الأردني يحيى مساد يلتقط المشاهد النابضة بالحياة

مساد يعمد إلى تصوير انعكاس الظل للأشخاص والكائنات والأشياء على الأرض.
الثلاثاء 2023/08/15
صور تضج بالتفاصيل

عمّان - تقوم أعمال المصور الفوتوغرافي الأردني يحيى مساد على التقاط اللحظات الحساسة والمشهد النابض بالحياة، حيث يقدم مساد مفهومًا عميقًا للصورة التي يرى أنها لا تعني التقاط المشهد عبر كاميرا باتت متوفرة للجميع مع التقدم التكنولوجي والهواتف الذكية، وإنما هي تجسيد لامتزاج المشاعر والأفكار.

وتظهر في أعمال مساد قوة التكوين الذي يحمل في خلفيته رسالة ما، ويبث مشاعر وعواطف مدروسة، لذا نراه يهتم بمفردتي الضوء والظل، ويرى أن التعامل معهما باحترافية هو ما يمنح الصورةَ الحسَّ الجمالي والحيوية، ويميز المصورَ المحترف عن سواه.

وفي صوره التي تضج بالتفاصيل، يتضح بشكل واضح تعامل مساد مع هذين المفردتين، مما يمنح أعماله الفنية عمقًا ثالثًا، وهذا ما يظهر عبر سلسلته التي قدّمها من وحي صخور المدينة الوردية (البتراء)، ومن وحي جبال صحراء وادي رم، حيث تحقق التشكيلات الصخرية والألوان الوردية حضورًا طاغيًا تبدو معه كما لو أنها منحوتات مذهلة.

أعمال مساد التي اعتمدت الأبيض والأسود تقارب اللوحات التجريدية من خلال التركيز على الظل والضوء والتشكيلات التي تتداخل
أعمال مساد التي اعتمدت الأبيض والأسود تقارب اللوحات التجريدية من خلال التركيز على الظل والضوء والتشكيلات التي تتداخل

ويهتمّ مساد في تصويره للمكان والطبيعة فيه بالتفاصيل الدقيقة والمهمَلة؛ إذ يقوم بالتركيز عليها وتكبيرها وتضخيم حضورها لتستحوذ على التكوين الكامل للعمل، وهذه المنمنمات “الصامتة” بالنسبة إليه تبدو أكثر بلاغة مما يمكن قوله، حيث تتجلى أشواك الصبار الصغيرة التي تخرج من الأوراق الحاضنة لها قويةً ومهدّدة، وتصبح الخطوط الرقيقة على الرمل مسارات فارقة، وتتحول التجاعيد على وجه عجوز متعَب إلى قصة تروي حياة بأكملها.

وفي صوره التي يستمدها من الطبيعة بما فيها من تضاريس ونباتات ومياه وحيوانات، يركز مساد على التقاط اللحظة في المكان والزمان المناسبين، وهو يرى أن هذين العنصرين يشكلان معًا البعد الرابع للصورة الفوتوغرافية.

ويوضح الفنان فكرته هذه بقوله “إننا حين نشاهد فيلمًا سينمائيًّا، يستغرق ذلك ساعة أو ساعتين أو أكثر قليلًا.. ومن خلال الفيلم يجد كلّ منا أنه يعيش العديد من السنوات، وينسجم في متابعة كل لحظة تمر، ويعيش تفاصيل حكاية كل شخصية.. وهذا هو الدليل الأوضح على تأثير عنصرَي الزمان والمكان على الذاكرة البصرية وتغذيتها جماليًّا وثقافيًّا. فمن غير هذه التغذية البصرية لن يتمكن المصور من تدريب عينه على احتراف اللقطة وتأبيد دهشتها”.

وفي أعماله التي يلتقط بها مشهدًا يعبّر عن فكرة ما، نجد مساد، عضو اتحاد المصورين الدوليين، يصور طائرة تحلّق في السماء بينما سرب من الطيور يخفق أجنحته حولها، معيدًا بذلك إلى الأذهان محاكاة الطائرات لحركة الطيور، ومن خلال استخدامه اللونين الأبيض والأسود يعكس هذا المفهوم بطريقة غير مباشرة، باختفاء الألوان يظهر التشكيل الخارجي الواحد للجسم؛ جسم الطائرة، وأجسام الطيور. وهنا تتجلى عبقرية الفكر الإنساني وسعيه ومحاولاته للطيران وارتياد السماء عبر الزمن.

كما يعمد مساد، الممثل الرسمي للجمعية الأميركية للتصوير الفوتوغرافي في الأردن، إلى تصوير انعكاس الظل للأشخاص والكائنات والأشياء على الأرض، مفتونًا بلعبة الظل والضوء التي تُظهر ظلالًا للموجودات تختلف بين لحظةٍ وأخرى تبعًا لميلان الشمس في الأفق.

Thumbnail

ويمكن القول إن أعمال مساد التي اعتمدت الأبيض والأسود تقارب اللوحات التجريدية سواء من خلال التركيز على الظل والضوء، أو من خلال التشكيلات التي تتداخل معًا. مثال ذلك تصويره لرأس الحصان، ولانعكاس ظلال السفن والبجع على صفحة الماء، وتصويره لشخص يدخل ما يُشبه سردابًا عميقًا، وحتى تقديمه صورةً شخصيةً لظلِّه الذي ينعكس على صخرة كبيرة.

ومساد هو فنان أردني يعمل مدرب تصوير فوتوغرافي ومصمم غرافيك، لديه عضويات عديدة منها في الجمعية الأردنية للتصوير والاتحاد العالمي للتصوير كما يمثل كلا من الجمعية الأميركية واتحاد المصورين الدوليين في الأردن، وهو أيضا مدير تحرير المجلة الفوتوغرافية العربية. وهو حاصل على ثماني جوائز دولية بين عامي 1991 و2000 والعديد من التكريمات. له العديد من المعارض الشخصية والمشاركات الدولية.

وإيمانًا منه بأهمية نقل الخبرات عبر الأجيال، أطلق مساد مؤسس الجمعية الأردنية للتصوير ورئيسها (1994 – 1998) مبادرة حملت عنوان “المواهب العربية الفوتوغرافية”، بهدف تعليم أساسيات الصورة وتقنياتها، والارتقاء بها بصريًّا وجماليًّا. وأنشأ لهذه المبادرة موقعًا إلكترونيًا متخصصًا، وقناة تلفزيونية وإذاعة ومجلة إلكترونية، وجميعها تقدم مناهج متخصصة في التصوير الفوتوغرافي والتصميم الغرافيكي.

14