نوادي كرة القدم في صميم سياسة شراء السلم الاجتماعي في الجزائر

شركات حكومية تشتري وتمول نوادي كروية.
الأربعاء 2023/08/16
مشجعون اليوم.. محتجون غدا

تعمل مؤسسات حكومية بإيعاز من السلطة على ضخ أموال معتبرة لشراء نوادي كرة قدم محلية، على أمل إنقاذها من الإفلاس واستمالة جماهير المشجعين التي تمثل إحدى بؤر السلم الاجتماعي في البلاد، في المقابل تتفاقم ظاهرة الغلاء والندرة وما يصاحبهما من غضب اجتماعي، وارتفاع للأصوات الناقدة لوجهات إنفاق المال العام.

الجزائر - قدم وزير الطاقة الجزائري محمد عرقاب تطمينات إلى الشارع الرياضي في مدينة وهران بغرب البلاد، حول قرب موعد تكفل فرع “هيبروك”، التابع لمجمع سوناطراك الحكومي المحتكر لقطاع الطاقة في البلاد، بنادي مولودية وهران لكرة القدم ماليا وإداريا، وهو ما يشير إلى أن نوادي كرة القدم باتت في قلب سياسة السلم الاجتماعي التي تنتهجها الدولة منذ عقود.

وجاء تعهد وزير الطاقة الذي أطلقه لنواب برلمانيين عن المحافظة، في سياق توجهات رياضية ومالية جديدة تتم تحت عيون السلطة، والتي تتمثل في تكفل الشركات الحكومية بضخ أموال ضخمة في حسابات عدد من النوادي الناشطة في ما يعرف بدوري المحترفين، لإنقاذها من الإفلاس والحفاظ على استقرار الشارع الكروي الذي تستقطبه.

والمسألة لم تعد تتعلق بمجرد تبرعات نزولا عند رغبة المشجعين والأنصار لمختلف النوادي الكروية، وإنما في إطار مخطط يتضمن شراء تلك المؤسسات العمومية لنوادي كرة القدم، والتكفل بها ماليا وإداريا، حيث أقدمت مؤخرا شركة “موبيليس” للهاتف الخلوي على شراء نادي شبيبة تيزي وزو، وتكفلت شركة “سونالغاز” المحتكرة لإنتاج وتوزيع الكهرباء والغاز بنادي وفاق سطيف، وقبلهما أقدمت فروع تابعة لشركة سوناطراك المالكة لنادي مولودية الجزائر، على شراء نوادي شباب قسنطينة وشبيبة الساورة، ومولودية وهران في الأفق القريب.

وتجري الصفقات المذكورة بعيدا عن الرقابة والنقاش الضروري ووفق تصورات فوقية، لاعتقادها أن السلم الاجتماعي يمر بالضرورة عبر بوابة مدرجات الملاعب والمشجعين، وأن إنقاذ نواد كروية سيحقق لها تعاطف الشارع وعدم محاسبتها على مختلف الأوضاع المتدهورة.

◙ صفقات تمويل وشراء النوادي الكروية تتم بعيدا عن الرقابة والنقاش الضروري ووفق تصورات فوقية.

ويبقى الشارع الكروي الملتف حول مختلف النوادي الكروية في البلاد، يمثل رافدا مهما في وعاء الغضب الشعبي الذي تخشى السلطة أن ينفجر في وجهها، كما حدث مع احتجاجات الحراك الشعبي، التي تبلور جزء منها في مدرجات ملاعب رياضية لنواد كروية معروفة بشعبيتها الواسعة والمتجذرة، والتي كانت تتخذ من مدرجات الملاعب منصة لإطلاق أصوات الغضب ونقد إدارة الشأن العمومي من طرف القيادة السياسية، والاقتصاص من السلطة التي تحظر عليها فضاءات التعبير العام في البلاد.

وكان عرقاب، قد بحث مع مجموعة من نواب الغرفة الأولى للبرلمان (المجلس الشعبي الوطني) الوضعية الصعبة التي يعيشها نادي مولودية وهران لكرة القدم. وأفاد بيان لوزارة الطاقة بأن “اللقاء سمح بالتطرق إلى الوضعية الصعبة التي يعيشها نادي مولودية وهران العريق لكرة القدم، والتي خلقت تذمرا كبيرا لدى فئات عريضة من الأنصار، والتي تطالب السلطات العمومية بإيجاد حل عن طريق مؤسسة اقتصادية عمومية للتكفل بالفريق على غرار الفرق والنوادي الوطنية الأخرى”.

وأضاف “في هذا الصدد قدم الوزير للنواب شروحات حول كيفيات التكفل بالنوادي الرياضية والشروط التنظيمية التي تضبط الأمور المتعلقة بذلك، والتكفل التام بهذه المسألة وقد عرفت عملية التكفل تقدما كبيرا مع طرف الشركة العمومية “هيبروك”، فرع تابع لمجمع سوناطراك، وهي في مراحلها الأخيرة وستعرف انفراجا خلال الأيام القليلة القادمة، ويسترجع الفريق نشاطه على أسس صحيحة والرجوع إلى المنافسة وإسعاد جماهيره”.

ولفت إلى أن “وزير الطاقة أصغى للانشغالات المطروحة من طرف نواب الشعب لأجل التكفل بها”، وهو ما يوحي بأن المورد الأول لمداخيل البلاد من العملة الصعبة، والمحتكر لأكبر الثروات الباطنية، بصدد شراء ناد كروي جديد، سينضاف إلى مولودية الجزائر وشبيبة قسنطينة وشبيبة الساورة، ليكون بذلك القاطرة التي تقود موضة شراء النوادي الكروية، رغم اللبس الذي يكتنف المسألة.

وأثار الخيار الذي يتم بتزكية من السلطة، حالة من الغضب والحنق لدى نواد وجماهير أخرى، لم تكن محظوظة لشرائها من طرف مؤسسات حكومية، كما هو الشأن لنوادي خنشلة، مقرة، الشلف، وادي سوف.. وغيرها، الأمر الذي أعطى انطباعا أو شعورا بالتمييز والانتقائية بين أبناء ونوادي البلد الواحد، في أول انعكاس لسلبيات الخطوة التي توظف المال العام في كرة القدم، رغم أولوية وإلحاح القطاعات الأخرى للتكفل بها.

ولم تخضع العملية لأي نقاش سياسي أو برلماني، رغم خطورتها على موارد المؤسسات الحكومية التي توجه لإبرام مثل هذه الصفقات بصفة قسرية حسب مصدر مطلع، خاصة في ظل افتقادها للخبرة في مثل هذه الاستثمارات وغياب الجدوى الاقتصادية والمالية في هكذا مشاريع، في ظل الفساد والتداخل السياسي في المنظومة الكروية الجزائرية المحلية.

◙ العديد من الناشطين واللاعبين القدماء يعترضون على موضة شراء المؤسسات العمومية للنوادي الكروية بسبب مخاطر الفساد التي تلف العملية

ويعترض العديد من الناشطين واللاعبين القدماء على موضة شراء المؤسسات العمومية للنوادي الكروية، بسبب الممارسات البيروقراطية ومخاطر الفساد التي تلف العملية، المستلهمة من حقبة سبعينات القرن الماضي، لما كانت النوادي الرياضية مملوكة لشركات القطاع الحكومي.

ويرى هؤلاء أن الجزائر بهذه الخطوة تصنع الاستثناء بالتصرف الإداري في المال العام دون العودة إلى إرادة الشعب، وللأولويات المطروحة في ذروة الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، حيث يتم توظيف المال العام في إلهاء الشارع وإبعاد الأنظار عن الانشغالات الحقيقية للمجتمع، على غرار البطالة ومناصب الشغل والقيمة المضافة.. وغيرها.

وبدل صناعة احتراف رياضي، تكون النوادي فيه هي مؤسسات قائمة بذاتها تستثمر رياضيا وماليا واقتصاديا من أجل تحقيق عائدات لها، يجري العودة إلى ممارسات سبعينات القرن الماضي، بإرغام المؤسسات الحكومية الأخرى على شراء نواد رياضية، رغم أن المسألة تتعلق بمال عام يتوجب العودة إلى ملاكه عند الرغبة في استثماره خارج أطره العادية.

وتتفادى الشركات العمومية المالكة الكشف عن النفقات السنوية وحجم الاستثمارات التي تغامر بها في النوادي الكروية، أو تقديم جرد سنوي للرأي العام حول المدفوعات والعوائد، تفاديا لانتقادها ومن خلفها السلطة التي تدعمها في هذه السياسة المفعمة باللبس والغموض

4