغاء الوزارة من التركيبة الحكومية مواكبة للانفتاح السياسي والإعلامي الذي انتهجته حينذاك السلطة، إلا أنه منذ التراجع عن الخيار المذكور، عادت الوزارة إلى كل الحكومات المتعاقبة، فهي الشماعة التي تعلق عليها كل الأخطاء المرتكبة، والفزاعة التي يضحى بها لإنقاذ وجه السلطة، فيما بقي القرار الإعلامي الهام يتخذ خارج أروقة الوزارة.

5